رغم مرور 37 عاماً على حرب أكتوبر 1973 التي حقّق فيها أبطال الجيش المصري نصراً تاريخياً على إسرائيل، فإن الآثار النفسية لهذه الحرب لا تزال تسيطر على الإسرائيليين بمختلف أطيافهم، الأمر الذي دفع العديد منهم إلى محاولة التغلّب على مشاعر الإحباط وعدم الثقة بالنفس التي انتابتهم نتيجة لهذه الحرب، بمحاولة قلب الحقائق والادّعاء كذباً بأن إسرائيل هي التي خرجت منتصرة من هذه الحرب، على الرغم من كل ما حدث لها. لذا سنقوم هنا باستعراض وجهة نظر أحد المحللين الإسرائيليين البارزين، وهو البروفيسور "إيل زيسر"، في مقاله الذي نشره مؤخّرا موقع "نعنيع" الإسرائيلي. يشير المحلل الإسرائيلي إلى أن عيد الغفران اليهودي الذي تحتفل به إسرائيل هذه الأيام يذكّره من حيث التوقيت بعيد الغفران عام 1973؛ بسبب أن كليهما يوافق يوم السبت، ولكن من الناحية العملية فإن الواقع بين الاثنين مختلف تماماً. فهو يقول إنه على الرغم من الفشل الاستخباراتي لإسرائيل التي لم تكن تتوقع نشوب حرب في ذلك التوقيت، ولم تصدّق التقارير التي أشارت إلى ذلك؛ بسبب استهتارها واستهانتها بالجيشين المصري والسوري، بالإضافة إلى الثقة الزائدة في النفس، وهو الأمر الذي دفعت إسرائيل ثمنه غالياً من دماء جنودها الذين تساقطوا بالآلاف ما بين قتيل وجريح على يد القوات المصرية، فإنه رغم ذلك يدّعي أن هذه الحرب تُعدّ بالنسبة للدولة العبرية إنجازاً لم يسبق له مثيل، حيث يزعم أن إسرائيل نجحت في هذه الحرب في الوصول إلى وضع حاسم أمام أعدائها! ويشير "إيل زيسر" إلى أن إسرائيل منذ ذلك الحين لم تتمكّن من إعادة الإنجازات التي حقّقتها في حرب 1973 –حسب زعمه- فإسرائيل على مدار الحروب التي خاضتها فيما بعد لم تتمكّن من تحقيق الحسم، فمثلاً نجد أن حرب لبنان الأولى التي تمكّن الجيش الإسرائيلي في بدايتها من الوصول حتى العاصمة بيروت، انتهت بانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان المدمّرة والمُهدّمة، دون أن يحقّق أهدافه من هذه الحرب، ونفس الأمر ينطبق على حرب لبنان الثانية. أما بالنسبة للإنجازات التي يدّعي المحلل الإسرائيلي أن بلاده حققتها في حرب أكتوبر، فتتمثل من وجهة نظره في أن إسرائيل تمكّنت من إنهاء التهديد القائم الذي كانت تمثّله الجيوش العربية النظامية على إسرائيل؛ فمصر وقّعت اتفاقية السلام مع إسرائيل، والجبهة السورية تشهد استقراراً وهدوءًا على مدار أربعة عقود. وبعد زوال هذين الخطرين من على إسرائيل ظهر أمام تلك الدولة سلسلة من التصريحات الأخرى، أهمها المقاومتان الفلسطينية واللبنانية اللتان لم يتمكّن الجيش الإسرائيلي من التصدي لهما ومواجهتهما، على الرغم من المواجهات والاحتكاكات العديدة التي نشبت، ويرى "زيسر" أن هذا الفشل الحالي ليس ناتجاً عن ضعف الجيش الإسرائيلي الذي يصفه بأن القادة الإسرائيليين في عام 1973 لم يكونوا يحلمون بما وصل إليه الآن، ولكن هذا الفشل نابع من طبيعة المجتمع الإسرائيلي نفسه، الذي يرى أنه أصبح أقل إيجابية وأكثر حساسية. الدروس التي يجب أن تتعلّمها إسرائيل من حرب أكتوبر: أولاً: يواصل الكاتب الإسرائيلي قلبه للحقائق؛ من خلال قوله إنه على الرغم من الذكريات الأليمة التي تحملها الذاكرة الإسرائيلية من حرب 1973، فإن هذه الحرب دليل –وفقاً لزعمه- على قوة ومناعة إسرائيل وجيشها. ثانياً: يرى أن إسرائيل يجب عليها أن تتعلم من حرب أكتوبر العمل على منع نشوب مزيد من الحروب؛ لأن هذا الأمر سيحول -دون الحاجة- إلى وجود منتصر ومهزوم، ويدّعي أنه كان يمكن لإسرائيل منع نشوب حرب 1973 بالقنوات السياسية، مما سيمكّن من العمل على إحلال السلام.