يوما تلو الآخر نسمع ونرى مناورات إسرائيلية مختلفة، تارة في الجنوب الفلسطيني المحتل، وتارة في الشمال، وتارة ثالثة في القدس... فما هي حكاية ومغزى هذه التدريبات المكثفة وأهميتها ومردودها ورد فعلها لدى الشارع الإسرائيلي؟! ثمة أسئلة تفرض نفسها بقوة على الساحة الداخلية لإسرائيل، فلم يكد يمر أسبوع واحد وربما أقل؛ إلا ونسمع ونقرأ عن إجراء الجيش الإسرائيلي لمناورة جديدة، برية، أو بحرية، أو جوية، أو حتى شرطية، وتحديداً منذ أن تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في الأول من أبريل الماضي، وحديثه المتواصل عن أمن إسرائيل وعودته وحفاظه على قوة الردع للجيش الإسرائيلي!
وغالبا ما تعلن إسرائيل عن إجراء مناورات عسكرية بعد القيام بها بالفعل؛ فعلى سبيل المثال المناورات واسعة النطاق التي أجراها سلاح الجو فوق جبل طارق في يونيو الماضي، وكذا التدريبات البحرية والبرية في اليونان في يوليو الماضي، ما هي إلا أمثلة صغيرة على هذه المناورات العسكرية المتواصلة دون كلل، أو ملل، أو تعب، وأخريات هذه المناورات ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية من تدريبات على مكافحة الشغب والإرهاب والإضرار بالمباني العامة في صحراء النقب الأسبوع الجاري وكذا المناورات التي تجريها الشرطة نفسها في مدينة القدس للتدريب على سيناريو اختطاف جنود إسرائيليين!
بيد أن مناورات أخرى مهمة وخطيرة، وواسعة النطاق قد جرت الأسبوع الماضي في المنطقة الشمالية، ولم تعلن عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية إلا بعد انتهائها مباشرة؛ حيث قالت القناة الثانية الإسرائيلية في العاشر من الشهر الجاري أن الجيش الإسرائيلي أنهى في -التاسع من الشهر نفسه- مناورات متعددة الأغراض اشتركت فيها أسلحة مختلفة من البحر والبر والجو، بحضور وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الأركان الجنرال جابي إشكنازي؛ مؤكدة أن القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي أنهت في التاسع من الشهر الجاري مناورات متعددة الأذرع أو الأغراض امتدت لمدة أربعة أيام كاملة اشتركت وتعاونت فيها قيادات الأسلحة البرية، والبحرية، والجوية للتدريب على عدوان بري وجوي واسع على لبنان.
وفي حال قيام حزب الله بعمليات ناجحة تستهدف الإسرائيليين في الخارج، أو لردع الجبهة الشمالية أمام الجانبين اللبناني والسوري؛ حيث يقوم التدريب على أساس سيناريو مطروح للجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربة جوية واسعة النطاق، يعقبها اقتحام بري للأراضي اللبنانية، واحتمال تدخل سوريا في الحرب وبعدها تدخل حركة حماس في الجنوب في الحرب أيضاً، وبالتالي فإن هذه المناورات جرت للتدريب على الحرب على ثلاث جبهات في الشمال والجنوب.
من جانبه، قال باراك: إنه يأمل أن يتحقق في العام القادم قوة الردع للجيش الإسرائيلي والمحافظة على الهدوء في المنطقة الشمالية والحدود مع لبنان، وأن هذه المناورات هي تعبير واضح عن مدى قوة حزب الله وتعمقه في الجنوب اللبناني، وسيطرته الكاملة على مجريات الأمور فيه، وعلى احتمال اندلاع أي حرب مع الحزب؛ وذلك في وقت شاركت فيه قوات احتياط كاملة من جنود وضباط من كافة الأسلحة بالجيش الإسرائيلي أثناء المناورات، في محاولة لدمج التعاون بين القوات النظامية والاحتياطية وعلى وجود قيادة واحدة لهما، مع التدريب على منظومات الاستخبارات والإمداد أثناء الحرب؛ حيث اعتبرت القناة أن الجيش الإسرائيلي حاول تطبيق دروس وعبر الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان صيف 2006، وعملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة نهاية العام الماضي.
وباشتراك الجنرال إشكنازي في المناورات، أفادت صحيفة يديعوت إحرونوت الإسرائيلية الاثنين الماضي، الموافق الرابع عشر من الشهر الجاري، أن رئيس الأركان أوضح أن التدريب على مواجهة حزب الله وسوريا وحماس هو جزء من مناورات وتدريبات الجيش الإسرائيلي لمواجهة التحديات على الجبهة الشمالية لبلاده؛ فيما قال الجنرال جرشون هكوهين قائد الكليات العسكرية، والذي قاد المناورة الأخيرة بأن هذه المناورة هي الثالثة من نوعها التي يجريها الجيش الإسرائيلي ضمن سلسلة مناورات منذ عام 2006 في الجبهة الشمالية؛ حيث اشتركت وتعاونت كافة المنظومات الدفاعية والجوية والبرية والبحرية، مع تفعيل الشراكة والتعاون بين رئاسة الأركان والجبهة الشمالية والاستخبارات، مع الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي قد أجرى مناورة لنشر بطاريات صواريخ جيتس المتنقلة وبشكل طارئ، ضمن الاستعدادات الكاملة للمناورة الكبرى مع الجيش الأمريكي لمواجهة الصواريخ السورية والإيرانية، وهي المناورة التي من المقرر أن تجرى في الشهر القادم بعيد الانتهاء من موسم الأعياد اليهودية والذي يحل الأيام القليلة القادمة.
وفي الأول من يناير من العام القادم ستقوم إسرائيل بإجراء مناورات على نشر ونثر الأسلحة البيولوجية والكيماوية وكيفية مواجهتها والتصدي لها، والتدريب على إخلاء مدينة كاملة في حال نشر هذه الأسلحة عليها، وهي الإشارة التي سبق وأن نشرتها صحيفة معاريف العبرية قبل أسبوع، لترتفع وتيرة المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية لكافة الأسلحة وعلى كافة الجبهات والجهات ولكافة التخصصات، وهو ما يعني أن الجيش الإسرائيلي يحاول استرداد قوة الردع لدى الداخل الإسرائيلي في المقام الأول، ولدى الأطراف العربية أيضا!