لو سمحتم عندي استفسار ويا ريت تردوا عليّ؛ أنا عندي 23 سنة ومخطوبة وبحب خطيبي؛ لكن هو اتعرض لمشكلات في طفولته.. فعندما كان لديه حوالي 12 سنة قام بعض زملائه في المدرسة بممارسة سلوكيات شاذة معه. هو والده متوفى وماكانش حد يعرف، فاستمر الموضوع فترة حوالي سنتين؛ بس ده كان غصب عنه بسبب تهديد من زمايله وحاجات زي كده، ولما أهله عرفوا عالجوه والحمد لله.
هو والدته حكت لوالدتي ومامتي حكت لي، أنا عارفة إنه عايز يحكي لي لكن متردد وأنا مش باحاول أدي له فرصة يحكي ليّ، هو مايعرفش إني عرفت دلوقتي.. أدي له فرصة يحكي لي ولا لأ؟؟! وكمان هو الموضوع ده هيأثر في علاقتنا بعد كده ولا الحياة هتكون طبيعية إن شاء الله؟؟
وهل فيه طريقة أتعامل بيها معاه؟ هو كويس جدا وبيحبني جدا؛ بس غيور بطريقة مش طبيعية، ده ليه علاقة بأزمته دي ولا دي حاجة مختلفة؟ أهلي لما عرفوا بالموضوع حسيت إنهم مش حابين الموضوع يكمل، أتعامل معاهم إزاي؟ أنا بحبه وعارفة إنه بيحبني، هل أهلي لما هيشفوه كويس معايا هيغيروا رأيهم ولا الموضوع ده هيعمل مشكلات بينهم وبينه بعد كده؟؟
يا ريت تردوا عليّ ضروري أنا متلخبطة جدا. silver
ابنتي العزيزة.. في الأصل علميا طبعا أن تجربة التحرش الجنسي أو الاعتداء الجنسي -والفرق بينهما كبير جدا- هو أنها تجربة قاسية ومؤلمة جدا على الطفل -كان عنده 12 عاما- فمن آثارها: الخوف، وفقدان الثقة بالنفس، وفقدان الثقة بالآخرين، والقلق، والتوتر، واضطراب في الهوية الجنسية التي تؤكد داخل الإنسان نفسه كونه يشعر أنه ذكر أو أنثى.
والدراسات أثبتت أن نسبة تصل لأكثر من 80% من الأولاد الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي تحولوا للشذوذ الجنسي بالفعل، وكذلك يكون لديهم عنف قد يوجهونه للغير أو لأنفسهم؛ لأنهم يلومون أنفسهم لحدوث ذلك، ويتصورون أنهم السبب في حدوثه؛ فنجد لديهم لوما شديدا لأنفسهم، وكذلك شعورا بالقهر والظلم والرغبة في الانتقام، وقد تصل الرغبة في الانتقام من الآخرين للعنف الشديد، وعلى العكس نجد البعض يقع في الانعزال والانطواء؛ فينسحب من الحياة ومن العلاقات، وتتأثر أدواره المطلوبة منه كدراسة أو علاقات اجتماعية أو ترفيهية أو رياضية.. إلخ.
بل وجدنا بعضهم يقومون بعد ذلك بالتحرش الجنسي بالآخرين، والاكتئاب بالطبع مصاحب للشخص الذي تعرض للتحرش أو الاعتداء، هذه بعض تلك الآثار التي تتفاوت في درجاتها ونوعها باختلاف الشخصية نفسها وتجاربها في التحرش أو الاعتداء، والتعافي من تلك الآثار يحتاج لمتخصص ماهر، وهذا ما يجب عليك التأكد منه، ومعرفة إجابات تلك الأسئلة؛ منها: هل كان تحرشا فقط أم كان اعتداء؟ كم مرة تكرر؟ ولماذا لم ينهر الآخرين؟ وهل كان الاعتداء يحدث له كطرف إيجابي أم سلبي؟ هل كان يرفضها أم كان يستمتع بها رغم رفضه؟ ومتى توقف ولماذا؟
ولماذا تمّت معالجته؛ لأن تلك المعرفة ستحدد الكثير؟ وكيف تمّ التأكد من تمام الشفاء؟ فما ذكرته من أثار يحتاج لوقت وجهد.. هل تمّا؟ وهل كان علاجه مجرد علاج دوائي أم علاج سلوكي اعتمد على إرادته فكان علاجا متكاملا بالفعل؟
وهل تمكن من التخلص من تلك الآثار بصدق أم سنجده في حالة وسوسة مع أبنائه الذكور في كل تصرف مع أي آخر؟
كل تلك التفاصيل ستنير لك الطريق وتتعرفين على حقيقة الأمر، والأمانة تقتضي مني أن أقول لك أمرين:
الأول: أن تلك التفاصيل لن تمكنك -كونك غير متخصصة نفسيا- في فهم تلك الآثار، والحكم على تمام الشفاء، وفهم وضعه بشكل واقعي؛ لذا أتمنى أن تتركي له المجال؛ ليحكي لك ليس لمجرد الحكي؛ ولكن لتقومي معه بأمرين:
أولهما أن تؤكدي عليه حبك له ورغبتك في الارتباط به كما أكدته لنا.
وثانيهما أن تربطي استمرار الارتباط بأن تتوجها معا لمتخصص نفسي يحكم ويتعرف هو، أو يمكنكما الرجوع لمن قام بعلاجه في السابق لفهم حقيقة الأمر، وما هي طبيعة الأمور التي تعرض لها، ومدى أثارها عليه، وتمام شفائه أم أنه لا زال يحتاج لهذا.
أما الأمر الآخر: الذي تتطلبه الأمانة مني هو أن أقول لك: إن هناك "بعض" قصص النجاح التي أبهرتنا بتخلصها من تلك الآثار وعودتها لطبيعتها وكأن شيئا لم يكن وهم "قلة" ساعدهم على ذلك طبيعة شخصيتهم قبل تعرضهم لذلك، ومدى فهمهم الواعي، وقيامهم بالتعبير عمّا تعرضوا له فتخلصوا من الاختزان السلبي لتجربتهم، وكذلك المناخ الذي أحاط بهم والذي قدّم لهم الدعم النفسي والاجتماعي والفكري فزالت تلك الغمة، فهل هو من هؤلاء القلائل بالفعل أم لا؟
هذا سؤال لن يجيب عليه نحن ولا أنت بالمناسبة؛ ولكن سيجيب عليه "التواصل" بينكما بما في هذا التواصل من مواقف وتصرفات تدل على ذلك أو لا تدل، بقي أمرا أخيرا لو كنت متأكدة من تواصلك معنا ما طرحته عليك الآن؛ ولكن سأطرحه وهو أني أحذرك من إتمام زواجك منه وأنت لست متأكدة تماما من شفائه، والاطمئنان لكونه شخصا سويا.
فما أسوأ "الشك" وما "أقبح" أثاره لو ظلّ في رأسك بعد الزواج منه؛ فتفاصيل الحياة بين الزوجين كأزواج وكآباء يتطلب الثقة الكبيرة بينهما فلا تستهيني بذلك.
فإن تأكدت من تمام شفائه، واطمأننت لذلك؛ فلتلقي الشك تجاهه فورا في أقرب سلة مهملات لتسعدي بحياتك الطبيعية معه، ولم أقصد أبدا أن تمام الشفاء أو أن تلك "القلة" من البعض الذين تخطوا تلك التجربة المؤلمة لا يشعرون تجاهها ببعض الألم أو الغضب أو غيره من المشاعر الطبيعية لمرورهم بتلك التجربة القاسية حين تذكرها؛ ولكن قصدت أن الآثار العميقة التي تؤثر على سير الحياة بشكل سلسل هي التي زالت، وإن احتفظوا بالطبع بغصة تؤلمهم كلما تذكروا.. أتمنى أن تكوني وعيت ما قلته، ووضعتيه في مساحته تماما دون مبالغة ودون استهتار.. وفقك الله يا ابنتي لما فيه الخير لك.