عن الضربة الجوية المنسية هذا العام، استنكر البعض وتساءلوا: هل سنلتزم بالعادة الفرعونية الأصيلة التي تُملي علينا أن يمسح كل رئيس أو ملك أو حاكم كل من قبله؟ ففي جريدة المصري اليوم تحدث عبد اللطيف المنياوي -في مقال بعنوان "الشخبطة على التاريخ"- عن طفولته وعن عدم إدراكه سوى لمساوئ رؤساء مصر السابقين وحكامها ابتداء من الفراعنة وحتى الخديو إسماعيل الذي لا نعرف عنه سوى أنه أغرق مصر في الديون، ونتجاهل المظاهر الحضارية التي أنشأها في مصر وصولًا للملك الفاروق ثم تجاهُلًا للرئيس محمد نجيب، واعتبارنا أن جمال عبد الناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر العربية.
يدعونا المنياوي لعدم تجاهل إنجاز مبارك، ويقول إن في هذا ظلمًا كبيرًا ليس له فقط؛ بل للأجيال القادمة أيضًا التي يجب أن تعرف دوره في قيادة الضربة الجوية، التي كان لها دور مشهود في حرب النصر، ويدعو إلى عدم الاستمرار في تشويه التاريخ الذي جعل ثقتنا مهزوزة في تاريخنا؛ بسبب الشطب والتجاهل.
وأقول له ولنوال مصطفى، التي كتبت نفس المعنى في جريدة الأخبار تحت عنوان "الضربة الجوية الملغية"، إننا لن نتجاهله ولن نتجاهل بالطبع الضربة الجوية؛ لكن نرغب في الراحة منها قليلًا هذا العام؛ فقد اندهشت نوال مصطفى من التجاهل أو المحو الكامل لتلك الضربة التي استطاعت أن تصنع غطاء جويًّا محكمًا، ومنحت الفرصة لعبور المدرعات والمشاة؛ إلا أنها أشارت إلى أنه بعد وفاة السادات كان الحديث الإعلامي كله يدور حول أن الضربة الجوية هي الأهم والأعظم والأنجح؛ حتى إنه تم تجاهل قرار الحرب نفسه، والذي كان السادات هو بطله الذي لا جدال فيه ولا منافس.
أقول لهم: لا، لن نتجاهل بالتأكيد أهمية الضربة الجوية؛ لكننا سنضعها فقط في نصابها ضمن منظومة كاملة استطاعت كلها أن تعبُر بنا القناة، وأن تصل بنا للنصر التاريخي على العدو الصهيوني، لن نتجاهل الضربة الجوية ولا مبارك قائدها؛ لكن سنحاول أن نستريح هذا العام من التهليل المتواصل لها؛ وكأنها هي الحرب وهي العبور وهي النصر.
30 سنة لا نحتفل سوى بالضربة الجوية وبقيادة مبارك للضربة الجوية وكأن الحرب كلها كانت جوية.. لا أنكر دوره؛ لكنه أنكر بالفعل دور كل مَن ساهموا في هذه البطولة العظيمة؛ فليس أقلّ من تجاهله هذا العام.
والسؤال الآن: هل ترى في احتفالات أكتوبر هذا العام أي ظلم أو تجنٍّ على دور قائد الضربة الجوية؟ وهل تعتقد أننا يمكن أن نحتفل بانتصارات أكتوبر في الأعوام التالية قائلين مثلًا إننا عبَرنا دون طيران؟
لن أقول إنهم "فلول"، ولن أقول "أعداء للثورة وللبلد"، أولئك الذين يستهجنون الإغفال التام لأي ذكر للضربة الجوية التي كان مبارك قائدًا لها، ويتساءلون: هل سنكون مثل الفراعنة الذين كان الواحد منهم يمحو اسم مَن سبقه؟ أم سنكون مثل ضباط ثورة يوليو الذين محوا اسم الملك فاروق ونعتوه بأفظع الصفات ونمحو اسم مبارك وبطولاته؟ وأقول لهم إن الفراعنة الذين تم محو اسمهم، أنصَفهم التاريخ وعرفنا الآن إنجازاتهم، أما فاروق فلو كان اتبع سيرة أجداده (بناة مصر الحديثة) لما كان هذا حاله؛ لكن فساده كان قد فاق الحد. ونفس الحال بالنسبة لمبارك، لو كان احترم تاريخه وبطولته وتوقف عند الحرب؛ لكنا تذكرناه الآن بكل خير؛ لكنه ضيّع بنفسه بطولته ومحا بيديه تاريخه الحربي. وكل هذا -كما قلت- مردود عليه؛ إذ إنه بمقارنة بسيطة بين إنجازات محمد علي وبين إنجازات الخديو إسماعيل، سنجد أن الأول بنى الدولة المصرية الحديثة دون ديون، واهتم بالأولويات عن المظاهر، وبالنسبة لمحمد نجيب؛ فلقد علمت من دراستي ومعلوماتي أن الضباط الأحرار استعانوا به حتى يكون واجهة ذات خبرة لهم، وأن الشباب هم من قاموا فعلًا بالثورة.. هذا لا يبرر بالطبع عزله ونفيه؛ لكن التاريخ لا ينسى أحدًا، ومساهمات محمد نجيب قبل الثورة لا تجعله بالضرورة يستحق رئاسة الجمهورية لمجرد أنه الأكبر سنًّا.