باشكر جداً الموقع الجميل لأنه فعلاً ساعدني كتير.. بس مشكلتي الآن غير معتادة.. أنا آنسة، عندي 28 سنة، ومتدينة والحمد لله، ومواظبة على جميع الفروض، وعمري ما تركت فرض والحمد لله.. وفي يوم أختي الأكبر مني -وهي آنسة أيضاً- كانت تعبانة، ورُحنا لشيخ، وقال إنه يوجد داخلها جني، واتكلم الجني اللي بداخلها -أنا مش بحب أصدق الموضوع ده بس ده مذكور في القرآن- وقال إن أنا كمان يوجد داخلي جني مسيحي وكبير في السن، لوقف حالي في الزواج.
وذهبت لأكثر من شيخ، وكلهم قالوا إنه يوجد جني مسيحي بداخلي، وساكن في الرحم، وأنا والحمد لله مواظبة على الصلاة، وباشرب مية مقروء عليها قرآن، وباسمع الرقية الشرعية؛ لكني باحلم أحلام غريبة؛ كأن شخص بيجامعني، وساعات باحلم إني داخل الكنيسة، وحاجات زي كده.
أنا عارفة إن الجواز ده نصيب؛ بس أنا الحمد لله خرّيجة جامعة، وعلى خُلق؛ لكن كل ما عريس يتقدم ييجي مرة ويمشي، وفي مرة ذهبت لشيخ، وقال لي إني حرقته؛ بس الجني اللي بداخل أختي لما بيكلمنا بيقول إنه لسه موجود، وأنا أصلاً باحس بحركته داخل رجلي وهو بيمشي.. وداخلي مشاعر غريبة؛ حيث أتمنى إن عريس يتقدم، ولما ييجي أتمنى إن الموضوع ينتهي، وبعد ما ينتهي ادعي ربنا إن عريس تاني يتقدم.
مش عارفة أعمل إيه، ومافيش غير الله اللي ألجأ له؛ بس مش عارفة أعمل إيه.. أرجو مساعدتي.
A.E
كم هو مؤلم هذا الحديث لكل من ينتمي للمجال النفسي يا ابنتي؛ فمصيبتنا الكبرى في الحديث عن تلبّس الجن بالبشر ترجع للجهل الشديد الذي يترافق مع طبيعة بعض الأشخاص، والذي يتساوى فيه -مع الأسف- المتعلم وغير المتعلم، والمتدين وغير المتدين، والمشهور والمغمور؛ إلا من رحم ربي؛ فلقد ضيّع هذا الاعتقاد الكثير من الفتيات والشباب -الذين نحتاج لوجودهم وجهودهم- سنوات وسنوات من أعمارهم في دهاليز العلاج بالقرآن، وطقوس التخلّص من التلبس، التي لم يأتِ بها من سلطان..
والزحف وراء كل شيخ في كل مكان لتجريب كل وأي طريقة يقبلها عقل.
وما يجعل الحديث في هذا الموضوع حديثاً صعباً، أننا نتكلم في الطب النفسي عن مشاعر وأفكار ومفاهيم وتأثير خبرات مختلفة في حياة الإنسان؛ فالطب النفسي هو الفرع الوحيد الذي يتعامل مع الباطن واللاشعور، ولا يتعامل مع أعضاء؛ حيث يتمكّن المريض من تحديد مكان ألمه والتعبير عما يشعره جيداً، وكذلك لا يتمكن الطبيب بحسم برنامج العلاج بوقت ونِسَب وأرقام دقيقة.
ففي عصور الجهل السابقة، كان حين يرتعش شخص ويهلوس وترتبك وظائفه الجسدية في أصعب وقت من الصيف، كانوا يذهبوا به لمن يستطيع -في تصوّرهم- أن يشفيه من الجن الذي يلبسه؛ لأن التفسير الوحيد لديهم هو وجود روح شريرة بداخله تفعل به هذا.. ومع مرور الزمن والتقدّم العلمي المُذهل ظهر أن ما كان يعانيه هؤلاء الأشخاص مجرد ملاريا، يمكن علاجها الآن خلال أسبوع بأقراص صغيرة بخسة الثمن.. وأصبح الناس أكثر وعياً فيما يخص مرض الأعضاء الواضح.
لذلك فالطب النفسي لا يزال يحتاج لوقت طويل ووعي؛ حتى نتمكن من إفهام الناس أن ما يتصورونه تلبّساً بالجن ما هو إلا أعراض أمراض نفسية معروفة وواضحة يمكن التيقّن منها وتشخيصها، ووضع برامج عديدة لعلاجها؛ ولكن كيف السبيل؟
ولا أستطيع أن أفهم كيف تكونين متدينة، ولا تعلمين أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الحق، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، وأنه لا سلطان له علينا، وأنه مهما اجتمعت الإنس والجن ليؤذوا أحداً من الناس لن يتمكنوا إلا إذا أراد الله سبحانه وشاء، والعكس صحيح؟
بل كيف تتصورين أن الجنّ تمكّن -بما أوتي من جبروت وقوة وسلطان- أن يتلبّس بكِ ويجلس في رحمك، وإذا ملّ جلوسه في رحمك يتمشى في ساقك لفترة؛ بل ويعاند الأقدار ويمنع زواجك، والأكثر من ذلك يتمتع معك بعلاقة جنسية وقتما يشاء؟!!
ألم تسألي نفسك لماذا يجامعك فقط وأنت نائمة في الحلم؟ ما الذي يمنعه أن يجامعك وأنت في اليقظة؟ أليس له قوة وتأثير ليفعل ما يشاء؟
ألم تفكّري للحظة أنها إرادتك التي ترفض ذلك؛ ولأنك حين تنامين ليلاً تفقدين إرادتك؛ فتتمكن منك تلك الأحلام؟
ولا تتصوري أن حديثي معناه أنني لا أؤمن بوجود الجن؛ حاشا لله؛ فقد ذكره سبحانه وتعالى؛ فهو موجود بالطبع، وأؤمن كذلك بتأثيره على البشر؛ ولكن ما لا أؤمن به، هو هذا التصور الرهيب لقوة تأثيره علينا؛ فلقد حدده الله سبحانه بأنه يؤثر علينا بالوسوسة والحثّ على ترك الخير والعبادة، والحث على الإقبال على المعاصي لا أكثر.. فهل تتصورين أنّ يعلمنا النبي صلوات الله عليه وسلامه مثلاً كيف ندخل الحمام، وماذا نقول حين الدخول والخروج منه، ويعلمنا ماذا نقول حين نرتدي ملابسنا، وحين نأكل، وحين ننظر في المرآة، وحين نجامع أزواجنا، ويعلّمنا ويهتمّ لكل تلك التفاصيل، ويترك هذا الموضوع بالإشارة فقط للرقية والمواظبة على الأذكار ليحفظنا الله من الوسوسة؛ لو كان للجن بالفعل كل هذا التأثير؟
لا يا ابنتي؛ فلْتعودي لعقلك، وتفكّري بمنطق وبما أوضحه لنا الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا أكثر من ذلك.
واحترمي كلام العلم وافهميه، ولا تتركي نفسك لهذا الضياع والجهل الشديد الذي يسكن برأسك.. وأقول لك إنه علمياً هناك نوع من البشر نسمّيهم أصحاب التفكير الخرافي، وهم أشخاص لديهم قابلية عالية جداً للإيحاء وتأويل الأحداث، وإرجاعها لقوة خفية تتحكم في الأمور؛ حيث نجدهم يتتبعون الشائعات، ويتتبعون تفسير الأحلام بقوة ومدلولها، ويؤمنون بوجود قوة خفية تستطيع أن تسير وتؤثّر على حياتهم، ويضخّمون ويهوّلون أي خبر يسمعونه.. وهؤلاء الأشخاص حين تلتقي هذه الدرجة من القابلية العالية للإيحاء بداخلهم، مع حديث شخص يحتلّ لديهم مكانة ويكون محلّ للثقة لديهم؛ يكون التأثير أعلى وأكبر.
وهذه ببساطة فكرة العلاج بالتنويم المغناطيسي، الذي يعتمد على قوة تأثير المنوِّم على الشخص الذي ينام؛ فالمنوِّم له مكانة لدى المريض، ومحلّ ثقة للشخص النائم؛ فحينها يكون في أفضل حالات القابلية للإيحاء والتأثر؛ فيتمكن بالفعل من السيطرة عليه وجعله يشعر بما يريد أن يُشعره به؛ بل ويذهب به إلى أي مكان وزمان يريد.. وهذه هي نفس فكرة من تذهبين إليه بغضّ النظر عن كونه شيخاً أو دجالاً -فليس هذا مجال الحديث الآن- فهو يعتمد على قوة تأثيره، ومكانته في النفوس؛ لأنه رجل دين أو سرّه باتع! ويكون محلاً للثقة؛ فتكون القابلية للإيحاء في أعلى درجاتها.
لاحظي أن معظم الشيوخ أو الدجالين الذين يقولون إنهم يُخرجون الجن من الجسد يكونون على درجة عالية من الحزم والقوة والحضور؛ فيحدث بلا وعي هلاوس سمعية أو بصرية أو حشوية كاذبة، ومعنى "حشوية" أنها داخل الأحشاء؛ أي يشعر المريض بشيء داخله كما تشعرين تماماً بأنه يسري في قدميك أو يجامعك.
أنت يا ابنتي تعانين ما يُعرف علمياً باسم "اضطرابات الانشقاقات التحوُّلية"، التي يحدث فيها تلك الهلاوس الكاذبة (سمعية أو بصرية أو حشوية أو غيرها)؛ فنجد من يرى ويسمع ويقسم بأن هناك من يسري بداخله، أو يجامعه، أو يراه على الحائط، أو يشم روائح لا يشمها غيره.. وكل هذا زائف، والحقيقة أنه يعاني هذا الاضطراب.
ولتوضيح هذا الاضطراب ببساطة شديدة -أرجو ألا تكون مختزلة اختزالاً مُخلاً- أقول لك: إننا عبارة عن منظومة متكاملة تتناغم عناصرها؛ فمن المفترض أن أفكارنا ومشاعرنا ووعينا بذواتنا والمحيط بنا ومن حولنا وذكرياتنا وحركاتنا الجسدية وغيره؛ كل هذا يتناغم ويتجانس مع بعضه.. لكن هناك بعض الأشخاص الذين إذا وقعوا تحت تأثير موقف ضاغط أو شديد عليهم (عمل، زواج، موت.. إلخ) يحدث لهم انفصال أو انشقاق جزئي لهذا التناغم الذي ذكرته؛ كهروب -دون وعي منهم- من مواجهة هذا الموقف الضاغط الشديد..
فقد ينشقّ عن البعض المشاعر؛ فنجده لا يشعر بما حوله، أو ينشقّ عن وعيه بنفسه؛ فيشعر أن جزءاً منه موجود في مكان آخر، أو ينشقّ عن ذكرياته ويفقدها سواء عن الناس أو المكان أو الأحداث، أو لا يتحكم في حركات جسده، وهذا ما نجده حين يتلوى جسد شخص أو لا يتمكن من تحريك يده مثلاً وهو يقرأ القرآن؛ لأنه وقع في هذا الانشقاق مع وجود القابلية للإيحاء؛ فيتصور أن الجن هو من يشلّه..
والحقيقة أن تحكمه في الجهاز الحركي هو الذي انشقّ عنه، أو هو من يتحدث بصوت آخر كما يحدث مع أختك فينشقّ تحكمها في أحبالها الصوتية ونبرتها وغيره؛ فيخرج هذا الصوت.
فأنت وأختك يا ابنتي تعانيان -منذ فترة- اضطرابات نفسية تحتاج لعلاج نفسي سريع؛ فلتنقذي نفسك من تلك المتاهة، ولتواجهي حقيقة مشكلتك ومعاناتك؛ فتبدئي بنفض إيمانك بهذه الخزعبلات، وتتابعي مع متخصص نفسي لتُشفي مما أنت فيه منذ فترة.
والحمد لله أن كثير جداً ممن عانوا تلك التحولات الانشقاقية شُفوا تماماً بفضل الله تعالى.. فهيا يا ابنتي، وكفاك تعباً وجهلاً ولا تتأخري.