في عام 1918 نصّبت بريطانيا الأمير فيصل الأول بن الحسين ملكاً على الشام، وهي المساحة التي تشمل اليوم سوريا ولبنان، وعلى الفور أسند الملك الجديد وزارة الداخلية إلى السياسي السوري الكفء رضا الصلح. وحينما قامت فرنسا بغزو الشام عام 1920 وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو، سارع فيصل الأول بالهروب من الشام، وفيما بعد عوّضته بريطانيا بعرش العراق! ولكن عائلة الصلح السياسية لم ينتهِ دورها، حيث قدمت وقتذاك السياسي الشاب رياض الصلح. وفي دلالة تاريخية مهمة كان رياض الصلح ناشطاً في الساحة السورية، رغم قيام فرنسا بتقسيم الشام إلى سوريا ولبنان بالشكل الجغرافي الحالي، وفي الواقع أن العديد من العائلات السياسية التي تنتمي إلى المذهب السني كانت تشعر بالانتماء إلى سوريا أكثر من لبنان. وفي الواقع كان لهذا الشعور أسباب قوية، فالاحتلال الفرنسي قسّم الشام وقتذاك طائفياً، دولة للعلويين وأخرى للدروز وثالثة للسنّة، وهكذا، وكان لبنان هو وطن المسيحيين رسمياً، ولكن السلطات الفرنسية وجدت أن المناطق المسيحية صغيرة جغرافياً، كما أن هذه المناطق مددت سلطتها في أكثر من عصر في أقاليم سورية أخرى، لذا ضمّت إلى هذه المناطق المسيحية بعض المناطق السنّية شمالاً، والشيعية جنوباً، وهكذا وُلِد لبنان بشكله الحالي. وشعر أبناء الطائفة السنية في الشمال بالظلم، ونظروا إلى الدولة السورية على أنها الوطن الأم الذي يجب الالتحام به مجدداً يوماً ما. وشارك رياض الصلح في العديد من المفاوضات السياسية التي باشرتها الجمهورية السورية مع الاحتلال الفرنسي، ومثل معظم السياسيين العرب في هذه الحقبة، أقام الصلح لفترة في مصر؛ من أجل مباشرة جهوده السياسية، بدلاً من مضايقات سلطات الاحتلال الفرنسي. ولكن السياسيين في سوريا بدؤوا في سلوك طريقة في التفاوض لا تُعجب رياض الصلح، منها قيام الحركة الوطنية السورية وقتذاك بعقد اجتماعات مع أطراف من الحركة الصهيونية في فرنسا، وهكذا وفي منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين غيّر رياض الصلح بوصلة عمله السياسي من دمشق إلى بيروت. التفّ العديد من اللبنانيين حول رياض الصلح، وانتُخب عضواً بمجلس النواب اللبناني، وفي هذا النظام السياسي الصعب، حيث كان منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حكراً على المسيحيين الموارنة، استطاع رياض الصلح أن يتولى منصب رئيس الوزراء. لم يكن رياض الصلح أول مسلم سني يتولى رئاسة الوزارة اللبنانية، فقد سبقه عبد الحميد كرامي على سبيل المثال، ولكن سياسة رياض الصلح الإصلاحية القوية جعلت منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى يكتسب مكانة في الدولة اللبنانية. هكذا سطر الرئيس رياض الصلح خطوة قوية في صناعة لبنان الحديث، بعد أن قامت فرنسا بتصميم هذه الدولة وفقاً لحساباتها، فإن رياض الصلح حشد المسلمين السنة خلفه، وبعد أن كانوا ينظرون إلى سوريا على أنها الوطن الأم، أصبحوا ينظرون إلى لبنان على أنه الوطن الحقيقي. واستطاع رياض الصلح أن يكرّس تولّي مسلم سني رئاسة الوزارة، مقابل تولي مسيحي ماروني رئاسة الجمهورية، مما أعاد تعريف العلاقة بين السنة والدولة اللبنانية. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) سعى لبنان إلى نيل الجلاء، خاصة في ظل تمركز القوات الفرنسية على أراضيه، ووحّد رياض الصلح الجهود السورية واللبنانية في هذا الصدد، واتصل بجامعة الدول العربية ومصر؛ من أجل حشد الدول العربية في هذا الملفّ. وعقب نيل لبنان الجلاء لم ينتهِ دور رياض الصلح، ولكنه سعى إلى شراء السلاح للفلسطينيين حينما بدأت القضية الفلسطينية تطفو على سطح الأحداث في الشرق الأوسط عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل إنه عرض خطة عسكرية على الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، تقضي بخطف سفن المهاجرين اليهود إلى فلسطين القادمين من أوروبا، ولكن الدول العربية لم تمتلك الشجاعة أو القدرة العسكرية على هذه العملية البحرية. وفي 16 يوليو 1951 دفع رياض الصلح ثمن بذور التطرف السياسي في لبنان، حينما اغتيل على يد مقاتلي الحزب القومي السوري، انتقاماً لإعدام زعيم الحزب، وروّع لبنان جراء الحادث الذي قضى على رجل الدولة الذي صنع لبنان الحديث، وكانت وفاته بمثابة نهاية حقبة تأسيس لبنان. وعائلياً يُعتبر رياض الصلح مؤسس عائلة سياسية عريقة، رغم أنه يُعتبر فرعاً من آل الصلح أصحاب التاريخ العملاق، ألا أن عودته إلى لبنان فتحت الباب أمام آل الصلح لخدمة السياسة اللبنانية، فابن عمه هو سامي الصلح الذي تولى رئاسة الوزارة اللبنانية أكثر من مرة. ومن آل الصلح الذين تولوا رئاسة الوزارة اللبنانية نجد تقي الدين الصلح، ورشيد الصلح، أي أن آل الصلح قدّموا للبنان أربعة رؤساء للوزارة. وبالنسبة لأبناء رياض الصلح فقد تزوّجت ابنته منى الصلح بالأمير السعودي طلال بن عبد العزيز، وأثمر الزواج عن الابن الشهير الأمير الوليد بن طلال، وتزوّجت الابنة الثانية لمياء الصلح من الأمير عبد الله شقيق الملك الحسن الثاني ملك المغرب، ابن عم الملك الحالي محمد السادس، أي أن آل رياض الصلح يُعتبرون حلقة الوصل العائلي بين ملوك السعودية وملوك المغرب. والابنة الثالثة ليلي الصلح تزوّجت ماجد حمادة ابن الرئيس صبري حمادة رئيس مجلس النواب إبان استقلال لبنان، أي زميل كفاح لرياض الصلح، وتولت ليلى الصلح وزارة الصناعة اللبنانية ما بين عامي 2004 و 2005. وأما أكبر بنات رياض الصلح السيدة علياء الصلح فقد كانت سياسية من الطراز الأول، ورشّحها الرئيس اللبناني بشير الجميل لتولي منصب رئاسة الوزراء فور انتخابه، ولكن الاغتيال عصف به قبل أن تتمكن من أداء اليمين الدستورية أمامه.