تحدّثنا في الحلقة الماضية عن أسعد 6 ساعات في تاريخ الشعب المصري والشعب العربي بصفة عامة، وهي تلك الساعات التي رفعنا فيها العلم المصري لأول مرة منذ 6 سنوات على ضفة قناة السويس، وكنا قد ذكرنا أن من المكاسب ال6 التي حققتها القوات المسلّحة؛ كان تدمير بطاريات صواريخ الهوك الخاصة بالعدو، وعن هذا الإنجاز بالتحديد نروي قصة استشهاد النقيب الطيار "عاطف السادات"، شقيق الرئيس الراحل أنور السادات. التفاصيل الحقيقية لاستشهاد هذا البطل يرويها شخص عادي جداً يُدعى "عمرو مصطفى" على لسان طبيب يعمل بمستشفى جامعة "جورج تاون"، وكان مجنداً بالقوات الجوية الإسرائيلية في مطار "المليز" بشرم الشيخ؛ التقاه "عمرو" في قسم الطوارئ بالمستشفى، بعد أن نقلته سيارة الإسعاف إثر حادث سيارة تعرّض له هو وصديق مصري؛ بسبب عاصفة ثلجية شديدة؛ حكى "عمرو" قائلاً: كنت بصحبة مديري في العمل متّجهين لحضور اجتماع مهم؛ عندما تعرّضنا لحادث سير نتيجة سوء الأحوال الجوية والعاصفة الثلجية الشديدة، تمّ نقلنا إلى مستشفى الجامعة "جورج تاون"، وفي غرفة الطوارئ دفعتهم إصابتي لاستدعاء أستاذ جراحة العيون على الفور، وهو الدكتور "آيرون هارون بن شتاين" الذي ظلّ يُقلّب في التقارير الطبية، ثم سألني: - لستَ أمريكياً.. من أي بلد أنت؟ - قلت: مصر - فردّ قائلاً: يا إلهي صدفة عجيبة، لقد عشت أجمل أربع سنوات من عمري في مصر. - فقلت له فرحاً: حقاً؟ أين ومتى؟ - فقال: في شرم الشيخ من العام 1972 وحتى 1976 فأدركت أنه إسرائيلي، وقلت مبتسماً: نعم إنها صدفة؛ وخاصة أن أبي كان ضابطاً بالجيش المصري وشارك في حرب أكتوبر. فابتسم والغيظ يملأ وجهه.. وسألته أين كان يوم السادس من أكتوبر؟ - قال: كنت وقتها في العشرين من العمر أؤدي خدمتي في مطار "المليز" بشرم الشيخ مجنداً بالقوات الجوية الإسرائيلية، وأغلب الجنود والضباط كانوا في إجازة عيد يوم الغفران؛ حيث شهدتُ مصرع الطيار "عاطف السادات". فتشوّقت وقلت له: من فضلك احكِ ما حدث. - قال: كان يوماً هادئاً، وكنا حوالي عشرين شخصاً فقط، وفي تمام الثانية والربع ظُهراً، فوجئنا بطائرتين مصريّتين حربيتين ربما "سوخوي" أو "ميج"؛ فالطيار الأول أخذ يدمّر ممرات المطار ويطلق صواريخه على حظائر الطائرات، أما الثاني؛ فأخذ يصوّب صواريخه على صواريخ الدفاع الجوي "سكاي هوك" التي شُلّت تماماً. سقطت طائرة الشهيد بعد نجاحه في القضاء على بطاريات الصواريخ وشلّ الحركة بالمطار أتمّ الطيار الأول مهمته، وانسحب على الفور؛ أما الطيار الثاني لم ينسحب لصعوبة مهمته؛ ولأننا في إسرائيل مدربون على كافة أنواع الأسلحة.. صعدتُ مع زميل لي على مدفع أوتوماتيكي مضاد للطائرات؛ لإرغامه للارتفاع بطائرته إلى المدى الذي يمكن لصواريخنا المتبقية إصابته قبل أن يجهز عليها. وإذا به يطير باتجاهنا وجهاً لوجه، ويطلق علينا رصاصات من مدفع طائرته، أصابت زميلي إصابات بالغة؛ لكن ما أدهشني هو قدرته غير العادية على المناورة وتلافي رصاصات مدفعنا؛ لدرجة ظننْت معها أنه طيار أَجير من بلد أوروبي.. لا يمكن أن يكون هذا هو مستوى الطيارين المصريين. وأثناء قيامه بالدورة الثانية وجدنا أن هناك فُرصاً عديدة لاصطياده أثناء دورانه، في الدورة الثالثة والأخيرة؛ أصابه زميلي بصاروخ محمول على الأكتاف كنا قد تسلّمناه حديثاً من الولاياتالمتحدة، لقد أسقطناه بعد ما قضى تماماً على جميع بطاريات الصواريخ، ودعم زميله في شلّ الحركة بالمطار وتشويهه. أدركنا أنها حرب عربية؛ فالسوريون يتجوّلون في الجولان، والمصريون أسقطوا خطّ بارليف، واستولوا على أحصن نقاطه؛ بينما الصدمة الحقيقية لنا، كانت عندما عرفنا بأن الطيار الذي دُمّر داخل طائرته هو "عاطف السادات" الشقيق الأصغر للرئيس أنور السادات، وازداد الرعب في قلوبنا؛ خوفاً من تضاعف العقاب على إسرائيل من قِبَل الرئيس السادات انتقاماً لمقتل أخيه؛ خاصة وأن القيادة الإسرائيلية مرتبكة، والاتصالات شُلّت تماماً، وعندما عادت الاتصالات للعمل اتصلنا بالقيادة في تلّ أبيب؛ لإيجاد حل؛ لكن لم نسمع منهم سوى جملة واحدة، وهي "لا نعرف، لا توجد معلومات متاحة، ابقَ مكانك حتى إشعار آخر". وأضاف "بن شتاين" أنه عندما حضر الصليب الأحمر لاستلام جثمانه المتفحم، أدّيت أنا وزملائي التحية العسكرية له نظراً لشجاعته التي لم ولن نرى مثلها قط. رحمة الله عليه، كان إنساناً متواضعاً، لا يحب أن يكون في دائرة الضوء سواء كان حياً أو شهيداً، على الرغم من أنه شخصية مهمة؛ باعتباره شقيق الرئيس السادات؛ إلا أنه لم يُوَفّ حقه. وفي الحلقة القادمة نتعرف على شخص اعتاد الصيد؛ ولكن ليس صيد العصافير؛ بل صيد الدبابات.. إنه صائد دبابات العدو الذي أفقدها صوابها. فتابعونا،،، شكر واجب لموقع "المؤرخ" الذي استقينا من خلاله هذه المادة. إضغط لمشاهدة الفيديو: