من المستحيل أن تغلي مصر من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها ونظل مكتوفي الأيدي، وبكل تأكيد هناك من يشعر بالحيرة ومن لا يدري ماذا يحدث؟! وكيف تغيرت الأحوال في ساعات قليلة. ولهذا كان دورنا في "بص وطل" أن ننزل إلى الشارع، وأن نعرف آراء المواطنين، وأن نعرف فيم يفكّر الشارع المصري وكيف يقيم الأحداث؟ وكيف يرى المواطنون بكافة ميولهم وأهوائهم الأحداث الجارية في مصر وكيف يقيّمونها، وهل هم راضون عما يحدث أم ساخطون، مؤيدون للنظام الحاكم ويرون الثوار "يخربون البلد" أم يرون النظام لم يسقط بعد ويجب أن تظل الثورة مستمرة، أم لهم رأي ثالث... وهكذا نعرض لك آراء مواطنين مصريين مثلك يعبّرون عما يشعرون، ويمثلون ملايين المصريين الذي يعيشون على هذه الأرض وتتقطع قلوبهم خوفا عليها وحبا لها..
مصر بتضيع فوقوا يا شعب مصر حرام عليكم البلد بتستلف ومديونة قالت س. ك (مدرّسة في إحدى المدارس ولديها ثلاثة أولاد): "الله يخرب بيوت الثوار دول زي ما خربوا بيوتنا.. قال ثوار قال.. آه ما أصلهم مش عارفين ومش مقدّرين الدنيا بقت سودا إزاي.. شوية بلطجية وعُمَلا.. قال وإيه مسمّيين نفسهم ثوار وعندهم مطالب عادلة.. وهم متفقين على هدف واحد مافيش غيره هو تدمير البلد أكتر وأكتر.. مش شايفين الاقتصاد كل يوم حاله بقى في النازل.. البورصة بتخسر كل دقيقة آلاف مؤلفة.. والموظفين بيتسرّحوا بالمئات كل يوم". في الحقيقة لم تقل س. ك. هذا الكلام فقط، بل أضافت: "إنتو بتصدقوا إنهم ثوار، دول شوية عيال قابضين من المنظمات اللي بتموّلها أمريكا عشان يهيّجوا بقية الشباب.. مش بس كده دي المنظمات دي بتساعدهم يفتحوا قنوات فضائية يقدروا يهيجوا بيها الرأي العام.. طبعا ما هم مش عايزين أي ديمقراطية أو انتخابات تحصل في مصر. ولما سألناها عن رأيها في المليونيات ردت قائلة: "شوفوا بقى أنا لا حزب وطني ولا ليّ في الأحزاب التانية، لكن حرام عليهم البلد بقت بتستلف ومديونة.. وهم عمالين يعملوا لي في مليونيات.. اخرجوا يا مصريين دافعوا عن نفسكم، وخليكم واقفين في وش بتوع التحرير.. بلااااش ده أنا ولادي التلاتة بعد الثورة اتنين منهم سرّحوهم والثالت الشركة اللي بيشتغل فيها بتفلّس.. وشكله هيحصلهم.. هو ده اللي أنا خدته من الثورة". واختتمت كلامها: "مصر بتضيع فوقوا يا شعب مصر وخليكم واقفين ورا جيشكم وقواتكم المسلحة.. كفااااااااية خراب بقى.. مستنيين تقعدوا على تلها بعد ما تتخرب.. اتحركوا يا مصريين قبل فوات الأوان". ***************** إحنا مش هنسكت واللي بدأناه لازم هنكمله هنعيش أحرار ونموت أبطال كان هذا رأي أمّ مصرية عادية، ولكنه ليس معبراً عن كل آراء ربات البيوت والأمهات. فبحزن شديد وغضب واضح قالت نورا -ربة منزل وأم شابّة لطفلة صغيرة- ودموعها على خدها: "أنا أعصابي تعبانة من اللي بيحصل في البلد، ومع الأسف مافيش في إيدي حاجة؛ قلبي معاهم وهاين عليّ أنزل وبنتي الرضيعة على إيدي، كل يوم ضرب وقتل في المتظاهرين، وده علشان بيطالبوا بحقوق البلد وبحقوقنا كلنا، أمال الحكومة كانت مستنية إيه مننا؟ نسكت على المهازل اللي بتحصل؟ كل شوية تأجيل لمحاكمة مبارك وأولاده، وقال ردّ محكمة يقعد شهر كامل ثم قاضي يعتذر ثم محامي مااعرفش فيه إيه!!" . وأكملت نورا وهي في قمّة العصبية: "وكمان الانتخابات ونظامها ده موّال تاني من إمتى الانتخابات تاخد 3 شهور، ما طول عمرهم بيعملوها على مراحل، وكل مرحلة بتاخد أسبوع وتخلص، وتبدأ اللي بعدها ونخلصها كلها في شهر ولا شهر ونصف بالكتير". توقّفت نورا لوهلة ثم استطردت: "ومش كفاية كده لأ يقولوا لك وثيقة فوق دستورية وحال البلد كل يوم بيبقى أسوأ من اللي قبله، ده ولا كأننا قمنا بثورة ولا كأن مبارك مشي من البلد! ده ديوله وتلاميذه لسه هم الحكام، وياريت عندنا أمل الانتخابات تحلّ الموضوع والبلد تهدى، لكن طول ما أنصار مبارك وتلاميذه موجودين قلبي مش مطمئنّ". كما عبّرت نورا عن قلقها وضيقها قائلة: "أنا كل ما أسمع حاجة عن تونس وأحوالها أتحسّر على حالنا واللي وصلنا له، والمجلس العسكري والشرطة اللي تحالفوا علينا بدل ما يكونوا معانا، وبقوا ضدنا بدل ما يحموا ضهرنا". ثم أنهت الشابة المصرية الحزينة رأيها بقولها: "إحنا مش هنسكت واللي بدأناه لازم هنكمله وإلا هنفضل نندم طول عمرنا، نندم على ثورة ضيّعناها وعلى حقوق سكتنا عنها، هي الحكومة خلاص اتربّت على إن الشعب لازم يسكت؟ لكن خلاص ده كان زمان، مش هنتنازل أبدا وهنتظاهر وهنعتصم ونطالب بحقوقنا اللي القهر خلانا نسكت عنها سنين، من حقنا نتظاهر ومن حقنا نعتصم، وحتى لو كانت النهاية في موتنا، على الأقل هنموت أبطال وندي فرصة لأولادنا إنهم يعيشوا أحرار". ***************** الداخلية حاسة إن لها تار مع الشعب وعايزة تخلّصه أموت ويعيش شباب مصر وكان رأي فريد.م (سائق تاكسي) أن الثورة لم تُستكمل بعد، وقال بلهجته الريفية البسيطة: "إحنا عملنا ثورة، ولكن لم يحدث أي شيء، فمن يديرون البلاد لم يحققوا أي مطلب من مطالب الثورة". وتساءل عم فريد حانقاً: "فيه ناس بتاخد مرتّبات 100 ألف جنيه في الشهر، وناس مابتحصّلش 300 جنيه، ولما تعترض يقولوا عليهم مظاهرات فئوية". صمت عم فريد لثوانٍ وامتلأت عيناه بالدموع قائلاً بصوته المتهدج: "يا ولاد أنا خلاص رجلي والقبر، وكبرت أوي في السن، لكني هانزل التحرير وهاروح علشان أفادي بروحي روح الشباب اللي بيموت هناك، دول شباب زي الورد وهما الأمل وأنا خلاص خلّصت رسالتي". وعن رؤيته لما حدث، وهل كان مسار الأحداث سليما، قال: "الناس من حقها تتظاهر بعد 9 شهور إحباط ومافيش حاجة بتحصل، الأمن هو اللي صعّد، طب بدل ما يضربوا الثوار كانوا يتشطروا على البلطجية اللي واكلين البلد"؟! وأضاف: "الداخلية حاسة إن لها تار مع الشعب، وعايزة تخلّصه؛ علشان كده سايبة البلطجية وبتقتل في الثوار". وأنهى عم فريد كلامه قائلا: "الدنيا عتمة أوي اليومين دول، بس ربنا حافظ مصر، ونفسي الناس اللي بتصدّق التليفزيون الحكومي وبتشتم في الثوار يفكروا إن دول أولادهم، وإن البلد دي تخصّهم، وقتها مش هيشتموا الثوار أبداً". ***************** حق التظاهر مكفول للجميع ثورة ثورة حتى النصر وعندما توقفنا أمام أحد الشباب قال لنا محمد عامر (صيدلي): "حق التظاهر مكفول للجميع، والاعتصام حق مؤكد.. ماذا يريد المجلس والداخلية إذن؟" مضيفاً: "كيف نصنع ثورة وتنجح ثم يقتل الثوار وينكل بهم بهذا الشكل؟ هل هذه ثورة ناجحة؟؟". وتساءل محمد "أين محاكمة مبارك ونظامه؟ أين عزل من أفسدوا الحياة السياسية بشكل واضح؟ لماذا التأخير في كل الخطوات؟ ولماذا لا يتحقق أي شيء إلا بعد ضغط ومليونيات وغيرها؟ وكيف تعود الداخلية لقتل المتظاهرين هكذا ببساطة؟". وأجاب محمد عن سؤال وجّهناه له حول أقوال كثيرة تنتشر في الشارع المصري من كون الثوار خربوا البلاد، ويجب أن يصبروا حتى يقوم المجلس بحل المشاكل واستعادة قوة البلاد مرة أخرى قال محمد: "البلد عاشت في فساد 30 عاما، وكل ما أردناه هو أن نعيش في حرية حقيقية؛ فمصر الدولة التي حكمت العالم يوماً تستحق أكثر من ذلك، ونحن لسنا ضد المجلس العسكري أو أي شخص بشخصه، نحن فقط نريد لمسار الأمور أن يعتدل، وأن يعود الأمن وأن تجرى المحاكمات وأن يتحسن الاقتصاد وأن نقيم الديمقراطية فهل هذا كثير على بلد عمره سبعة آلاف عام؟". ***************** أنا أخاف أن يزيد التصعيد عن الحد المنطقي أنا مش فلول أنا عاوز أنتخب! في النهاية ختمنا لقاءنا مع م. غ. الذي كان خائفا بشدة من أن يُفهم كلامه على أنه كلام فلول كما قال هو، وأحبّ أن يبدأ حديثه بذلك، حيث قال: قد تفهم من كلامي أنني فلّ من الفلول؛ لأنني لن أذهب إلى ميدان التحرير، وأدافع عن الانتخابات، ولكن صدّقني أنا فكرت كتير وفي النهاية لقيت إن الانتخابات أهم من التصعيد؛ لأن الانتخابات ستعطينا مجلس شعب حقيقي يمثل الثورة؛ لأن الثورة حتى الآن لم تحصل على أي اعتراف قانوني، والانتخابات هي الشيء الوحيد الذي سيجعل الثورة تنتصر؛ لأنه وقتها سيكون المجلس ممثلا لجميع المصريين، وسيكون سلطة قوية يشكل حكومة وحدة وطنية حكومة ائتلافية حكومة إنقاذ وطني بقى، يقدر يعمل اللي شايفه في مصلحة الثورة. وعلشان كده أنا خايف من النزول للميدان.. وبسؤاله عن أسباب خوفه من النزول لميدان التحرير أجاب: لنكن واقعيين، تحدث غالبا حالة من الشطط والتجاوز والمغالاة في الطلبات من جانب البعض في التحرير، خاصة إذا لم يكن الغالب على التحرير القوى السياسية المنظمة، وأخاف أن يشطح الثوار، كما أنني أخاف من أن تحدث مصادمات بشكل أعنف تضطر المجلس إلى إلغاء الانتخابات.. وقبل سؤاله عن تصوّره للشكل الأنسب لما يحدث قاطعنا قائلا: إوعى تفتكر إني مؤيد للوحشية اللي انضرب بيها إخوتنا الثوار، أنا معاهم جدا وحاسس بيهم، بس طلبي إننا نفكر في مصر، في بكره، الجاني ياخد جزاؤه، والداخلية لازم تتربى، والجيش لازم يوضح موقفه من اللي حصل، دي حاجات مافيهاش فصال، لكن أنا باتكلم عن حجم وكثافة العدد والتصعيد اللي ممكن يحصل، فيؤثر على البلد في اتجاهات تانية.. ولما سألناه سؤالا مباشرا: إنت من الإخوان؟ ابتسم مجيبا: لا والله أنا مش مع الإخوان، أنا عارف إن الإخوان هم وحدهم من قرروا عدم النزول للميدان، ولكني ومنذ يوم السبت الدامي وأنا أفكّر في حل لهذه المعضلة، ووصلت باجتهادي الشخصي في النهاية إلى أن الحل في التصعيد؛ لأن المجلس والحكومة بصراحة أهملوا البلد جدا، ومعظم الناس لديهم شك في نية المجلس تسليم السلطة فعليا؛ نظرا لما يقوم به من تأجيل وتباطؤ، ولكن في مقابل التصعيد لا بد أن يكون هناك حدود بحيث نحافظ على استقرار الوضع لما بعد الانتخابات على الأقل؛ لأننا لو ما عملناش الانتخابات في معادها عمرها ما هتتعمل تاني! أنا مع الناس اللي في التحرير في ضرورة تسليم السلطة في إبريل كحد أقصى، ومعهم في ضعف الحكومة وضرورة إقالة وزير الداخلية، ولكن لن أشارك؛ لأني أخاف أن يزيد التصعيد عن الحد المنطقي، وزي المثل ما بيقول: الضغط يولّد الانفجار.. وأنا خايف من الانفجار ده. ***************** في النهاية كانت هذه هي الآراء التي يتداولها المصريون والآراء التي تسري بينهم.. وعليك أنت أن تفكّر ما هو رأيك وأي موقف ستتخذ؛ لأنه في مثل هذا الوقت يجب أن نلقي السلبية جانباً، وأن تكون إيجابيا ولك رأي في مستقبل بلدك.