محافظ كفر الشيخ يبحث سُبل تنمية المناطق الصناعية لدعم الاقتصاد    القليوبية: المؤبد لصاحب محل قطع غيار لاتجاره في المواد المخدرة بالخانكة    "بيع الحشيش في نص الشارع".. استمرار حبس 3 من أباطرة الكيف بالوايلي    ما حكم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول؟ .. المفتى نظير عياد يجيب    رئيس الوزراء: الدولة نجحت في إنشاء أكثر من مليون وحدة إسكان الاجتماعي    محافظ البحيرة تتفقد عددا من المدارس لمتابعة سير العملية التعليمية| صور    المؤبد لصاحب معرض أدوات منزلية بتهمة حيازة مخدرات وبندقية آلية في الشروق    توقف الملاحة في ميناء البرلس لمدة 3 أيام    إقبال جماهيري لعرض «الشاهد» ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي    مهرجان القاهرة السينمائي ينظم ورشة للتمثيل مع مروة جبريل    بعد صعود عيار 21 الأخير.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 خلال منتصف التعاملات    بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    لتجنب سيناريو ماونتن فيو.. 3 خطوات لشركات التسويق العقارى لمكالمات الترويج    الضرائب: استجابة سريعة لتذليل عقبات مؤسسات المجتمع المدني    واقفون على أقدامنا لن نستسلم.. صواريخ المقاومة تقترب من مقر "بلينكن" وتؤجل مغادرته اسرائيل    رئيس وزراء الهند: تجمع "بريكس" سيصبح أكثر فاعلية فى مواجهة التحديات العالمية    أحمق يقسم البلد.. ترامب يهاجم أوباما بعد عقد الأخير حملة انتخابية لدعم هاريس    وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت: يجب إيجاد حل دبلوماسي بين لبنان وإسرائيل    كوريا الشمالية تؤكد على تعزيز قدرات الردع في مواجهة التهديدات النووية    كرة نسائية - دلفي يعتذر عن عدم استكمال الدوري المصري    الشكاوى الحكومية: نتلقى 13 ألف مكالمة يوميًا    ضمن مبادرة بداية.. مياه الغربية تواصل تقديم الأنشطة الخدمية    جامعة قناة السويس تتقدم 157 مرتبة عالمياً في التأثير العلمي    «زيارة مفاجئة».. وزير التعليم يتفقد مدارس المطرية | تفاصيل    إصابة 18 شخصا في ارتطام أتوبيس برصيف بالشرقية    تحرير 1372 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    لرفضه بيع قطعة أرض.. مزارع يطلق النار على زوجته ويتهم ابنه    وزيرة التضامن تشارك في جلسة رفيعة المستوى حول برنامج «نورة»    وزير الإنتاج الحربي: خطوات جادة لتحديث خطوط الإنتاج والمعدات    برغم القانون.. الحلقة 29 تكشف سر والدة ياسر والسبب في اختفائها    صلاح السعدني.. صدفة منحته لقب «عمدة الدراما»    هاني عادل ضيف «واحد من الناس» على قناة «الحياة»    أوركسترا القاهرة السيمفوني يقدم حفلا بقيادة أحمد الصعيدى السبت المقبل    منها برج العقرب والحوت والسرطان.. الأبراج الأكثر حظًا في شهر نوفمبر 2024    «جولدمان ساكس» يتوقع استقرار أسعار النفط عند 76 دولاراً للبرميل في 2025    «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    وزير الصحة: وصول عدد خدمات مبادرة «بداية» منذ انطلاقها ل62.7 مليون خدمة    محافظ بنى سويف يعقد اللقاء الأسبوعى بالمواطنين.. تعرف على التفاصيل    وزير العمل: بصدد إعلان قانون العمالة المنزلية لضمان حقوقهم    في اليوم العالمي للروماتيزم، أهم أعراض المرض وطرق اكتشافه    إيهاب الكومي: أبوريدة مرشح بقوة لتولي رئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    مسؤول أمريكي: بلينكن سيلتقي وزراء خارجية دول عربية في لندن الجمعة لبحث الوضع في غزة ولبنان    طارق السيد: فتوح أصبح أكثر التزامًا واستفاد من الدرس القاسي.. وبنتايك في تطور واضح مع الزمالك    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    منها انشقاق القمر.. على جمعة يرصد 3 شواهد من محبة الكائنات لسيدنا النبي    «الإفتاء» توضح حكم الكلام أثناء الوضوء.. هل يبطله أم لا؟    التعليم تعلن تفاصيل امتحان العلوم لشهر أكتوبر.. 11 سؤالًا في 50 دقيقة    "إيمري": لا توجد لدي مشكلة في رد فعل جون دوران    «إعلام بني سويف الأهلية» تحصد المركز الثالث في مسابقة العهد للفئة التليفزيونية.. صور    الصحة الفلسطينية تعلن ارتفاع عدد ضحايا العدوان على قطاع غزة إلى 42792 شهيدًا    نجاح عملية جراحية لاستئصال خراج بالمخ في مستشفى بلطيم التخصصي    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وتدعو لوقف القتال    موعد إعلان حكام مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري.. إبراهيم نور الدين يكشف    «التهديد والوعيد مايجبش نتيجة».. رسالة نارية من شوبير بعد أزمة ثلاثي الزمالك    «ماذا تفعل لو أخوك خد مكانك؟».. رد مفاجيء من الحضري على سؤال ميدو    الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نبيل فاروق يكتب.. الستار الأسود: جدي الحبيب (3)
نشر في بص وطل يوم 12 - 04 - 2012

طوال طريق عودتي إلى منزل جدي، لم أتوقف لحظة واحدة عن التفكير، في موقف أهل تلك البلدة الصغيرة منه.. وأقصد من منزل جدي، وليس من جدي نفسه..
هذا لأنه من العجيب أن أحداً في البلدة كلها لم يرَ جدي في حياته قط..
والأعجب أنه لا هو، ولا حتى عدنان هذا، قد تعاملا مع أي مكان في البلدة كلها، منذ عهد طويل للغاية..
وحديث ذلك الرجل عن أن أحداً لا يعود من منزل جدي، كان حديثاً عجيباً، ما زلت أذكر كل حرف منه، عندما سألته:
- وما الذي يعنيه هذا بالضبط؟!
أشار بيده، وهو يجيب في حذر:
- لست أدري، جدي أخبرني بهذا، عندما كنت صغيراً.
تطلعت إليه في دهشة كبيرة، عندما نطق الجزء الأخير من عبارته..
فوفقاً لملامحه، كان يبدو في منتصف الخمسينات من عمره، فكيف روى له جده ذلك، عن منزل جدي، عندما كان صغيراً؟!
إننا نتحدث عن نصف قرن من الزمان!!
عن خمسين عاماً دفعة واحدة!!
فكيف؟!
التفسير الوحيد، الذي جال بذهني، هو أن هذا المنزل ليس منزل جدي منذ البداية، بل هو ميراث عائلي، يعود إلى عهد بعيد..
هذا يفسر عراقته الواضحة..
وذلك الكم الكبير من التحف فيه..
والإضاءة الخافتة..
زاد تذكّر تلك الإضاءة الخافتة من توتري، فتحسست الحقيبة الصغيرة، التي تستقر على المقعد المجاور، والتي تحوي أقوى مصابيح كهربية وجدتها في البلدة؛ حتى أتجاوز تلك الإضاءة المستفزة..
أما فيما يتعلق بالباقي، فقد كان عدنان على حق..
لم يرضَ مخلوق واحد بالصعود معي إلى المنزل؛ لفتح البابين المغلقين، على الرغم من المبلغ شديد الإغراء، الذي عرضته..
كانوا يخافون الذهاب إلى هناك على نحو عجيب..
بل يخشون حتى مجرد الحديث عن ذلك المنزل..
وكلهم، بلا استثناء، يجهلون تماماً أي شيء عن جدي..
لا أحد رآه..
أو سمعه..
أو علم حتى بوجوده..
الوحيد الذي يعرفونه، هو عدنان..
وحتى هو، كانوا يجهلون اسمه تماماً..
كل ما يعرفونه عنه، هو أنه ذلك الشيخ المخيف، الذي يهبط بسيارته العريقة، من منزل الشر (وهو الاسم الذي يطلقونه على منزل جدي)، ويعبر بلدتهم في بطء، دون أن يلقي نظرة واحدة على أهل البلدة، الذين لا يرفعون أبصارهم عنه، وعن سيارته، حتى يختفي في الوادي.. وطوال دهر كامل، لم يتوقف في البلدة مرة واحدة..
ولا مرة واحدة!!
توقفت ذكرياتي، عندما أوقفت السيارة أمام منزل جدي، وحملت مفاتيحها، مع حقيبة المصابيح إلى الداخل، وأنا أنادي عدنان..
ومن تلك الحجرة الخالية، في الطابق السفلي، رأيته يخرج، ويغلق الباب خلفه في إحكام، فسألته، دون أن أنجح في كتمان عصبيتي وتوتري:
- ماذا كنت تفعل هناك؟!
سألني في برود:
- أين؟!
كان السؤال مستفزاً، حتى إنه زاد من عصبيتي، وأنا أشير إلى الحجرة، التي خرج منها، صائحاً في حدة:
- في تلك الحجرة الخالية.
ارتفع حاجباه الكثان على نحو عجيب، وهو يقول مستنكراً:
- خالية؟!
اندفعت نحو الحجرة، وأنا أواصل بنفس الحدة:
- نعم.. خالية.. لقد بحثت عنك فيها أمس، و..
فتحت باب الحجرة بحركة عصبية، وأنا أنطق عبارتي هذه..
ثم توقفت الكلمات في حلقي دفعة واحدة..
واتسعت عيناي عن آخرهما..
فتلك الحجرة التي رأيتها خالية بالأمس، إلا من أربعة جدران، صارت فجأة ممتلئة بالأثاث، الذي ينتشر في كل ركن منها..
فراش قديم..
ومنضدة طعام صغيرة..
وعدة مقاعد..
ودولاب شبه متهالك..
وقطعة أثاث ذات أدراج..
وسجادة صغيرة..
هذا بالإضافة لبعض الملابس، التي ألقيت في إهمال، على المقاعد والفراش..
ورفّ لكتب قديمة..
و...
صرخت بكل دهشتي:
- مستحيل!
سألني عدنان في برود:
- ما المستحيل بالضبط؟!
هتفت، وأنا أشير إلى تلك الحجرة:
- هذه الحجرة كانت خالية تماماً أمس.
عاد يرفع حاجبيه في دهشة مستنكرة، وهو يقول:
- خالية؟! أأنت واثق من أنه لم يكن حلماً.
انعقد حاجباي في غضب، وأنا أهتف به:
- لماذا تفعل هذا بالضبط؟!
سألني في هدوء:
- أفعل ماذا بالضبط؟!
صرخت فيه:
- لماذا تحاول إرباكي إلى هذا الحد؟!
بدا بارداً إلى حد مستفز، وهو يقول:
- ولماذا أحاول هذا؟!
فجأة، ومع سؤاله، قفزت فكرة عجيبة إلى رأسي..
فكرة لست أدري لماذا لم تخطر ببالي من قبل!!
فكرة جعلتني أصرخ فيه، بكل ما في نفسي من انفلات:
- للاستيلاء على ميراثي.
بدت عليه دهشة عجيبة، ممتزجة بلمحة ساخرة، وهو يقول:
- أهذا ما تتصوره؟!
واصلت صراخي، قائلا:
- نعم.. إنك، ومنذ قدومي إلى هنا، تحاول إثارة الخوف في نفس المكان، وإثارة ارتباكي وحيرتي مما يحدث فيه؛ في محاولة لدفعي إلى الفرار منه، أو التخلي عنه؛ لكي تفوز أنت به، وربما بما يحويه.
تصاعدت السخرية، في ملامحه وصوته، وهو يقول:
- يا له من خيال جامح!
صرخت كطفل عنيد:
- ليس خيالاً، بل هو حقيقة.. هل يمكنك أن تفسر لي اختفاءك العجيب أمس؟! أو مراوغتك بشأن فتح الحجرتين المغلقتين؟! ثم أين وصية جدي، التي نصّ فيها على أنك ينبغي أن تدير المنزل من بعده؟! أين؟!
ظل يرمقني بنظرة عجيبة، من خلف عينيه الضيقتين، قبل أن يتجه نحو الحجرة، التي أقف ببابها، وهو يقول في بطء:
- سيدهشك أن لديّ إجابات واضحة لكل هذا.
تجاوزني إلى داخل الحجرة، واتجه إلى قطعة الأثاث ذات الأدراج، وهو يقول:
- انظر هنا.
كان يشير إلى قطعة الأثاث، فترددت قليلاً، ثم اتجهت إليه، وألقيت نظرة على سطح قطعة الأثاث في حذر..
كانت هناك طبقة رفيعة من الغبار، تغطي سطحها، على نحو يوحي بأنها هناك منذ زمن ليس بالقصير..
وفي توتر، غمغمت:
- من يدري؟! ربما..
قبل أن أتم عبارتي، رفع عدنان قطعة الأثاث عن الأرض، وأزاحها قليلاً، ثم أشار إلى الموضع، الذي كانت فيه..
ولم أملك جواباً في الواقع..
فقد كان توزيع الغبار، الذي ترك أثراً واضحاً، خالياً منه، في الموضع الذي كانت تحتله قطعة الأثاث، قبل أن يزيحها عدنان، دليلاً آخر على أنها كانت هنا منذ زمن..
وشعرت بذاتي تكاد تنفجر، من فرط التوتر..
فما أراه أمامي مستحيل!!
ألف مرة!!!
لقد فتحت هذه الحجرة بنفسي أمس، وكانت خالية تماماً...
ولم يكن هذا وهماً..
أو حلماً...
أو خيالاً..
ولكن ما أراه أمامي الآن أيضاً ليس وهماً أو حلماً أو خيالاً..
فكيف؟!
كيف؟!
وقفت أحدق في موضع الغبار كالأبله، وعدنان يقول، في لهجة واضحة السخرية:
- هذا الدليل الأول فحسب.
سألته في عصبية:
- أهناك أدلة أخرى؟!
أشار بيده، قائلاً:
- بالتأكيد.
وفي هدوء، أخرج من جيب سترته القديمة مظروفاً، من ورق سميك، لست أظنه لا يزال مستخدماً، في زمننا هذا، وناولني إياه، وهو يقول في هدوء:
- وصية جدك.
بدت عليّ دهشة واضحة، وأنا أمدّ يدي لألتقط المظروف في حذر، وكأنني أخشى أن تلوثه أصابعي..
وبأصابع مرتجفة، فضضت المظروف، لأخرج منه ورقة من ذلك النوع البائد الثقيل نفسه، بدت وكأنها مكتوبة بريشة حبر قديمة..
ورقة بها كلمات قليلة مختصرة، تمنحني ميراث المنزل وكل ما فيه، مع شرط أن يبقى عدنان مديراً له مدى حياته..
وفي توتر، قلت:
- ومن أدراني أنها وصية جدي بالفعل؟! لماذا لا تكون أنت كتبتها؟! إنها لا تحمل أية أختام، أو توقيعات رسمية، ولا يوجد شهود عليها أيضاً.
أجابني في هدوء:
- إنها نسخة تركها جدك لك، وهناك أخرى تم توثيقها في بيت العدل، ويمكنك الرجوع إليها لو أردت.
طويت الورقة، وأعدتها إلى المظروف القديم، ودسستها في جيبي، وأنا أقول في توتر ملحوظ:
- هذا لا يعد دليلاً بالنسبة لي.
دسّ يده في جيبه مرة أخرى، وأخرجها وهو يقول:
- وماذا عن هذين؟!
في هذه المرة، ارتفع حاجباي في شدة..
فما أخرجه من جيبه كان حقاً عجيباً..
للغاية.
***
يُتبَع
الحلقات السابقة:
د. نبيل فاروق يكتب.. الستار الأسود: جدّي الحبيب (1)
د. نبيل فاروق يكتب.. الستار الأسود: جدي الحبيب (2)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.