الإخوان المسلمون في ميدان التحرير.. يا للعجب لقد عرفوا الطريق إلى الحرية أخيرا.. منحهم الله فرصة لا تعوّض لتتحقق أحلامهم وآمالهم.. ليذوبوا في المجتمع، وليكوّنوا الحزب الذي كان هو كل ما يطمحون إليه قبل هذه الانتفاضة، التي قام بها شاب من هذا البلد على الفقر والجهل والظلم والإهمال.. ولكن هل استجابوا لها؟ هل تقبّلوا هدية السماء بالحمد والشكر لله؟ هل استطاعوا أن يثبتوا أنهم يحبّون مصلحة هذا البلد، وأنهم يستحقّون أن يكون من بينهم الربّان الذي يقود مصر لعبور أزمتها؟ الإجابة الواضحة عن كل هذه الأسئلة واحدة.. هذا ما خرجت به من صديق تعرّفت عليه في ميدان التحرير بين جموع الشباب، وقد تعب الثائرون وأعياهم الإرهاق، واقترب الفجر، وأخذوا يستعدّون لإغماض أعينهم قليلا؛ استعدادا ليوم آخر من أيامهم الثورية.. جاءني وجلس بجواري، وسألني: الأخ منين بإذن الله؟ أجبته عن هذا السؤال مباشرة.. وما الذي حرّكك في هذا الوقت المتأخر من الليل؛ للانضمام لثورتنا المجيدة؟ لعله الجهاد في سبيل الله أخي الكريم! وغيرها من الأسئلة التي سألني، وللأمانة لقد أجاب هو عن معظمها، قبل أن أشرع في الإجابة؛ إمعانا في إقناعي بفراسته. دار حوار طويل بيننا.. عن هذا النشاط الذي يقومون به في هذه الفترة من عمر الوطن.. وما هي طموحاتهم المستقبلية؟ وكيف يتمنى هو وأقرانه أن يشاهدوا مصر؟ وما هي مطالبهم وما حدودها؟ وما الغرض منها؟ وخلصت إلى أمر أزعجني كثيرا.. ذاك أن الإخوان المسلمون لا حدود لطموحاتهم في هذا البلد، هم يريدون سدة الحكم، يريدون دولة إسلامية ترتدي ثوبا مدنيا بمفهومهم عن المدنية، يريدون ألا يغادروا ميدان التحرير ببساطة؛ لأنهم يريدون إسقاط الرئيس.. نعم إسقاط الرئيس، ثم لا يكون من بعده قوة حقيقية منظّمة سواهم في هذا البلد.. هم يرون الأحزاب العلمانية -بمفهومهم عن العلمانية- مجموعة من المسلمين الذين لا علاقة لهم بالإسلام سوى خانة التعريف بالديانة في البطاقة الشخصية.. وأن الأحزاب الليبرالية منحلّة وتدعو للانحلال.. وأن مصر دولة إسلامية اسما.. ولكن العهر والانفلات الأخلاقي يبعدها عن الإسلام، وبالتالي فلا حلّ لها سوى الإسلام.. يرون أنه آن الأوان لإطلاق اللحية التي حرمتهم الظروف إطلاقها؛ تجنّبا للمشاكل الأمنية.. إلى هنا فربما يكون الحديث مهضوما على مضض، ولكن أخطر ما قاله أخي الإخواني عبارة واحدة تلخّص المشهد: يا أخي لقد عانى الإخوان كثيرا، شافوا الضرب والإهانة والاعتقالات، فأكرمهم الله بعد هذا الذل.. "وقد يأتي الله بالإصلاح ولو على يد شباب فاسد.. فينصلح حالهم بعدها حين يتولى الأمة من يصلح"... كان هذا هو ملخّص حواري معه.. استأذنته في الانصراف، فبدا منزعجا؛ حيث ظن أنني أنوي الرحيل من الميدان، ولكنني هدّأت روعه بقولي إنني سأذهب لأتفقّد باقي زملائي في الميدان، وإنني لن أرحل إلا بعد أن تتحقّق المطالب المشروعة للشعب.. فودّعني مبتسما، وتمنى لنا التوفيق.. أمر آخر هو أشد ما آلمني، ونحن في مرحلة حرجة من تاريخ هذا البلد، وهو لهجة التشفّي الواضحة في حديثه.. ورغبته العارمة في الانتقام والثأر.. وتطلّعه أن يرى رأس النظام مقطوعا في ميدان التحرير؛ شفاء لغليله وغليل الإخوان، فقلت له: يا أخي الكريم.. يقول سيدنا علي كرّم الله وجهه: "إذا أعانك الله على عدوّك، فاجعل من عفوك عنه شكرا لله على أن جعلك قادرا عليه"، فغضب غضبة شديدة وقال لي: لا تسامُح ولا مغفرة مع هؤلاء.. العين بالعين.. فبادرته: ولكن الله أمرنا بالصفح والعفو والمغفرة.. لنبني هذا البلد على أساس من الحب والحمد والشكر لله.. غير أنه قال إن الإخوان تعرّضوا في مصر لمظالم كثيرة.. وأنهم في وقت النصر لن يعفوا عن أحد.. فأدركت بما لا يدع مجالا للشك أن منهج هؤلاء الإخوان المسلمين لا يعرف الرحمة.. وأن القادم أسوأ لو سادوا علينا.. وأقولها بكل ثقة ويقين إنهم لا يكترثون لهذا البلد ولا أهله.. هم لا يرون إلا غايتهم ومنهجهم وتطلّعاتهم.. هم يريدون الإمارة.. يريدون السيادة.. يريدون الكراسي البرلمانية.. هم يريدون كرسي الحكم.. ثم يتحكّمون في هذا البلد وفق منهجهم وخططهم.. أما ما أودّ أن أختتم به حديثي معكم عن حديثي إليه، فذاك أنني سألته: سمعت أن الأمريكان يتصلون بالإخوان في هذه المرحلة، ولا مانع لديهم من أن تتولوا زمام الأمور في المستقبل وفق شروطهم.. فهل تمدّون أياديكم لقتلة الأطفال والنساء والعراق ولبنان وفلسطين؛ من أجل أن تصلوا للحكم في هذا البلد؟ فقال لي: وليه لأ؟ نوصل الأول ونحقق غايتنا في وجود مصر الإسلامية المدنية المتحضرة، وبعدين نعمل اللي يرضينا إحنا ويرضي ربنا، بس نوصل الأول! يعني هتحطّوا أيديكم في أيديهم كما كان يفعل النظام السابق؟؟؟ فأجابني بإجابة لم أفهمها، ولو فهمها أحدكم فليفهمني أجاركم الله.. قال لي: "ولو أدى الأمر إلى أن نضع أيدينا في أيدي الشيطان من أجل الإصلاح والتغيير لفعلنا"!! انتهى الحوار يا سادة.