خروف العيد ذلك الكائن -المفترض به- أنه لطيف وظريف وصديق للأطفال، يعتبره بعض الأطفال أسطورة حية حينما يركبون فوق ظهره، ويقدمون له الطعام، ويشدون فَرْوَته لسماع كلمة ماااااااااااء.. ولكن بكل أمانة لم يكن خروف العيد بالنسبة لي كذلك.. فلم أكن أبداً كأيٍ من الأطفال المحبين للقطط والكلاب الصغيرة يوماً، ولم يُعرف عني أنني أحب الحيوانات على الإطلاق.. فمنذ وعيت على الدنيا أخاف كُلَ ما يمشي على أربع.. حتى لو كان "عروسة" من الفرو ولكن تسير على أربعة أقدام.. لذا فخروف العيد كان في نظري وحشاً مُريعاً.. وقبل أن تحكموا عليّ.. تعالَوا معي لدقيقة فقط "نتملّى" في هذا الكائن.. - فروة سميكة توحي لك بأنه يرتدي ملابس الحرب ويستعد لقتالك.. - قرنان ضخمان ملتويان يعدانك بالويل والثبور وعظائم الأمور. - عينان لامعتان مرعبتان تخبرانك بأن نهارك سيكون أسود من قرن الخروف لو اقتربت منه. - حوافر مرعبة تذكرك بحدوتة "العفريت ذو رجل الجَدي" الشهيرة.. وبما أنني طفلة فلن يفرق معي الجدي من الخروف كثيراً، المهم أنه مشروع عفريت وكفى. - صوت حلقي مرعب متحشرج يظل يُمَأمِئ طوال النهار وكأنه يسُبك بلغة غير مفهومة - وأخيراً أسنان صفراء مقوسة مرعبة، لا يمكن أن تراها إلا وتتخيل مدى ألمها عندما يعضك ذلك الخروف. وبعد كل هذا.. أمِن المفترض أن أحب ذلك الكائن؟!!! عفواً لا أستطيع ذلك.. ولكن -بكل أسف- كان لوالدي رأي آخر.. فأنا أصبحت بنتاً كبيرة، وبلغت السابعة من عمري، وحان الوقت أن أتحمل المسئولية وأجمّد قلبي، وأذهب لأضع في طبق الخروق قليلاً من الطعام.. حاولت إفهام أبي بكل الطرق الممكنة أنني لا أحب الخروف، وأنه في المقابل لا يحبني، فلم يصدقني.. أعلمته أن الخروف يُصدّر لي قرنيه كلما رآني أُقبل من بعيد أو أقترب من الباب، فلم يصدقني.. فسّرتُ له أن ثُغاءه يزداد كلما وقفتُ مع الأطفال حوله، وأن كلمة "مااااااااااااااااااااااااء" تخرج عصبية وغاضبة من فم الخروف.. فاتهمني بأنني أتخيل ولم يصدقني.. والكارثة أنه لم يصدقني عندما أخبرته بأن الخروف ينظر لي شزراً ويتوعدني، وقال إن خيالي الطفولي واسع للغاية. لذا فلقد قررت أن ألجأ إلى سلاح الأطفال الآخر بعد أن فشل الكلام العقلاني في إقناع والدي.. وهكذا انطلقت في البكاء، وأنا أدبدب فوق الأرض بقدمي صارخةً: "مبحبش الخروف.. أنا بخاف من الخروف". ولكن حتى هذا السلاح فشل فشلاً ذريعاً، فوالدي قرر تغير سياسته هو الآخر.. فبعد أن كان يتعامل معي بسياسة "الجزرة" ويدللني للاقتراب والتغلب على خوفي، فقد قرر اتباع سياسة "العصا" والتهديد.. قائلاً بكل قوة: - "لو محطتيش أكل الخروف مفيش لعبة العيد السنة دي".. ثم أضاف بلهجة رقيقة: - "لازم تتعودي متخافيش من حاجات صغيرة كده، إنتِ متعرفيش إن الحيونات بتشم ريحة الخوف، وبتضرب بس الشخص اللي يخاف منها، وإنك لو قربتِ من الحيوان من غير ما تخافي مستحيل يضربك". وهكذا تحت ثقل التهديد بالحرمان من شراء لعبة العيد؛ قررت تنفيذ المهمة.. وهنا خطر في بالي خاطر "عبقري".. بما أنني لا أستطيع أن اتحكم في خوفي مهما حاولت، وبما أنني خائفة بشدة من الخروف، فلماذا لا أفعل شيئاً آخر.. أن أداري رائحة الخوف هذه.. وهكذا جريت أمام نظرات والدي المتسائلة إلى حجرة والدتي، وبدأت في استخدام كل أنواع العطور الموجودة فوق منضدة التزيين الخاصة بها.. رشَشْتُ كمّاً ضخماً جداً من عدة زجاجات، ثم وجدت زجاجات من الكولونيا والآفتر شيف الخاصة بوالدي، فأخذت أسكب منها فوق شعري، وملابسي ويدي وكل ما يمكن الوصول إليه. وهكذا وقبل أن تذهب الرائحة عني -كما تخيلت- جريت بسرعة هابطة السلم، مقتحمة بوابة الحديقة لأحمل في يدي حفنة من الطعام، وأجري تجاه الخروف لألقيها في صحنه سريعاً.. ولم أدْرِ بعدها ماذا حدث! فما إن رآني الخروف حتى شعر بأحاسيسي تجاهه فبدأ يدبدب في الأرض بحافره، ويثغو بصوت عالٍ، وينطح الهواء بقرنيه ثم يندفع تجاهي بقوة ليضربني في جانبي، في الوقت ذاته الذي قامت والدتي بسحبي بعيداً عنه، كما أن السلسلة المربوط بها إلى الحائط قد اعاقت حركته، فأتت الضربة بسيطة في التأثير.. ولكنها قوية بشدة بالنسبة لمشاعري كطفلة نطحها الخروف، رغم كل ما فعلت من استعدادت.. هاج المكان وماج، فوالدتي تصرخ خائفة، وأنا أبكي في الأرض، ووالدي يحاول السيطرة على الخروف الهائج بلا مبرر..! وفي النهاية تم إخراجي من "عرين" الخروف بسلام.. تعجب الجميع من سبب هياج الخروف.. فالبعض رجح أن الروائح التي وضعتُها قد أزعجته بشدة، خاصة وأن هذه الروائح لم تزُل عني طوال العيد وبعده، رغم تحميم والدتي لي، وأن الرائحة بقيت لشهور في ملابسي.. وهذا يدلل على كمية العطور الرهيبة التي استخدمتُها. والبعض رجح أن ركضي السريع باتجاه الخروف أوحى له بأنني أهاجمه؛ فقرر هو أن يهاجم أولاً، أما البعض الأخير فقال إن رائحة الأدرينالين (التي تعبر عن الخوف) كانت تنبعث مني بشدة من شدة رعبي من الخروف؛ فأدى ذلك لما حدث.. والحقيقة أن كل هذه الأسباب لا تعنيني، فقط ما اهتممتُ به، هو أن ألم الضربة في الواقع لم يكن كبيراً وأنني قمت بتضخيمه والتألم وإمساك جانبي كلما مررت أمام والدي، فيقوم وقتها بحملي وإغداق الكلمات الجميلة والتدليل عليّ.. هذا بجوار سيل من الحلوى والشيكولاتة التي أحضرها لي، وفوق كل هذا فقد أحضر لي هدييتيْن في العيد لا واحدة، وزاد "عيديتي".. والأهم من كل هذا أنني ذهبت له مرفوعة الرأس، ووقفت أمامه بكل كبرياء.. وقلت: "أنا مش قلتلك إن الخروف ده بيبصلي وحش، وإنتَ ماصدقتنيش، بعد كده لما أقولك حاجة تصدقها وتسمع الكلام". وبالطبع لم يستطع والدي أن يرد خاصة أنني أمسكت جانبي وصرخت وأنا أغادر: "أه يا جنبي ياللي ضربك الخروف!".