يعدّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أهم القضايا التي تهمّ صناع القرار والأكاديميين ووسائل الإعلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومثلما يهتم السياسيون الأمريكيون برعاية مفاوضات تسوية الصراع بين الجانبين، تهتمّ الصحف الأمريكية بنشر آراء مختلفة حول كيفية التوصّل لهذه التسوية. في هذا الإطار نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالا ل"تشارلز كابتشان" -أستاذ الشئون الدولية في جامعة جورج تاون- بتاريخ 15 سبتمبر 2010 يقدّم من خلاله تصورا عن الحل الأمثل للمشكلات المثيرة للخلاف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وجاء المقال بعنوان "على الفلسطينيين أن يقولوا نعم". يبدأ المقال بالإشارة إلى أنه مع انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات بين الجانبين، فهناك حاجة لأن يقوم أحد طرفي الصراع بخطوة جريئة لمنع وصول المحادثات مرة أخرى إلى طريق مسدود، ويرى المقال أنه في ضوء حقيقة أن إسرائيل تمتلك كل كروت الضغط تقريبا؛ أي تسيطر على أرض، والأسلحة، والثروة، والمياه، فيجب على الفلسطينيين اتخاذ خطوة جريئة، وتتمثل هذه الخطوة في رأي كاتب المقال في القبول بما يمكّنهم الحصول عليه، وليس ما يريدون الحصول عليه. أي أنه يجب على السلطة الفلسطينية أن تقدّم لإسرائيل عرضا لا يمكنها أن ترفضه، وذلك بأن تعلن السلطة الفلسطينية على الملأ أنها مستعدة لقبول الخطوط العريضة للصفقة التي تعرضها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وهو ما يعني أنه ينبغي للسلطة الفلسطينية قبول وجود المستوطنات اليهودية الكبرى في الضفة الغربية بهدف تبادل للأراضي في إسرائيل، كما ينبغي أن تتخلى عن حق العودة بالنسبة لمعظم اللاجئين الفلسطينيين وقبول مبدأ التعويض النقدي بدلا منه؛ كما ينبغي أن تقبل نزع سلاح الدولة الفلسطينية من أجل ضمان أمن إسرائيل، ويجب أن تهدف السلطة الفلسطينية إلى أن تكون عاصمتها في القدسالشرقية العربية. وباعتراف المقال يبدو أنه من الحماقة أن تقبل السلطة الفلسطينية بكل الشروط الإسرائيلية، لكن المقال يؤكّد أن القادة الفلسطينيين ليست لديهم خيارات تُذكَر، فإما أن تُقام الدولة الفلسطينية وفق هذه الشروط، أو لا تُقام على الإطلاق. ويدلّل المقال على صحة هذا الرأي بالإشارة إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض لا يتمتّعان بتأييد شعبي قوي، وعليه فإنهم لن يخشوا أن يؤدي تقديم تنازلات لإسرائيل لإثارة ردود فعل شعبية ضدهم، كما أن وصول معدّل النمو الاقتصادي إلى 7% العام الماضي، وإنشاء عدد من مراكز التسوّق ودور السينما في المدن الفلسطينيّة يمكن أن يمنح "عباس" و"فياض" المصداقية للقيام بهذه الخطوة، خاصة إذا كان العائد المترتّب عليها هو إقامة الدولة الفلسطينية. وعلى الجانب الإسرائيلي يرى المقال أن مثل هذا العرض الفلسطيني "الشجاع"، سيؤدّي إلى فضح الحكومة الإسرائيلية التي لا يزال التزامها بالتوصّل إلى تسوية غير مؤكّد، ويعترف المقال بأن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبعد ما تكون عن قبول أي نتائج تؤدّي لانسحاب إسرائيل من معظم أراضي الضفة الغربية. ولكن في ظل حقيقة أن ما يزيد على ثلثي الناخبين الإسرائيليين يقبلون حلّ الدولتين، فإن نتنياهو سيواجه ضغوطا شعبية هائلة، مما سيؤدّي على الأرجح لانهيار حكومته الحالية، ويدفعه إلى تشكيل تحالف آخر (غالبا مع حزب كاديما)، يكون أكثر اعتدالا وأكثر تقبّلا لمبدأ "الأرض مقابل السلام". كما يرى المقال أن القبول الفلسطيني بهذه الشروط سوف يؤدّي إلى ضمان وجود ضغط أمريكي مستمرّ وثابت على إسرائيل لإبرام اتفاق تسوية، ووفق المقال فكلما أثبتت السلطة الفلسطينية أنها شريك موثوق به وعلى استعداد للدخول في المفاوضات، سيكون من السهل على الرئيس الأمريكي باراك أوباما ممارسة الضغط على نتنياهو، وعلى الرغم من أن أوباما لا يتمتع بشعبية في إسرائيل، فإن الإسرائيليين يدركون أن عزلة بلادهم في تزايُد، وأن الدعم الأمريكي المادي والمعنوي أمر بالغ الأهمية لبلادهم. كما يشير المقال إلى أن قادة إسرائيل سيكون بمقدورهم اتخاذ قرارات صعبة، وتبريرها أمام الرأي العام بأنها ضرورة للحفاظ على العلاقة التحالفية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، فعلى سبيل المثال، سيكون نقل عشرات الآلاف من اليهود من منازلهم في مستوطنات الضفة الغربية (في حالة إقامة الدولة الفلسطينية) أمرا صعبا ومثيرا للانقسام، إلا أن وجود ضغوط أمريكية سوف يمنح قادة إسرائيل فرصة لتبرير ذلك بضرورة تجنب إثارة خلاف مع الولاياتالمتحدة. ويحذّر المقال من أن مثل هذا التحرّك السريع نحو التسوية النهائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سيترك غزة التي تسيطر عليها "حماس" خارج الصورة، إلا أن هذا التحرّك بما قد يترتّب عليه من مزايا واضحة، مثل إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية قد يؤدي إلى إقناع "حماس" بالسعي للحصول على اتفاق مماثل من أجل غزة، وإن لم يحدث ذلك فمن المرجّح أن يتخلى سكان قطاع غزة عن "حماس"، ويبدوا استعدادهم للانضمام إلى الضفة الغربية تحت علم دولة فلسطينية.