التساؤل الذي يدور الآن على كثير من الأصعدة هو: هل تتطوّر الأزمة النووية بين أمريكا وإسرائيل مع إيران حتى تصل إلى حرب حقيقية؟! بل وربما حرب عالمية يلقى ويلاتها العالم أجمع عسكريا واقتصاديا وبشريا؟ تحدثنا في مقال آخر عن بدء دخول إيران لعالم السلاح المحظور والنووي على وجه الخصوص، وتطرقنا لدور أمريكا وإسرائيل والغرب في مساعدتها، والآن سنعرف ما هي السيناريوهات المتوقّعة للصدام بين إيران وكل من أمريكا وإسرائيل، وما العوائق أمام هذه السيناريوهات؟ إيران VS أمريكا.. تُرى من الغالب!! بالرغم من مساعدة أمريكا والغرب عامة لإيران في الوصول إلى برنامجها النووي؛ فإنه مع خروج الأمور عن السيطرة ظهر عدم الرضاء الأمريكي عن استرسال إيران في نشاطها النووي، ولكن كانت المشكلة من الصعوبة أن تستطيع توجيه ضربة تكتيكية إلى المنشآت النووية في إيران، مثلما فعلت في العراق سابقا؛ هذا لأسباب عديدة؛ منها: - إن المفاعل العراقي "أوزيراك" في وسط العاصمة العراقية (بغداد) مكشوف ووحيد، ولم يكن محميا بشبكة صواريخ مهمة كما في إيران التي لديها منصات صواريخ تمكّنها من الرد، كما أن إيران نشاطها النووي متعدد؛ فهي لديها 163 موقعا معلنا فقط فماذا عن غير المعلن؟! - إن إيران لديها شبكة صواريخ مداها 2000 كيلو متر يمكنها بها إذا تعرّضت لضربة عسكرية أن تصل إلى عمق إسرائيل، وقد هدّدت إيران فعلا بأنها سوف تستهدف مفاعل ديمونة الإسرائيلي؛ إذ استهدف مفاعل بوشهر الإيراني، كما أن إسرائيل تخشى من استهداف إيران للقدس وتل أبيب وحيفا، وهو الأمر الذي يمثّل ضغطا على أمريكا. - كان هناك في السابق أيضا خوفا من تصريح بعض المسئولين الإيرانيين عن وجود 55 ألف "استشهادي" في العراق سيفجّرون أنفسهم في القوات الأمريكية؛ في حال تعرّضت إيران لعدوان من الولاياتالمتحدةالأمريكية -وذلك اعتمادا على العلاقة الإيرانية الشيعية بشيعة العراق- علاوة على إمكانية إيران القيام بأعمال عنف، وتفجيرات تستهدف المصالح الأمريكية في كل من دول أوروبا الغربية التي يوجد بها الكثير من جاليات شيعية وبعض الدول الأخرى. - الخوف من استهداف إيران للقوات الأمريكية الموجودة في الخليج، وسعيها لإغلاق خليج هرمز المتحكّم في مدخل الخليج العربي. - عِلم الأمريكان بأن المفاعل النووي الإيراني "بوشهر" يقع على بُعد 280كم فقط من مدينة الكويت، وخوف الأمريكان من استهداف إيران للمنشآت النووية في الخليج، والتي إن حدث سوف تصيب القواعد الأمريكية بالتلوث الإشعاعي؛ خاصة أن تقنياتها مستوردة من روسيا، وهي تقنيات غير مضمونة فلم يذهب من ذهنهم بعد مفاعل تشرنوبل. - إدراك الولاياتالمتحدة أن روسيا والصين لن تتركا إيران لتسقط، ويسقط معها مصدر من أغنى منابع النفط في يد أمريكا كما حدث في العراق، ولذلك لا بد لهما من أن تقفا خلف إيران. - تأكد أمريكا من أنها أصبحت في مأزق واضح على مستوى العالم في حروبها بأفغانستان والعراق، كما أن شعبية الرئيس الأمريكي أصبحت منخفضة. وعلى هذا فقد أصبح سيناريو الهجوم الأمريكي غير مُرجح، كما أن سيناريو الغزو أصبح أكثر مشقة, فأمريكا لن تخاطر ثانية -خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية- بهجوم بري. لا يقدرون على ضربها وأيضا لا يمكن تركها.. فما الحل؟!! وليس معنى هذا أن الوضع انتهى على هذا، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أضحت في خوف وتراجع عن مواجهة إيران. فالغرب يرى أن إيران تعمل على التسويف، وتميع المواجهة في الفترة السابقة لكسب الوقت؛ حتى يتسنى لها إتمام تجربتها النووية الأولى، وهو ما يُقلق أمريكا وحلفاءها؛ حيث يرون أن التعامل مع إيران غير النووية أفضل بكثير من التعامل معها بعد إتمام تجربتها بالكامل. فهم يعلمون أيضا أن تغاضيهم بتركهم إيران تكمل تجربتها النووية إلى نهايتها أمر في قمة الخطورة؛ لأنه سوف يقوم بتشجيع باقي دول الجوار على الحذو حذوها، وتعالي الأصوات في الشرق الأوسط للمطالبة بالدخول للنادي النووي، وخاصة مصر والسعودية؛ رغم توقيعهما على اتفاقية حظر الانتشار النووي. وعلى هذا إذا كان الصدام بين إيران وخصميها (الولاياتالمتحدة وإسرائيل) لا بد منه؛ فسوف يكون بالسلاح العادي، وبالتأكيد سوف يكون التفوق لأمريكا وإسرائيل في هذه الحالة، ولكن هو الخيار الصعب الأخير لهم. ماذا لو حدثت مواجهة نووية في المنطقة؟ أما إذا كانت المواجهة بالسلاح النووي؛ فإن السيناريوهات في غاية القتامة، فإسرائيل تتفوق على إيران بصورة كبيرة، فإذا كانت إيران تمتلك ثلاث أو أربع قنابل نووية -وفق بعض التوقعات المتفائلة- فإن إسرائيل تفوقها بأكثر من 40 ضعفا. بالإضافة إلى أنه لو قامت إيران بضرب إسرائيل نوويا فهذا سوف يخلف مشكلات كثيرة؛ كاحتمالية هدم المسجد الأقصى، وقتل الكثير من الفلسطينيين والعرب، وتلوث المياه المجاورة لها، وهو ما يُضعِف موقف إيران؛ باكتسابها عداءات أخرى في المنطقة. علاوة على الحماية الأمريكية لإسرائيل؛ والتي تتمثل في مظلة نووية سوف تُظِلل بها أمريكا إسرائيل، وكذلك تفعيل الصواريخ الموجودة في القواعد القابعة في دول الخليج. وإذا حدث العكس وجاء الاعتداء من أمريكا على إيران؛ فربما أدى الأمر إلى غضبة إسلامية؛ حتى رغم الخلافات المذهبية والعقائدية بين أغلب التنظيمات الجهادية المسلحة وبين إيران. وهكذا فإن سيناريوهات الصراع الحالي لا تؤدي كلها إلى أي خير بالنسبة لإيران أو أمريكا وإسرائيل أو المنطقة بأكملها، سواء كان نزاعا عسكريا عاديا أو كارثة نووية. كل ما نتمناه أن يتوقف الصراع، ولكن بعدل وديمقراطية، ولكن هيهات فلن تترك أمريكا إيران لتكون إحدى الدول النووية في العالم، ولن تتخلى إيران عن حلمها النووي، وعلى ذلك فإن الولاياتالمتحدة وأوروبا وإسرائيل سيبذلون قصارى جهدهم لوقف الطموح الإيراني أو غيره عند حده السلمي.. ووقتها لن يعلم إلا الله عواقب هذه المواجهة. لتتعرف على بداية قصة إيران مع البرنامج النووي ودور أمريكا وإسرائيل في مساعدتها اضغط هنا