من مقالات الكاتب الراحل: جلال عامر دراما قاعات المحاكم The Court Theatre مثل فيلم "قتل الطائر المحاكي"، يحدث فيها العجب.. ودون الإخلال بحق الدفاع قلنا إن "الحمامة المطوقة" دافع عنها الصياد لكن "المرأة المطلقة" يدافع عنها المحامي؛ لذلك عندما يُقال في مرافعة الدفاع إنه ما زال على ذمتنا.. فهل هذا دفاع عن رجل مخلوع يبحث عن العدل أم عن امرأة مطلقة تبحث عن النفقة؟ فحتى الدفاع أساء إلى الرجل، وأثبت أن الصياد كان محاميا للمساكين، بينما كان المحامي صيادا للملايين.
وأول من أساء إلى الرجل من حيث أراد أن يمدحه هو "أنور السادات"؛ عندما سألوه لماذا اختاره نائبا له، فقال: "لأنه يأكل كويس ويمارس الرياضة"، وكأن فضيلته الوحيدة هي تناول الطعام، وهو الخطأ الذي وقع فيه "جرير" الشاعر عندما مدح أحد الملوك وكاد أن يدفع حياته ثمنا له.. فلا تهتم بما قاله المحامي أو فعله الصياد، واحترس من النشالين نشالي "المحافظ" في الأتوبيسات، ونشالي "الثورات" في الميادين؛ فإذا كان المفهوم الضيق للحرية هو حرية انتقاد المسئولين؛ فقد حصل بدليل أن الصحف الحكومية وبعض المذيعات وتوفيق عكاشة يهاجمون مبارك الآن.. لذلك على الثوار أن يدركوا أن تغيير المسئولين لا يعني تغيير المجتمع، وأن أعظم شعاراتهم وهو "الحرية" قد يتسلمها أحفادهم على يد محضر.
لأن أكبر قيد على حرية المجتمع هو المجتمع نفسه الذي يحارب حرية العقيدة بقطع الرقبة، وحرية التعبير بقطع الرزق، وحرية التنقل بقطع الطريق.
فإذا لم نتفق على أن المشروع القومي هو التعليم؛ فعلى الأقل نتفق على أن "المشروب القومي" هو العرقسوس، إذن ليس من المعقول أن تزيد أتعاب المحامي على تعويضات الشهداء إلا في الدول التي تبحث عن القروض، ولا تبحث عن اللصوص، وعندما تتحول متاعب الناس إلى أتعاب محام؛ يتغير العلاج على نفقة الدولة إلى الدفاع على نفقة الدولة، ومن أول إبراهيم الهلباوي الذي ترافع ضد الفلاحين، وحتى فريد الديب الذي ترافع ضد الثائرين، ذهبت الأتعاب وبقيت الذكرى، وسوف تنقضي الدعوى بوفاة المتهم؛ لكن التاريخ لن يحاكم المحامي وحده.
أما الصياد فبعد أن خلّص الحمامة المطوقة من الشبكة.. أراد أن يتزوجها فعاتبه الناس: "حد يتجوز حمامة؟"، فرد عليهم: "وحد يعشق ديب؟". نُشر بالمصري اليوم بتاريخ:30/ 1/ 2012