صدّق عادل إمام أنه "زعيم" حقاً؛ فراح يُفتي في أمور الحاضر والمستقبل، وصدّق الصحفيون بدورهم أنه "زعيم" فأمطروه بالأسئلة حول قضايا الساعة وخيارات التغيير. ولا أعرف أيهما أكبر خطأ من الآخر؛ لكني أعتبر أن الاثنين مخطئان يقيناً، وأميل إلى تخطئة الصحفيين؛ لأن الرجل لم يتطوع بالخوض في أمور ليس ضالعاً ولا ناشطاً فيها؛ وإنما يجيب عن أسئلة وُجّهت إليه؛ بمعنى أن الذي سأله هو الذي وجهه واستنطقه وورّطه. كان ذلك انطباعي حين تابعت الحوار الذي أجرته صحيفة "المصري اليوم" مع عادل إمام، ومن قبله الحوار الذي أجرته مع السيدة فاتن حمامة التي هي بدورها زعيمة في مجالها، وإن ظلّت زعامتها مختزنة في قلوب الناس ولم تستثمرها إعلامياً. في الحوارين استغربت نوعية الأسئلة التي أُلقيت عليهما في القضايا العامة؛ خصوصاً في الأمور السياسية، وخطر لي أن أسجّل تحفّظاً على توريط "الزعيمين" في هذه الأمور، وتحويل الحوار إلى ما يشبه ثرثرة المقاهي؛ في حين أن كلاً منهما يمثل كنزاً كبيراً في حياتنا الفنية، ومرجعاً يستطيع أن يقول كلاماً مشبعاً ومفيداً ومنيراً للقارئ في مجاله.. لكني أحجمت عن ذلك حتى لا يُساء فهم كلامي، ويُدرجه البعض ضمن المشاحنات التي تحدث بين الحين والآخر بين صحفيي "المصري اليوم" و"الشروق"؛ علما بأن هذا التوريط لا تنفرد به "المصري اليوم"؛ لكنه شائع في محيطنا الإعلامي الذي بات يبيع بالنجوم ويستثمر نجوميتهم إلى أبعد مدى. ولسبب لم أفهمه، لاحظت أنهم جميعاً جاهزون للكلام في أية قضية؛ خصوصاً في مديح الحكومة وهجاء معارضيها.. مع أنهم في غنى عن ذلك؛ إلا إذا كانت لبعضهم مصالح في ذلك. رفع عني الحرج الدكتور حسن نافعة -فيما كتبه يوم الخميس الماضي 27 يوينه- منتقداً الشق السياسي في الحوار الذي أُجريَ مع عادل إمام، والطريقة التي أُخرج بها، ووصفه بأنه "سقطة مهنية بأكثر منه خبطة صحفية".. وهو تعبير صريح ودقيق أتفق معه تماماً، وبقدر ما كان موفّقاً في نقده للحوار؛ فإن موقف الصحيفة كان مقدّراً، حين احتملت نقده وأبرزته في عناوين صفحتها الأولى، وأتمنى أن يعي هذه الملاحظة الصحفيون والمحاورون في البرامج التليفزيونية؛ حين يتحدثون إلى المراجع المعتبرة في عوالم الفن والثقافة والرياضة؛ فيميّزون بين الحوار الذي يُضيف إلى معارف المتلقي وينير عقله، وبين الثرثرة التي تتطرق إلى كل شيء ولا تضيف شيئاً، وتُعنى بالإثارة بأكثر مما تُعنى بالتنوير والإضافة. قبل عدة سنوات أصدر الدكتور عبد الرحمن بدوي -أستاذ أساتذة الفلسفة- مذكراته التي هاجم فيها كثيرين بصورة قاسية وجارحة أحياناً، ولأن مقام الرجل عالٍ وشامخ في مجاله؛ فإنني أشفقت على صورته لدى من لا يعرفونه؛ فكتبت حينذاك داعياً إلى تقييم الرجل استناداً إلى إبداعه الحقيقي وعطائه الكبير في عالم الفلسفة، وليس اتكاء على شهادته التي قد تدفع إلى إساءة الظن به وتصوّره على نحو؛ أحسب أنه لم يكن يرضى به لا هو ولا تلاميذه ومحبّوه.. وضربت مثلاً بالموسيقار محمد عبد الوهاب -الذي مُنح لقب دكتور!- والأستاذ نجيب محفوظ والدكتور لويس عوض، وغيرهم من المبدعين الذين أثروا حياتنا الثقافية والفنية.. وقلت إن كلاً منهم يستطيع أن يقول الكثير في مجال إبداعه ومرجعيته في الموسيقى أو الأدب أو النقد؛ لكن شهادتهم لا يُعتدّ بها في غير تلك المجالات، بل قد تكون خصماً من رصيدهم، والحالة الوحيدة التي يمكن أن تُقبل فيها شهاداتهم في القضايا العامة هي أن يكونوا مشتغلين أو مشاركين في الأنشطة المتعلّقة بها. فحين يكون الأديب أو الفنان من الناشطين مثلاً في مجالات العمل السياسي أو الدفاع عن حقوق الإنسان؛ فإن ذلك يوفّر له خلفية تؤهّله لأن يُدلي بآرائه فيها؛ أما حين يكون مشغولاً فقط بإبداعه الفني أو الثقافي؛ فإن حديثه عن المجال العام يصبح ثرثرة لا قيمة لها، إذا أحسنّا به الظن، وقد يدخل في باب النفاق السياسي إذا أسأنا الظن به. وفي الحالتين؛ فالكلام يسحب من رصيده ولا يضيف إليه، وقد يحقق للجريدة بعض الرواج العارض؛ ولكن ذلك يكون على حساب حظّها من التقدير والاحترام. عن الشروق بتاريخ 28 يونيو 2010