"إن نجاح استفتاء الشعب في السودان بانفصال الجنوب قد يمنح الولاياتالمتحدة أيضا إلهاما عمليا لعلاج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ من خلال استفتاء شعبي أيضا، ينتج عنه إنشاء إدارة ذاتية مؤقتة ذات صلاحيات موسّعة".. هذا ما يراه دكتور أوريئيل أبولوف -أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب- في مقال له بجريدة هاآرتس، في عددها الصادر يوم الإثنين 11/ 1/ 2011 تناول فيه قضية الاستفتاء الذي يجريه سكان جنوب السودان، حول تأييد وحدتهم مع الشمال السوداني، أو تأييد الانفصال ليكوّنوا دولة جديدة مستقلة بهم يتم تسميتها دولة "جنوب السودان".
يشيد الكاتب بدور الولاياتالمتحدةالأمريكية في انفصال جنوب السودان الكاتب: الأغلبية الحاسمة صوّتت لصالح الانفصال ويؤكد أبولوف في مقاله أن نتيجة الاستفتاء ستكون الانفصال، قائلا: "إذا ما تم الاستفتاء كما ينبغي؛ فستنتخب الأكثرية الحاسمة انفصال الجنوب، وأن تقسّم أكبر دول إفريقيا إلى اثنتين: شمال السودان، وفيه نحو من 35 مليون شخص، غالبيتهم من العرب المسلمين، وجنوب السودان وأكثريتهم الحاسمة من سكانه الثمانية ملايين ونصف من الأفارقة، وديانتهم المسيحية أو الوثنية". ويقول الكاتب: إن طريق جنوب السودان إلى الاستقلال لا يزال مزروعا بالألغام، وأكثر هذه الألغام تفجّرا هو ضرورة حسم مصير المنطقة الفاصلة المليئة بالنفط "أبيي" والتي يُفترض أن يصوّت سكانها في استفتاء شعبي مستقل تم تأجيله، لكن مجرد وجود استفتاء شعبي حول انفصال جنوب السودان الآن هو نجاح كبير في حد ذاته، وهو أحد النجاحات المثيرة للإعجاب لسياسة أوباما الخارجية، التي عرفت حتى الآن الفشل أكثر من الإنجازات. ويشيد الكاتب بدور الولاياتالمتحدةالأمريكية في انفصال جنوب السودان المرتقب، ويقول: "إن ضمان الاستفتاء الشعبي هو شقّ طريق في مجال "الدبلوماسية المانعة" التي تريد أن تسبق المرض بالدواء. حتى قبل نحو من سنتين كان التقدير السائد أن زعيم السودان عمر البشير -الذي صدر في حقه عام 2008 أمر اعتقال دولي عن "المذبحة" التي ارتكبها في حق شعب إقليم دارفور السوداني- سيحبط الاستفتاء بأي ثمن، وكان يبدو أنه لا مناص من تجدد الحرب الأهلية، خاصة بسبب أرباح النفط العظيمة التي عرفتها السودان في السنين الأخيرة من حقول النفط الموجودة في الجنوب، لكن قلّل تدخّل إدارة أوباما الحثيث والدائم من خطر الاشتعال المتجدد.
الكاتب: إذا انضمّت السودان إلى قائمة الدول المنفصلة فقد تكون فلسطين هي التالية الدور على فلسطين لأن تقسّم هي الأخرى: يرى الكاتب أن النجاح الدبلوماسي في السودان يتوقّع أن يُحرّك إجراءات أمريكية أيضا في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية. مضيفا أن القوة العظمى الأمريكية -حتى وإن ذهبت هيمنتها- لا تزال هي الوحيدة التي تستطيع أن تفعل في فلسطين ما فعلته في السودان، بل يمكنها فعل ذلك في فلسطين بسهولة أكبر. ويوضح الكاتب رؤيته لتقسيم فلسطين، حيث يؤكد أن نجاح استفتاء الشعب السوداني بانفصال الجنوب قد يمنح الولاياتالمتحدة أيضا إلهاما عمليا لعلاج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك من خلال التوجه إلى تسوية مرحلية على أساس استفتاء شعبي يجرى في فلسطين، ينتج عنه إنشاء إدارة فلسطينية ذاتية مؤقتة ذات صلاحيات موسعة، وتجميد متبادل لأعمال العنف والمطالب المتضادة، وتحريم إقرار حقائق جديدة على الأرض المختلف عليها، ثم إجراء استفتاء شعبي ملزم. الكاتب: التقسيم هو الحل لأي صراع داخلي في أي دولة ويقول الكاتب إن طريقة التقسيم تم استخدامها في حل الصراع القائم في عدة دول وأقاليم مختلفة حول العالم، مثل "بوجنفيل" في جزر سليمان التي أرادت التحرر من بابوا غينيا الجديدة ؛ و"اتفاق بلفاست" عام 1998 على مستقبل أيرلندا الشمالية؛ واستقلال جنوب إفريقيا عام 1992؛ واتحاد صربيا مونتينجرو (2003 – 2006) وتيمور الشرقية. ويقول الكاتب: "إذا انضمّت السودان إلى قائمة الدول المنفصلة فقد تكون فلسطين هي التالية"!! ويؤكد الكاتب أن الاستفتاء الشعبي على تقسيم أي دولة هو الحل لأي صراع قد ينشأ في هذه الدولة؛ لأن الاستفتاء -والرأي للكاتب- يرسم أفقا واضحا وسريعا نسبيا لإنهاء الصراع، ويمنح الطرفين باعثا إلى الحفاظ على الهدوء في الفترة المرحلية، وفي النهاية يتوصل طالبو الاستقلال إلى سلام من خلال استفتاء الشعب، ورافضو الاستقلال سيرضون بهذا الاستفتاء؛ كي يبرهنوا للمصوّتين في المستقبل أنه يجدر بهم جعل التسوية المرحلية دائمة. من ثم يرى الكاتب أن الحل على الطراز السوداني ينشئ قاعدة معيارية جديدة للسلام، حيث يصعب على القادة وعلى المعارضين حتى المتطرفين منهم، أن يرفضوا إجراء استفتاء الشعب؛ لأنهم في ظاهر الأمر خُدّام إرادته. وبالمناسبة -والكلام للكاتب- يمكن أن يصوت في الحالة الإسرائيلية–الفلسطينية في الاستفتاء شعبين (الفلسطيني والإسرائيلي)، لتستطيع الأقلية العربية في إسرائيل أن تساعد أيضا على حل الصراع. ويختتم دكتور أوريئيل أبولوف مقاله بأن الاستفتاء ليس نهاية المطاف، ففي الحالة السودانية -والرأي للكاتب- برغم استفتاء الشعب لصالح الانفصال، إلا أن المجتمع في جنوب السودان ليس شعبا، بل خليطا كبيرا من جماعات عِرقية ولغوية ودينية، القاسم المشترك الوحيد بينها هو رواسب الماضي وعداوة شمال السودان، وهي باعتبارها دولة في المستقبل ليس لها منفذ بحري، وتعتمد اقتصاديا على حقول النفط المختلفة الموجودة بها، ولذلك ستظل متعلقة بجارتها دولة شمال السودان "عدوّتها" -وفقا للكاتب- وكي لا تكون دولة جنوب السودان دولة مخالفة للقانون، ويصبح هناك في النهاية دولتان فاشلتان دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان؛ يجب على الجماعة الدولية أن تعتبر أن الاستفتاء العام هو بداية الحل لا نهايته.