الدولة -أية دولة- تضع في أعلى أولوياتها حماية أمنها الداخلي والخارجي، وتأمين قدرتها على تحقيق طموحاتها وأهدافها.. فما بالكم لو كانت هذه الدولة من البداية دولة عدوانية خُلِقَت بالقوة في بيئة رافضة لها؟ نعم.. أنا أتحدّث عن إسرائيل.. فرغم كل حديث عن تطبيع وضعها وشرعنته، فإن القائمين عليها يعلمون جيدا أن الكلام شيء والواقع الفعلي شيء آخر.. لهذا فهم يحرصون على تأمين الدولة الصهيونية من خلال إنشاء منظومة مخابراتية قوية تبذل، كل ما لديها لأجل تحقيق تلك الحماية المنشودة، سواء للأمن أو للطموحات الإسرائيلية.. وهذه نماذج لبعض مكونات تلك المنظومة.. الموساد هو اختصار للاسم الرسمي "المؤسسة لأعمال المخابرات والمهام الخاصة/ هاموساد ليموديعين أليتافكاديم ميهاديم". وكانت فكرة إنشائه ل"رءوفين شيلواه" الصديق المقرّب لديفيد بن جوريون، حيث اقترح على هذا الأخير إنشاء مكتب للتنسيق بين مختلف الجهات العاملة على حماية أمن إسرائيل وخدمتها استخباراتيا، وبالفعل تم تأسيس الموساد، ولكن في شكل إدارة تابعة لمكتب رئيس الوزراء، وبالفعل تم ذلك رسميا سنة 1951 وتولى رئاسته شيلواه صاحب الفكرة. يضطلع الموساد بأعلى مستوى من مهام حماية وخدمة الدولة الإسرائيلية، حيث يمارس عمله -خارج حدود الدولة- في مجالات التجسس، على كل من الدول المعادية، وكذلك تلك الصديقة، وجمع المعلومات اللازمة لأصحاب القرارات السياسية الخارجية، وتصفية من يتم تصنيفهم كأعداء لإسرائيل في الخارج، وحماية الجماعات اليهودية الموالية لإسرائيل، بالذات في الدول ذات البيئة المعادية لليهود أو للصهيونية، وتقديم الدعم لعمليات هجرة اليهود لإسرائيل، ورصد أية مؤثرات داخلية في الدول ذات العلاقة -صداقة أو عداء- بإسرائيل، من شأنها التأثير في وضع إسرائيل سلبا أو إيجابا بالنسبة لتلك الدول. كما أن الموساد يهتم بالدراسات الميدانية والأكاديمية عن الظواهر السياسية والاجتماعية الخارجية ذات الصلة بالأمن، والقرار السياسي في إسرائيل، مهما بدت تلك الدراسات ظاهريا غير ذات صلة. ولأجل تحقيق تلك المهام، يضم جهاز الموساد أقساما مختلفة مثل قسمي "البحوث" و"العمليات التكنولوجية"، وإدارات مثل "تخطيط العمليات والتنسيق" و"العمل السياسي والخارجي" و"جمع المعلومات" و"التدريب" و"الأقسام الجغرافية والعاملة" و"الحرب النفسية"، فضلا عن وحدات للتجسس على البعثات الدبلوماسية في الخارج. وعملاء الموساد في الخارج يعملون -بطبيعة الحال- تحت أغطية مختلفة منها الدبلوماسي أحيانا. وجدير بالذكر أن الموساد جهاز "مدني"، رغم أن نسبة كبيرة من العاملين به قد خدموا بشكل أو بآخر في جيش الدفاع الإسرائيلي.
سنة 1996 نُشِرَت إحصائية تقول إن عدد العاملين في الموساد يبلغ ما بين 1200 و 1500 فردا، وعدد عملائه في الخارج يبلغ 35000 فرد، منهم 20000 عاملون و15000 في حالة كمون. والموساد ينسب لنفسه بعض العمليات مثل محاولة قطع الاتصال بين بورسعيد والقاهرة خلال حرب 1956، وتزويد الطيران الإسرائيلي بمعلومات عن المطارات المصرية قبل حرب 1967، وإرهاب الخبراء المشاركين في مشروعي صواريخ "القاهر" و"الظافر" خلال الحكم الناصري. وأشهر مدراء الموساد هم مائير إيميت (1963 - 1968) وداني ياتوم (1996 - 1998) ومائير داجان (2002 - 2010)، وحاليا يديره تامير باردو. عاموس يادلين المدير السابق لأمان أمان "آجاف هاموديعين" هو اسمها العبري، وترجمته بالعربية "شعبة المخابرات العسكرية". تم إنشاء "أمان" سنة 1950، كشعبة مخابراتية مستقلة منبثقة عن جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان رعيلها الأول من الأعضاء السابقين في وحدة مخابرات منظمة "هاجاناه". و"أمان" تعتبر أكثر الأجهزة المخابراتية الإسرائيلية كلفة على موازنة الدولة، وهذا يتناسب مع حجم مهامها كجهة مسئولة عن تزويد الحكومة بالتقييمات الاستراتيجية اللازمة لوضع سياسات الدولة، خاصة فيما يتعلق بالتفاعل مع الدول العربية، ولهذا فإن مديرها يعتبر صاحب أعلى منصب مخابراتي في الجيش الإسرائيلي، وهو يتساوى من حيث المنصب مع مدير الموساد، ومدراء باقي الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية. ولأجل أن تقوم أمان بمهمتها فإنها تضمّ عدة أقسام ووحدات، مثل الوحدة 8200 المسئولة عن التقاط ورصد الإشارات والاتصالات، ووحدة هاتزاف المسئولة عن جمع المعلومات من المصادر الإعلامية كالراديو والتليفزيون والصحف والإنترنت، وقسم الأبحاث المسئول عن تحليل مختلف المعلومات الواردة لأمان، وإدارة أمن المعلومات المسئولة عن حماية المعلومات السرية من التسرب، وإدارة للرقابة على المعلومات غير المرغوب في إذاعتها عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية. ووفقا لإحصائية 1996 سالفة الذكر، يعمل في الجهاز أكثر من 7000 عنصر، وحاليا يرأس أمان الجنرال أفيف كوهافي. رءوفين شيلواه..صاحب اقتراح الموساد شين بيت شين بيت هو اختصار الاسم العبري "شيروت بيتحون هاكلالي"، أي "جهاز الأمن العام"، ويُعرَف كذلك باسم "شاباك". يخضع الشين بيت مباشرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وعمله يتركز على حماية الأمن الداخلي للدولة الإسرائيلية (أي أنه يعادل مباحث أمن الدولة في مصر، أو المباحث الفيدرالية في أمريكا). فهو يختص بالتصدي لأعمال المقاومة الفلسطينية، وأية تهديدات داخلية لإسرائيل بشكل عام، كما يتولى مهام جمع المعلومات عن الشخصيات المراد التعامل معها بالاعتقال أو التصفية داخل الأرض المحتلة، فضلا عن استجوابه المعتقلين والأسرى، وتأمين مداخل ومخارج إسرائيل (مطارات.. موانئ... إلخ)، وحماية الشخصيات السياسية المهمة، ويقوم كذلك بالتحري عن المرشحين للمناصب العليا في الدولة الصهيونية. والشين بيت من أكثر الأجهزة الاستخباراتية تأثيرا في "مطبخ القرار السياسي الإسرائيلي"، وربما لهذا فإنه يحظى بالتعتيم الأقوى، حتى إن اسم رئيسه كان سريا حتى منتصف التسعينيات، وكذلك فإنه محاط بسياج كثيف من السرية تجعل معرفة أية معلومات عنه أمرا عسيرا. والجهاز يتكون من ثلاثة أقسام: "قسم الشئون العربية"، وهو يختص بالتعامل مع أية تهديدات للدولة من داخلها أو من مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. "قسم الشئون غير العربية"، وهو يختصّ بالتعامل مع التهديدات للداخل الإسرائيلي من خارج النطاق العربي، وهو يعمل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية غير الإسرائيلية، و"قسم الأمن الوقائي"، وهو يختص بالأماكن الحيوية كالمباني الرسمية والسفارات والموانئ والمطارات. بقي أن يُذكَر أن الشين بيت يعتمد في عمله على قاعدة عريضة من العناصر البشرية المتعاونة، خاصة العملاء الذين يجنّدهم من داخل صفوف الفلسطينيين، والذين ينقلون له المعلومات عن العناصر المراد اغتيالها، حيث تُنسَب لهم أعمال مماثلة فيما يخصّ اغتيال بعض الشخصيات مثل الشيخ أحمد ياسين ودكتور الرنتيسي -رحمهما الله- وهؤلاء العملاء كثيرا ما يتعرضون لملاحقة المقاومة الفلسطينية لهم، وإعدامهم بتهمة الخيانة. ختام "موساد"، "أمان"، و"شين بيت".. ثلاثة مؤسسات قوية تشكل سياجا كثيفا على أمن إسرائيل، ويدا باطشة للدولة الصهيونية، مع الأسف فإن المصادر العربية للمعلومات عنها شديدة المحدودية، مما يتعارض مع ضرورة معرفة القارئ العربي بها عملا بمبدأ "اعرف عدوك"، وهو الأمر الذي ينبغي التعامل معه جديا وإصلاحه، لو كنا حقا نرغب في ممارسة حقنا -نحن أيضا- في حماية أمننا داخليا وخارجيا. مصادر المعلومات كتاب "جواسيس جدعون". موقع ويكيبيديا.