كثيرا ما كنت أسمع "وقد صرّح شاهد عيان.. وقد التقينا بشاهد عيان.."، وكثيرا ما بحثت عن هذا الشاهد، وسألت عنه إلى أن وجدت نفسي أخيرا أنا أيضا شاهد عيان. فيوم الأحد الماضي وجدت نفسي وسط أكثر من 50 ألف طالب -من ائتلاف شباب جامعة المنصورة والاتحادات الطلابية على مستوى الكليات- أمام مبنى كلية الطب البيطري؛ تضامنا مع زملائهم من المصابين في الأحداث التي خلّفت 7 إصابات لطلاب الطب البيطري؛ من بينهم محمد ثروت -أمين اتحاد طلاب الطب البيطري- حيث ندّد المتظاهرون برحيل عميد الكلية الدكتور السعيد الشربيني. وقد بدأت الساعات الأولى من الصباح بقيام طلاب الطب البيطري بإغلاق البوابات الخاصة بالكلية بالجنازير لتتوقف الدراسة في الكلية بالكامل، وتتوافد جموع طلاب الكليات بجامعة المنصورة على مبنى الكلية، في ثورة عارمة ل"بلطجة" عميدي كلية الطب البيطري والآداب، ذلك على خلفية استعانة الدكتور محمد غنيم -عميد كلية الآداب وأستاذي السابق- بمجموعة ممن أسماهم الطلاب المحتجين ب"البلطجية"؛ ليحاولوا تفريق المحتجين حول سيارته والاعتداء عليهم. والجدير بالذكر أن أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة من كليات جامعة المنصورة المختلفة قد نظّموا يوم السبت الماضي تظاهرة حاشدة أمام مبنى المجمع الخدمي في أثناء عملية التصويت في انتخابات الجامعة؛ لاختيار رئيس جامعة المنصورة، وأثناء ذلك قام الطلاب بمحاصرة سيارة يستقلها كل من عميدي كلية الآداب، والطب البيطري منذ الساعة الثانية عشرة ظهرا وحتى الواحدة والنصف، وبعد ساعة ونصف من الانتظار، وبعد أن استعان عميد كلية الآداب بمجموعة "البلطجية" قام سائق السيارة بالتحرك بها ببطء؛ لإرهاب الطلبة للسماح له بالمرور، إلا أن الطلبة رفضوا السماح للسيارة بالمرور، فقام سائق السيارة بالتحرك بها بسرعة ودهس الطلبة المعتصمين أمامها؛ وهو ما أدى إلى إصابة أكثر من 15 طالبا بإصابات خطيرة، وتمّ نقلهم على الفور إلى مستشفى الطلبة بجامعة المنصورة، ليذكّرنا هذا المشهد بالسيارة التي قامت بدهس المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير في أحد ميادين القاهرة. فما كان من طلاب جامعة المنصورة -الذين تمّ اختيارهم لإدارة الأزمة- إلا أن دعوا إلى إضراب عام يبدأ من يوم الأحد، وقالوا في دعوتهم التي أطلقوها على صفحاتهم الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: "دم إخوتنا مش هيسيل هدر.. إضراب عام عن الدراسة في الجامعة ومنع المجرمين من دخولها". وقبل كتابة هذه السطور بلحظات أصدر الدكتور سيد عبد الخالق -رئيس جامعة المنصورة- قراراً بتشكيل لجنة محايدة؛ للتحقيق في واقعة الميكروباص -وكأنها موقعة جمل أخرى- وجاء ذلك في البيان الأول لرئيس الجامعة في اليوم الأول لتوليه مهام منصبه -بعد فوزه في انتخابات رئاسة الجامعة التي أجريت يوم السبت الماضي- وقد أعرب عبد الخالق عن أسفه لما حدث خلال التصويت من احتكاكات بين الطلاب وبعض الأساتذة، وما حدث لهؤلاء الطلاب من إصابات، مؤكدا أنه أصدر تعليماته للقائمين على مستشفى الطوارئ بالجامعة أن يقدّموا كل الرعاية والدعم لهؤلاء المصابين من أبنائنا، وطالب جموع العاملين في الجامعة بالبدء في العمل بشكل جيد؛ للارتقاء بالجامعة بحيث يكون الجميع سواء، وأنه لا فرق بين أي من الطلاب على أساس انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو الفكرية، ويتساوى معهم الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس، فهم في النهاية طلاب جامعيون، ونفس الأمر للزملاء أعضاء هيئة التدريس. وما هي إلا لحظات أخرى حتى أعلنت إدارة جامعة المنصورة استقالة 5 عمداء؛ وهم: د. السعيد الشربيني عميد كلية الطب البيطري، ود. عبد القادر محمد عبد القادر عميد كلية التجارة، ود. محمد شعير عميد كلية التربية، ود. أشرف عبد الباسط عميد كلية الطب، ود. عمر الشهابي عميد كلية العلوم، بينما أكد الدكتور غنيم أنه تقدم باستقالته لرئيس الجامعة ولكنه رفضها؛ لتسود فرحة عارمة بين الطلاب المعتصمين أمام مبنى إدارة الجامعة بعد إعلان الاستقالات، وقام الطلاب بالسجود تعبيرا عن فرحتهم ونصرهم بعد الاستجابة لمطالبهم. خلاصة القول -كشاهد عيان لأول مرة- قبل الثورة كنا نقول: "التعليم فاشل"، وأثناء الثورة قلنا: "التعليم فاسد"، أما الآن يجب أن نعلنها بكل صراحة: "مافيش تعليم أساسا"، وبالبلدي أقول لكل أب وأم عايز تعلم أولادك صح؟ مقتدر تعلم خاص، أو غير مقتدر يبقى قدامك حاجة من تلاتة: إما أن تحاول الحصول على منحة من دولة أخرى، أو تحاول تجيب عقد عمل وتسافر بره، أو تتعلم صنعة تنفعك، مع بعض الكورسات في كل حاجة، ده أفيد لك؛ لأن التعليم الجامعي الحكومي المصري انتهى بالفعل، وعايز أقول حاجة كمان عباس العقاد كان معاه الابتدائية، ومع ذلك أصبح أديبا مشهورا، وكان يجيد اللغات.. فوفّر على نفسك تعب القلب والشهادة اللي في الآخر هتقطعها أو ترميها.. نصيحة لوجه الله!