في الوقت الذي يعيد قرار حظر بناء المآذن في سويسرا بعد تصويت 57% من السويسريين على هذا الأمر عددا من مواقف بعض الشعوب والدول الأوربية ضد الإسلام والمسلمين، فإنه يضرب بجذوره إلي أزمات حقيقية يعاني منها كل من المجتمع الأوربي والمسلمين في فهمهم لبعضهم الأخر، وخاصة بعد تصاعد الأحزاب اليمنية المتطرفة والعنصرية في عدد من بلدان أوربا الغربية. أثارت الأزمات التي شهدتها أوربا مع المسلمين خلال العشر سنوات الماضية وعلى رأسهم أزمة الرسوم الرسوم الدنماراكية المسيئة للرسول عام 2000، يليها ومنع ارتداء الحجاب في فرنسا عام 2003، ثم مقتل مروة الشربيني بولاية دريسدن بألمانيا في شهر يوليو الماضي ، وأخيرا خظر بناء المآذن بسويسرا التساؤل حول ما إذا كانت المسألة تمييزا للمسلمين بحد عينهم أم سيادة لثقافة يمينة أوربية جديدة تتسم بالعنصرية والتمييز. يعتقد البعص أن قرار حظر "بناء المآذن" في سويسرا يقف عند كونه أحد أساليب التمييز ضد المسلمين في أوربا التي زادت بشكل مستمر بعد تداعيات 11 سبتمبر عام 2001، لكن الأمر يذهب بعيدا إلي التغييرات الثقافية والسياسية التي طرأت على نظم الدول الأوربية وخاصة دول أوربا الغربية من صعود للتيارات اليمينية المتشددة والمتطرفة تجاه رؤيتها للمهاجرين بصفة عامة وللمسلمين بصفة خاصة. فلقد تزايدات الأحزاب والتألفات اليمينة المتشددة في عدد من الدول الأوربية وتتفق هذه الأحزاب ضمنيا على رفض قبول المهاجرين بصفة عامة والتمسك بحق أن الأوربي من أهل البلاد، بل أن البعض يتطرف بتفكيره مثل الحزب الوطني البريطاني الذي يقصر عضويته على البيض من البريطانيين الأصليين، فضلا عن الحزب الاشتراكي الألماني الذي كان عضوا فيه قاتل مروة الشربيني. تزايد معدلات الهجرة وصعوبة تعامل الدول الأوربية معها ، وتصاعد التيارات السياسية اليمينة على الساحة السياسة هناك، فضلا عن اتسام غالبية الجاليات الإسلامية بالتقوقع والانعزالية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر جميعها عوامل أدت تفاقم الأزمات بين المسلمين في المجتمعات الأوربية وفقا لما ذكرته عدد من الصحف منها "التايمز" البريطانية ومجلة "دير شبيجل" الألمانية و"جارديان" البريطانية و"واشنطن بوست" الأمريكية تتسم الجاليات أو المجتمعات الإسلامية على اختلافها في دول القارة الأوربية خاصة أوربا الغربية بالتنوع والتفرد، التنوع المتمثل في اختلاف جنسيات ممثلي هذه الجاليات على مستوى الدول الأوربية نتيجة تراكمات الهجرة طوال السنوات الماضية، في حين يظهرالتفرد، الذي بقدر ما أثقل من أهمية المسلمين في تلك المجتمعات الأجنبية إلا أنه وضع غالبيتها في قالب التقوقع والانعزال عن المجتمع ماعدا بعد البعض عنها الذي شب عن هذا الحصار. لجوء بعض الجاليات الإسلامية في أوربا إلي التقوقع والعزلة داخل نطاق حيز التواجد الإسلامي في هذه الدول الأوريية يعود إلي : إما رغبة البعض منهم في الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية بعيدا عن رؤى المجتمع الغربي أو تجنب المناوشات الغير مرغوب فيها من بعض العناصر العنصرية المتطرفة التي ترفض توافد المهاجرين إلي دولهم ، وربما تكن بدفاع السبيبن معا. استثناء تزايد أعداد مسلمى بريطانيا وفرنسا من القاعدة العامة للمسلمين في أوربا الغربية مرتبط بالكثافة العددية للمسلمين في الدولتين والتي تصل في الأولي إلي2.4 مليون نسمة ، بينما في الثانية يتجاوز عددهم 5 مليون، وبفرض تواجدهم من خلال تدفقات الهجرة من الدول العربية حيث تدني مستوى المعيشة أو من خلال تزايد معدل المواليد الجدد بين المسلمين. و يرصد تقرير لاتحاد هلنكسي الدولي لحقوق الإنسان، أعداد المسلمين في القارة بنحو 20 مليونا لا يعيشون في جماعات موحدة، وهذه "الجماعات ليست متجانسة، وإنما لها خلفيات عرقية وثقافية ولغوية وأخرى إجتماعية متباينة، قضلا عن أنها تنتمي إلى مذاهب إسلامية مختلفة". فالاتحاد الأوربي ليس متجانسا من حيث الخلفية الإقتصادية والإجتماعية والقانونية وفقا للتقرير بدليل وضع المسلمين المتباين ، إذ لا يتمتعون بحقوقهم المدنية ، فنجد نصف المسلمين في فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا يحملون جنسيات تلك البلاد، في حين تتمثل نسبة المسلمين الذين يحملون الجنسية الألمانية والدانماركية 20 % وفقا لتقرير الاتحاد بما يوضح أن الإعتراف الرسمي بالإسلام وحق المسلمين في جنسية الدول التي نشأ بها يشكلان عاملا هاما في علاقة كل من هذه الدول مع المسلمين. وتبقى أوضاع المسلمين في أوربا رهنا بالمتغيرات الداخلية بتلك الدول خاصة السياسية والاقتصادية المتمثلة في تصاعد التيارات اليمينية، ولاختلافات العالمية أيضا، واختيار الدول لطرق تعاملهم مع تزايد معدلات الهجرة الخارجية في وقت تعاني من أزمة عالمية تضرب الدول الاقتصادية الكبري قبل النامية التي منها غالبية المهاجرين، وتغيرات مناخية وسياسية عالمية تعيد تشكيل القارة من جديد