من المعروف أن السينما في أي بلد في العالم تُعدّ مرآة للشعب، وتعكس إلى حد كبير الأيديولوجيات والتصوّرات السائدة بشأن القضايا المهمة، حتى وإن جاء ذلك في إطار درامي غير صريح ومباشر. وبما أن إسرائيل تُعدّ من المناطق الغنية بالأحداث والتقلّبات نتيجة لوضعها غير الطبيعي وطريقة تأسيسها الشاذة؛ حيث إنها ليست دولة أقامها شعب صاحب أرض ووطن، ولكنها كما يعرف الجميع دولة أقامتها مجموعة من المهاجرين المغتصبين المدعومين بعصابات مسلحة على أرض ملك لشعب آخر تم طرده وارتكاب جرائم بشعة بحقه؛ لا تزال متواصلة إلى الآن. وبالطبع فإن أهم الأحداث التي أثّرت على إسرائيل وعلى تركيبة الشخصية الإسرائيلية وعلى الوضع العام في الدولة العبرية؛ هي الانتفاضة الأولى المعروفة ب"انتفاضة الحجارة"، والثانية المعروفة ب"انتفاضة الأقصى". لذلك سنحاول تسليط الضوء على عدد الأفلام الإسرائيلية التي تم إنتاجها بعد عام 2000 وعلى مدار عقد كامل والتي تتناول أحداثها الانتفاضة، مستندين إلى تقسيمات زمنية وأيديولوجية لتلك النوعية من الأفلام وضعتها الدكتوة "رعياه مورج" -المتخصصة في السينما- ونشرها موقع "سينماتيك" الإسرائيلي. في البداية تشير الباحثة الإسرائيلية إلى أن الأفلام الإسرائيلية التي تتحدّث عن الانتفاصة أظهرت الشخصية الإسرائيلية بصورتين: الأولى: ضحية للعمليات الفدائية الفلسطينية مثل فيلم "القتيل السابع عشر" -إنتاج 2003. الثانية: بطل يخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل فيلم "Z32" -إنتاج عام 2008. تُؤكّد "مورج" أنه لم تكن هناك فكرة واحدة مسيطرة على أفلام الانتفاضة، بل تنوّعت واختلفت من شكل لآخر بمرور الوقت، ولذلك يمكن تقسيم تلك النوعية من الأفلام وفقاً لثلاث مراحل زمنية هي: المرحلة الأولى 2003 - 2004: اهتمت خلالها السينما الإسرائيلية بعنصر الجسد، والمقصود بالجسد هنا هو الشخص أو الجسم؛ حيث إن "مورج" تصف الجسد بأنه كان بمثابة ساحة القتال الرئيسية خلال الانتفاضة؛ فالفلسطيني كان يفقد إنسانيته نتيجة تعرّض جسده للتعذيب والتنكيل على أيدي الجنود الإسرائيليين، فيُقرّر هذا الفلسطيني في مرحلة لاحقة استخدام جسده هذا كقنبلة من خلال تفخيخه ونسفه في أجساد الإسرائيليين، في المقابل تكون الضحية هي جسد شخص إسرائيلي، وكان مِن أبرز الأفلام التي تناولت هذه الفكرة فيلم "القتيل السابع عشر" الذي يتحدَّث عن قتيل سقط في إحدى العمليات الاستشهادية، ولم يتمكّن أحد من تحديد شخصيته، ويدور الفيلم حول محاولة التعرّف على هوية هذه الجثة، ويقوم الفيلم بشكل غير مباشر بكشف صورة إسرائيل الداخلية الحقيقية التي سادت في عام 2002، وفي النهاية لم يتم التوصّل إلى هوية القتيل، وتم دفنه باعتباره مجهول الهوية، وهي صورة رمزية تعكس حالة التخبّط وانعدام الهوية داخل المجتمع الإسرائيلي. ومِن سمات هذه المرحلة أيضا محاولة التعمّق في أيديولوجية الإسرائيلي كمذنب وكضحية في الوقت نفسه، ومن أبرز الأمثلة على ذلك فيلم "الحواجز" الذي أُنتج في 2003 والذي تنتهي أحداثه بتراشق كرات الثلج بين الفلسطنييين والجنود الإسرائيليين عند أحد الحواجز الشمالية لمدينة القدسالمحتلة.
فيلم "أولاد آرنا" يظهر كيف تحوّل أطفال مخيمات جنين للاجئين من فنانين إلى فدائيين المرحلة الثانية: 2004 - 2007: تعتبر هذه المرحلة مرحلة محاسبة النفس؛ حيث شهدت تراجع الاهتمام بلغة الجسد، وتم التركيز على الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في المناطق الفلسطينية، وكيف يتعايش هؤلاء الجنود ذكرياتهم المتعلّقة بتلك الأحداث؛ مثل فيلم "لنرَ إذا ما كنت مبتسمة". وتنتهي هذه الفترة بمحاولة التحرّر من الوضع القائم، وقيام الإسرائيليين بالبحث عن طرق جديدة للحياة والتعايش. المرحلة الثالثة: 2008 وما بعدها: وتعتبر فترة البحث عن الهوية المفقودة، وأبرز سمات هذه المرحلة أنها أظهرت ساحة القتال ضد الفلسطينيين كمجال تحاول المرأة الإسرائيليية إثبات نفسها وكفاءتها من خلاله، داخل المجتمع الإسرائيلي الذكوري الذي تجد المرأة فيه صعوبة شديدة في إثبات ذاتها داخله، لذلك حاولت المرأة الإسرائيلية من خلال المشاركة في القتال ضد الفلسطينيين إثبات أنها مساوية للرجل في المجتمع، ويمكنها أن تتفوّق عليه أيضا، ومن أبرز الأفلام التي تناقش هذه الفكرة فيلم "سبع دقائق في جنة عدن" وفيلم "أحجار"؛ ففي هذين الفيلمين ظهرت المرأة وهي تحاول تحرير نفسها وجسدها من سطوة المجتمع الإسرائيلي الذكوري، ثم بعد ذلك أصبح جسد المرأة يُستخدم في أفلام الانتفاضة؛ للتعبير عن الاحتلال والسيطرة، وكان هو أيضا الأرض وفلسطين وإسرائيل، وكانت دائماً تلك الأفلام تُظهر أي محاولة لتحريره بأنها تنتهي بعنف ودمار. وبشكل عام فإن أفلام هذه المرحلة -التي تناولت الانتفاضة- أظهرت وجود خوف شديد من فقدان الهوية الحالية، ورغبة في البحث عن صفح لجرائم الماضي التي ارتكبت في حق الفلسطينيين. والآن دعونا نقوم بعرض مجمل لعدد تسعة أفلام إسرائيلية تناقش أحداث الانتفاضة وتداعياتها.
1- فيلم "حواجز": فيلم إسرائيلي تم إنتاجه في عام 2003، واستمر تصويره عامين، ومدته 90 دقيقة، ويرسم صورة للأوضاع الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون على الحواجز الإسرائيلية، ونجح هذا الفيلم في جذب المشاهد، ويستشعر من يشاهده وكأنه متواجد فعلاً مع الفلسطينيين على تلك الحواجز، ونجح حتى في مفاجأة المشاهد الإسرائيلي، وحصل هذا الفيلم على جائزة "يوريس إيبناس" بمهرجان الأفلام الدولي في أمستردام. 2- فيلم "القتيل السابع عشر": فيلم من إنتاج عام 2003، مدته 75 دقيقة، يتحدّث عن شخص لقي مصرعه خلال عملية فدائية فلسطينية، ونتيجة لتشوّه الجثة لم يتم تحديد هويته؛ فيتم إجراء تحقيقات على مدار ستة أشهر للكشف عن شخصية صاحب هذه الجثة، التي كانت الجثة السابعة عشرة من ضمن قتلى العملية، ولكن في النهاية تم اعتباره مجهول الهوية ودفنه، ويُصوّر الفيلم المجتمع الإسرائيلي على أنه مجتمع يعيش في ظلال الموت الذي يتعرّض له في كل لحظة نتيجة المقاومة الفلسطينية والانتفاضة، ولكن في الوقت نفسه لم يوجه الفيلم أصابع الاتهام إلى أي طرف من الطرفين.
3- فيلم "أولاد آرنا": فيلم إنتاج إسرائيلي هولندي مشترك تم إنتاجه في عام 2003، وهو فيلم وثائقي مدته 84 دقيقة، ويُظهر كيف تحوّل الأطفال الفلسطينيون في مخيم جنين للاجئين من فنانين إلى فدائيين ومشاركين في الانتفاضة، من خلال تجربة شخصية عايشها مخرج الفيلم "جولياني مار- خميس". حيث كانت السيدة الإسرائيلية "آرنا مار- خميس" -والدة مخرج الفيلم- قد قامت بتأسيس فرقة مسرحية في مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية –أثناء الانتفاضة الأولى- يسمى "مسرح الحجر" في إطار منظومة تعليمية بديلة أقامتها في مخيم جنين للاجئين، في أعقاب انهيار منظومة التعليم الرسمي؛ نتيجة للاحتلال الإسرائيلي للضفة، وكان "جولاني" قد رافق والدته في هذه المهمة، وأصبح مخرج الفرقة المسرحية التي ضمّت أطفال المخيم، وقام "جولياني" بتسجيل كل ما عايشه هناك بالكاميرا الخاصة به، ولكن بعد وفاة والدته تم إغلاق المسرح.
وبعد مرور ثماني سنوات احتلّ الجيش الإسرائيلي مخيم جنين مرة أخرى، وبعد عدة أيام قام الجيش الإسرائيلي برفع الحصار عن المخيم، فتوجّه "جولياني" إلى هناك بالكاميرا الخاصة به، وفوجئ بأن ثلاثة من الأطفال الذين كانوا يمثّلون في مسرح والدته –والذين أصبحوا شباباً- أحدهم "يوسف" نفّذ عملية استشهادية في عام 2001 في مدينة الخضيرة شمالي إسرائيلي، والثاني "أشرف" لقي مصرعه على يد القوات الإسرائيلية خلال قتال وقع في المخيم، الثالث هو "علاء" أصبح قائد كتائب شهداء الأقصى في المخيم، إلى أن لقي مصرعه في نوفمبر 2002 وهؤلاء الثلاثة هم الذين وصفهم المخرج ب"أولاد آرنا"، ويدور الفيلم باللغة العربية.
فيلم "ديستوريشن" يتناول الأحداث التي تعرض لها المجتمع الإسرائيلي في ظل الانتفاضة 4- فيلم "ديستوريشن": فيلم مدته 103 دقائق يتناول الأحداث اليومية التي تعرض لها المجتمع الإسرائيلي في ظل الانتفاضة من خلال قصة كاتب مسرحي طُلب منه كتابة مسرحية إلا أنه فشل في كتابة أي كلمة بسبب حالته النفسية. الفيلم إنتاج عام 2004. 5- فيلم "أحجار": فيلم من إنتاج عام 2004 مدته 110 دقائق يدور حول سيدة إسرائيلية شابة في الثلاثينيات من عمرها تسمى "ميكال" متزوجة ولديها طفل، وتعمل في مكتب والدها في تل أبيب، وهو مراجع حسابات يعمل لصالح عدد من المؤسسات الدينية. و"ميكال" تقسّم وقتها بين رعاية طفلها وزوجها، وعملها، وقصة الحب التي تربطها بشخص آخر، ولكن هذا الرجل يلقى مصرعه في عملية قام بها فدائي فلسطيني، وحينها تنهار حياة "ميكال" تماماً وتصبح حطاماً. 6- فيلم "أيام باردة": فيلم من إنتاج عام 2005 مدته 90 دقيقة، يدور حول الفتاة "مياو" التي تقضي لياليها في الملاهي الليلية، والتسكع في الشوارع، ثم تتوجه إلى أي شقة خالية لتبيت فيها، بينما تقضي نهارها في الدخول على مواقع الدردشة في إنترنت كافيه، وذات ليلة سُرقت دراجتها البخارية، ولم تجد شقة خالية تبيت فيها، فاتصلت ب"ألكيس" وهو شخص كانت قد تعرّفت به من خلال مواقع الدردشة، واتفقا على الالتقاء في أحد الملاهي الليلية، ولكن هذا اللقاء لم يتم؛ لأنه قبل وصولها إلى المكان وقعت عملية فدائية، فأصيب "أليكس" الذي كان في انتظارها ورقد في المستشفى في غيبوبة طويلة، وحينها انتقلت "مياو" إلى شقة "أليكس" الخالية، وأقامت بها، وحتى لا يعترضها أحد تقمّصت شخصيته، فأخذت ترتدي ملابسه وتقوم بعمله، وحينها دخلت في أزمة هوية كبيرة ووجدت نفسها في وضع خطير.