طوال عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي اتسم بإطلاق يد الأجهزة الأمنية، لم يكن مسموحا للمصريين بالاقتراب من شوارع بعينها؛ إذ تحولت هذه الشوارع إلى مناطق مغلقة لأسباب أمنية؛ حيث تخضع لإجراءات أمنية مشدّدة، وتحاط بالحواجز الأسمنتية والحديدية، ويقوم بتأمينها المئات من رجال الشرطة، وتشمل هذه الشوارع الممنوعة: منازل الوزراء، والمسئولين، والمنشآت الحيوية، وبعض مقار السفارات الأجنبية؛ خاصة السفارتين الأمريكية بمنطقة جاردن سيتي القريبة من ميدان التحرير -الذي تحوّل إلى رمز للثورة- ومقر السفارة الإسرائيلية بمنطقة كوبري الجامعة بالجيزة. ومن أبرز المنشآت الحيوية الحكومية التي كانت تخضع لإجراءات أمنية مشدّدة مقر وزارة الداخلية، ومقار جهاز مباحث أمن الدولة المتعددة، وقصر العروبة الرئاسي بضاحية مصر الجديدة.. أما بعد الثورة فقد تغيرت الأحوال، فأزيلت الحواجز الحديدية، وفتحت هذه الشوارع أمام المصريين لكنها لم تصبح كبقية الشوارع، إنما تحولت من "شوارع ممنوعة" في الماضي إلى "مناطق ملتهبة"، وفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية. وزارة الداخلية ظلّ مبنى وزارة الداخلية -الذي يبعد عن ميدان التحرير بنحو 3 كيلومترات- طوال عقود طويلة بمثابة "منطقة محرمة" يُمنع الاقتراب منها، وكان المبنى الذي يضم أيضا المقر الرئيسي لجهاز مباحث أمن الدولة -الذي تمّ حلّه عقب الثورة- يخضع لإجراءات أمنية غير عادية، فبجانب الإغلاق الكامل لجزء من شارع الشيخ ريحان الذي يقع فيه الباب الرئيسي للوزارة بالحواجز الحديدية ومئات الجنود، كانت أجهزة الأمن تقوم بإغلاق هذا الجزء من الشارع وشارعين آخرين -هما شارعا نوبار والمنصور اللذان يحويان مدخلان آخران للوزارة- إغلاقا نهائيا أمام حركة المرور منذ الساعة الحادية عشرة مساء حتى السادسة صباحا، وتمنع مرور السيارات أو الأشخاص نهائيا، ويضطر سكان المنطقة إلى الالتفاف من جهات خلفية -من ناحية شارع محمد فريد- للوصول إلى منازلهم، كما أن معظم المحال التجارية القريبة من الوزارة تضطر لإغلاق أبوابها قبل موعد "الحظر اليومي"؛ حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم. وعقب الثورة أزيلت الحواجز الحديدية، وأصبحت الشوارع المحيطة بالوزارة مفتوحة أمام المواطنين بحرية، وتوقفت أجهزة الأمن عن تطبيق "الحظر اليومي"، وأصبح مسموحا للسيارات بالمرور من أمام أبواب الوزارة في ساعات الليل دون عوائق، لكن هذا التغيير لم ينجح في جعل هذه الشوارع "طبيعية" إنما حوّلها من شوارع ممنوعة إلى "مناطق ملتهبة"، وهو ما بدا واضحا خلال الهجوم الذي قام به محتجون على مقر الوزارة يوم الجمعة الموافق 9 سبتمبر الماضي؛ حيث بدا المشهد غريبا عندما قام المحتجون بتحطيم شعار الوزارة على الباب الرئيسي، بينما قامت قوات الأمن بالدخول إلى المبنى وإغلاق الأبواب. ويقول أشرف محمد السعيد (صاحب محل حلاقة ملاصق لمبنى الوزارة): "قبل الثورة كنت أضطر لإغلاق المحل في السابعة مساء؛ لأنه لا يوجد زبائن بعد هذا التوقيت، كما أنني كنت أحاول تجنب الوقوع في مشكلات أمنية يمكن أن تنتج عن التأخير وعبور الحواجز الأمنية المفروضة حول الوزارة"، ويضيف: "بعد الثورة أصبحت الشوارع مفتوحة، ولا توجد حواجز أمنية، لكنني أيضا أغلق المحل في السابعة مساء أو بعدها بقليل؛ لأن المنطقة تحوّلت إلى مكان غير آمن ومستهدف من المتظاهرين، وما زال عدد الزبائن قليلا بسبب وضع المنطقة". وتقول سيدة محمد بدر الدين (صاحبة محل بقالة يقع أمام باب وزارة الداخلية مباشرة بشارع نوبار): "قبل الثورة كان الأمن يقوم بتفتيشي عندما أذهب لفتح المحل صباحا، وأيضا وأنا ذاهبة إلى المنزل؛ بالرغم من أنني أغلق المحل حوالي الساعة السادسة مساء"، وتضيف: "خلال أحداث الثورة تعرض المحل للاقتحام وسرقة محتوياته، بالرغم من أنه يقع أمام باب الوزارة مباشرة، وفي منطقة كانت في هذا الوقت مغلقة تماما، وقد أعدت فتحه وبدأت حركة البيع تتحسن قليلا؛ بعد أن خلت المنطقة من الحواجز الأمنية وأصبحت مفتوحة أمام حركة السير". السفارة تخضع جميع السفارات الأجنبية لإجراءات أمنية لتأمينها، وهو أمر معمول به سواء في مصر أو جميع بلدان العالم، لكن هناك دائما سفارات تخضع لحماية أمنية غير عادية، وتعد السفارتان الأمريكية بمنطقة جاردن سيتي بوسط القاهرة، والإسرائيلية بمنطقة كوبري الجامعة بضاحية الجيزة من أكثر مقار البعثات الدبلوماسية المثيرة للجدل في مصر، ويخضع مقرا السفارتين لإجراءات أمنية غير عادية وصلت إلى حد الإغلاق الكامل للمنطقة الموجودة فيها كل منهما. وفي يوم 9 سبتمبر الماضي؛ عندما قام محتجون باقتحام المنطقة الواقع فيها مقر السفارة الإسرائيلية، وبهدم ما يسمى "الجدار العازل" الذي بنته السلطات المصرية لتأمين السفارة، وكذلك إنزال العلم الإسرائيلي من أعلى مقر السفارة ورفع العلم المصري بدلا منه، كان الجزء الأبرز في المشهد هو التغير الذي حدث عقب الثورة؛ إذ إن مبنى السفارة الإسرائيلية كان يخضع قبل ثورة يناير لحصار أمني مكثف، وإغلاق كامل للشوارع المحيطة به بالحواجز الأسمنتية والحديدية، وكان سكان العمارة التي يقع فيها مقر السفارة والعمارات المجاورة لها يخضعون للتفتيش الذاتي عند الصعود إلى منازلهم أو النزول منها. ولم يكن في استطاعة أي من المتظاهرين الاقتراب من مقر السفارة، ومع قيام الثورة تمّ تخفيف الإجراءات الأمنية، وإزالة بعض الحواجز الأسمنتية والحديدية، فأصبح بإمكان المتظاهرين الوصول إلى السفارة، لكن عقب الهجوم على السفارة أعادت أجهزة الأمن تطبيق إجراءات أمنية لكن بشكل أقل تكثيفا من الوضع قبل الثورة، وتولت وحدات من الجيش مهمة تأمين السفارة. ويقول محمود حسني (طالب بكلية الإعلام جامعة القاهرة التي تقع على بعد نحو كيلو مترين من مقر السفارة): "قبل الثورة كنا نخرج من الكلية للسير على كوبري الجامعة، لكننا نضطر للسير على الرصيف الذي يقع على الناحية البعيدة عن مقر السفارة، إذ كان جزء من رصيف الكوبري المقابل للسفارة مباشرة مغلق وممنوع السير عليه"، ويضيف: "عندما كنا نخرج في تظاهرات من الجامعة محاولين التوجّه إلى السفارة الإسرائيلية؛ للاحتجاج على اعتداء القوات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، كانت أجهزة الأمن وقوات مكافحة الشغب تتصدى لنا بعنف على مسافة بعيدة من السفارة"، وبالطبع هذا لا يحدث الآن ويمكن الوصول للسفارة للاحتجاج. دعاوى قضائية كانت المنطقة الواقع فيها مقر السفارة الأمريكية بحي جاردن سيتي تخضع لما يشبه الإغلاق الكامل قبل الثورة، ولم يكن أيضا مسموحا لأي من المصريين بالاقتراب من هذه الشوارع، وكان سكان العمارات بالمنطقة يخضعون للتفتيش الذاتي الدقيق من خلال الحواجز الأمنية، وهو ما دفع عددا من أصحاب المحال التجارية إلى إقامة دعاوى قضائية ما زالت تنظرها المحاكم المصرية، ويطالبون فيها بتعويضات مالية عما يعتبرونه خسائر مالية يتعرضون لها بسبب إغلاق المنطقة أمنيا بشكل دائم. وعقب قيام الثورة تمّ تخفيف الحصار الأمني المفروض على مقر السفارة، وأزيل أيضا عدد من الحواجز الحديدية، وهو الأمر الذي سمح في أغسطس الماضي لمتظاهرين من أعضاء الجماعة الإسلامية وأهالي الشيخ عمر عبد الرحمن -المحتجز في السجون الأمريكية- بالاعتصام أمام مقر السفارة؛ للمطالبة بإطلاق سراحه. ويقول عادل عبد الله (الذي يسكن في إحدى العمارات القريبة من السفارة الأمريكية): "كنا نخضع للتفتيش الذاتي بشكل مهين عند الصعود إلى منازلنا، وعندما نستقبل ضيوفا كان يتم احتجازهم أمام الحواجز الأمنية إلى أن نذهب لاستلامهم"، ويضيف: "الوضع الآن أفضل من ذي قبل؛ فالإجراءات الأمنية أخف كثيرا، ويمكننا الصعود إلى منازلنا واستقبال الضيوف دون تفتيش أو احتجاز". ويرى علي مرسي -صاحب محل تجاري بالمنطقة- أن الوضع يحتاج إلى وقت ليصبح التغيير ملموسا، ويقول: "خلال السنوات الماضية كنا نعاني ليس فقط من الإجراءات الأمنية المبالغ فيها، ولكن من تأثير هذه الإجراءات على حركة البيع"، ويضيف: "بدأت حركة البيع في التحسن قليلا، لكنها تحتاج إلى وقت لتصبح طبيعية".