العالم مليء بالشخصيات، ملايين البشر مرّوا بالأرض على مدى ملايين السنين؛ ولكنّ عدداً قليلاً منهم هو مَن ترك بصمة ما يخلّد بها ذكره عبر التاريخ، قد تكون بصمة إيجابية، وقد تكون سلبية، ولكنها في النهاية مؤثّرة.. لذا هنا سنقوم بإلقاء الضوء على هذه القلّة مِن البشر، سنتجوّل في رحلات دورية معهم وفي حياتهم لنعرفهم أكثر عن قرب.. لعلّنا نستفيد من تجارب وحيوات هؤلاء البشر. في قائمة الممنوع من العرض ستجد أفلاماً، مقاطع فيديو ساخنة، خطباً سياسية جريئة، مَشاهد عنف لرجال الشرطة في مصر تجاه المواطنين، وستجد أيضاً حمدي قنديل رغم أنه ببرنامجه وآرائه لا ينتمي للنماذج السابقة، ولكن شاء قدره أن يضع التليفزيون المصري ثم التليفزيونات العربية اسمه على رأس قائمة الممنوع من العرض.
فلا يلبث أن يبدأ حتى يأتي له الأمر بكتابة سطور النهاية، هكذا حتى لم يعد قادراً على الظهور إلا ضيفاً على برامج تمتلك الأوراق في يد ومقص الرقيب في اليد الأخرى.. حياة حمدي قنديل شريط سينما دعنا نستعرض بعض مشاهده.. الطفل حمدي قنديل يهاجم الملك فاروق حمدي قنديل الطفل من مواليد القاهرة، ولكنه ينتمي لعائلة متوسّطة تنتمي لأصول ريفية، وبالتحديد من محافظة المنوفية، وهو الأخ الأكبر لأربع إخوة آخرين ولدين وبنتين، ورغم فرق السن الكبير بين والده ووالدته فإن حياتهم كانت هادئة..
وفي المدرسة وبالتحديد في عام 1946 بدأ ميله للصحافة، ووقتها كان يُصدر جمال بدوي -المؤرخ بعد ذلك- مجلة اسمها "الفجر"، وكان يطبعها بطريقة بدائية جداً، وكتب فيها حمدي قنديل سطرين ولكنها كانت البداية. بعدها عمل في مجلة كانت تصدر في طنطا اسمها "الإخلاص"، والتي شهدت نقطة تحوّل في حياة قنديل، فكان هناك استجواب ضد الحكومة مقدّم من المحامي المشهور مصطفى بك مرعي النائب في مجلس الشعب عن صرف مليون جنيه لترميم اليخت المحروسة.
وانفعل بالاستجواب وكتب مقالاً، ولكنه لم يتمكّن من تقديمه مباشرة لرئيس التحرير وصاحب المجلة، فذهب إلى المطبعة ودسّ المقال وسط مادة الصحيفة الجاهزة للطبع، وفي اليوم التالي فوجئ رئيس التحرير بمقال قنديل الذي يُهاجِم فيه الملك ويتهمه بصرف مليون جنيه لترميم يخته المحروسة، وكانت أزمة.
15 جنيه هو أول مرتب حصل عليه قنديل
صادر المسئولون مجلة الجامعة فعمل في أخبار اليوم كان "قنديل" طالباً متفوقاً والطالب المتفوّق في ذلك الوقت لا بد أن يلتحق بكلية الطب، فالتحق بطب قصر العيني عام 1953، وفي الفرقة الثانية زاد اهتمامه بالسياسة والصحافة معاً.
ووصل إلى أن أصبح مدير تحرير مجلة الجامعة التي كانت تُطبع في دار أخبار اليوم، وكان يمر عليهم كل يوم مصطفى وعلي أمين وهما في الطريق إلى مكاتبهم، وبعد طباعة العدد الأول من المجلة صدرت رغم أنها كانت تحت إشراف الأساتذة، وقبل ما تصادر عرض عليه مصطفى أمين أن يعمل في أخبار اليوم، ودُهش حمدي قنديل من العرض.
وبعد نجاحه في الفرقة الثانية توجّه لمصطفى أمين الذي عيّنه في مجلة آخر ساعة بمرتب 15 جنيهاً، وسريعاً أصبح مسئولاً عن صفحات المجتمع، وبالطبع هذا أثّر على دراسته للطب فلم يكن أمامه إلا أن يتخلّى عن دراسة الطب وتفرّغ للصحافة بشكل نهائي. عند "قنديل".. الرئيس عبد الناصر في نهاية النشرة وفي الستينيات وفي بدايات ظهور التليفزيون ترك قنديل صاحبة الجلالة ليعمل في التليفزيون؛ حيث حقق شهرة كبيرة من خلال تقديمه لبرنامج "من أقوال الصحف"، ولكنه أيضاً كان على موعد مع أولى المصادمات حينما قرأ في إحدى الحلقات خبراً عن الرئيس جمال عبد الناصر في نهايتها، ففوجئ بصدور قرار من وزارة الإرشاد القومي "الإعلام" بوقفه عن العمل بالتليفزيون..
ولم يكن قنديل يعلم وقتها ما الداعي لإيقافه حتى جلس مع سامي شرف مدير مكتب الرئيس وسأله: "لماذا تم إيقافي عن تقديم البرنامج؟" فقال له شرف: "الرئيس غضب منك؛ لأنك قرأت خبره في آخر البرنامج"، لكن الرئيس وقتها أمر شخصيا بعودة البرنامج. تلك الواقعة التي مرت عليها عشرات السنوات كانت إيذاناً بمولد نجم إعلامي جديد لا يخشى الرؤساء والزعماء، ولكنها في الوقت نفسه كانت بداية المتاعب التي عانى منها قنديل حتى الآن، وهو ما تشهد عليه برامجه وآراؤه، فهو الذي أجرى مقابلة مع معمر القذافي في حلقة من برنامجه "مع حمدي قنديل" على قنوات "راديو وتليفزيون العرب" أغضبت معظم زعماء العرب، حينما فوجئوا بالرئيس الليبى يشنّ عليهم هجوماُ ضارياً.. حينها لم يملك الزعماء سوى الضغط على الشيخ صالح كامل لوقف ظهور قنديل على قنواته، وهو ما حدث بالفعل.
إضغط لمشاهدة الفيديو: حوار مع القذافي يتسبب في غضب الزعماء العرب
بعد الحلقة الأولي في التليفزيون الاردني يحزم حقائبه ويرحل إذا كانت أزمات برامج مثل "رئيس التحرير" و"قلم رصاص" سواء على دبي أو الثقافية هي معارك شهدناها، ولكن كان هناك واقعة وهي في الحقيقة أزمة حدثت في عام 1968.
فبعد إنشاء التليفزيون الأردني بقليل طُلب منه العمل كمستشار، ومع أن هذا العمل محصور وراء الشاشة إلا أنه طُلب منه أن يُقدّم برنامجاً على نمط البرنامج الذي كان يُقدّمه في التليفزيون المصري "أقوال الصحف"، وبعد أيام من إذاعة الحلقة الأولى من البرنامج كان هو وحقائبه الخمس على الطائرة المتجهة إلى القاهرة!! قنديل: الشيخ صالح اشترى المحطة واشتراني معاها في حياة حمدي قنديل فترة كثيراً ما تُنسى وهي الفترة من عام 1977 وحتى 1988 والتي أقام فيها قنديل بالعاصمة الفرنسيّة خلال عمله في اليونيسكو، مديراً ل"التداول الحرّ لمعلومات وسياسات الاقتصاد". وبفضل تلك السنوات تحوّل إلى خبير في الإعلام الفضائي، وقرّر مع أصدقاء عرب وأوروبيين إطلاق فضائيّة عربيّة.
بدأوا دراسة الجدوى (1989)، وسُجّلت "شركة الشرق للاتصالات الفضائية"، وكان يلزمها عشرة ملايين دولار لتنطلق. انهالت العروض من رجال الأعمال والحكومات أيضاً، كلٌّ يحاول استقطاب الشركة ناحيته، ما يناقض الهدف الحرّ الذي أُنشئت من أجله. شيئاً فشيئاً فَقَدَ أصحاب المبادرة الأمل، وبيعت الشركة إلى الشيخ صالح كامل الذي أسهم في تأسيس mbc. "الشيخ صالح اشترى المحطة واشتراني معاها" هكذا كان يعبّر قنديل على تلك الخطوة. وبعدها أصبح أول مدير ل"إم. بي. سي" لثلاثة أشهر فقط، حتى أصدر الديوان الملكي السعودي قراراً بأن يغادر صاحبنا. تردد يومها أن قنديل كان لاذعاً بحقّ الملك فيصل، ويهاجم النظام السعودي. بأمر الشيخ صالح كامل: قنديل مدير للشئون المالية! عاد قنديل إلى مصر، ومرّ كثير من الوقت قبل أن يعود إلى حضن فضائيات صالح كامل مرة أخرى، مع مجموعة "راديو وتليفزيون العرب" (إيه. آر. تي)، إذ عُيِّن مديراً للشئون المالية والإدارية!
بعد ثلاثة أعوام، ضجر الإعلامي المشاكس فخاض مغامرة غير محسوبة العواقب، ويقال بتحريض من صالح كامل أطلق عام 1996 -بعد انقطاع طويل عن الشاشة- برنامج "مع حمدي قنديل"، انتهى بحديث مفتوح مع الرئيس الليبي معمر القذافي، استمر ثلاث ساعات ونصف والذي توقف نهائياً بعده عن الظهور على شبكة تليفزيون العرب.
إضغط لمشاهدة الفيديو: بعد توقف قلم رصاص ظل قنديل لفترة غير محدد الاتجاه
رئيس التحرير نقطة تحول توقفت بسبب حرب العراق وكان العام 1998 العام الذي بدأ فيه حمدي قنديل برنامجه "رئيس التحرير" ذلك البرنامج الشهير على التليفزيون المصري، وبالتحديد على قناته الثانية، فكان بلا مبالغة صاحب السبق في تقديم برنامج "سهل ممتنع"، قدّم فيه قراءة غير مسبوقة للصحف والأحداث بطريقة نقدية تجمع بين العمق والسخرية والتحليل، كل هذا في فترة وجيزة لا تتجاوز الساعة، يرسم بصوته بانوراما لأسبوع كامل أو أكثر. يلتقط فيها الأخبار ليعيد ترتيبها وبثها بصورة جديدة، مدهشة حتى لهؤلاء الذين سبق لهم قراءتها، كان قادراً على التقاط ما وراء الخبر، وتحويل الخبر العادي مع أخبار أخرى إلى طريقة في الانتقاد، وهو أمر تكرر مع "قلم رصاص"، بصورة ما. ربما لهذا كثيراً ما كان حمدي قنديل يثير غضب المسئولين، بانتقاداته وطريقته المميزة. كان "رئيس التحرير" على القناة الثانية هو الأكثر مشاهدة، ويعدّه الكثيرون أهم البرامج التي قدّمها التليفزيون طوال سنوات إلى أن جاءت الحرب على العراق 2003. ومع اقتراب العدوان ظهر جليّاً التناقض بين ما يؤمن به قنديل والسياسة المصرية، فقدّم الحلقة التي عرف أنّها الأخيرة وغادر. "أمة مهند" تغتال قلم رصاص!
وانتقل بالشكل نفسه بعد تغيير الاسم إلى "قلم رصاص" إلى قناة دبي الإماراتية، وهناك في الخليج راح يقدّم بنفس الطريقة المعتادة ولم يكن غريباً أن ينتقل معه جمهوره إلا قليلاً من الذين لا يمتلكون الدش، واستمر على مستوى توقعاتهم فيه إلى أن جاءه الأمر للمرة المائة بأن يرحل بعد إذاعة تلك الحلقة الشهيرة التي قال فيها محتجاً على اختباء حسن نصر الله الذي يحارب إسرائيل في الخنادق، ويُترك سمير جعجع القاتل بحكم محكمة يُستقبل في قصور الرئاسة، ويدلي بتصريح كل ساعة: "آه يا أمة جاحدة.. يا أمة ناكرة.. يا أمة ذليلة.. يا أمة تلفانة.. يا أمة أونطة.. يا أمة كل اللي شاغلك النهارده مسلسل هشام وسوزان بعد مسلسل تامر وشوقية.. يا أمة كانت أمة محمد وبقت أمة مهند".. والجملة الأخيرة هذه بالتحديد هي التي قيلت في أسباب شطب إدارة قناة دبي للبرنامج من قائمة برامجها، ولكن الحقيقة كان يعرفها الجميع من أن إدارة القناة لم تعد تحتمل نقد قنديل اللاذع للعرب في كل حلقة من حلقات برنامجه.. وهنا كان قنديل مضطراً لأن يحمل حقائبه ويرحل، ولكن هذه المرة ظل ولفترة غير محدد الاتجاه.. إلى أين؟!
إضغط لمشاهدة الفيديو:
بسبب قنديل: قناة الليبية أصبحت حكومية! إلى أن تجرأت قناة ناشئة تسمى "الليبية" على استضافته لتقديم برنامجه، ولكن "ممنوع من العرض" سرعان ما أُشهرت في وجه قنديل بعد الحلقة الثالثة التي جاءت تحت عنوان: "هل يمكن التوفيق بين حزب الله ومصر؟".
واستضاف فيها د. عمرو الشوبكي وإياد أبو شقرة الصحفي بجريدة الشرق الأوسط، ورغم أن الحلقة لم يكن فيها أي هجوم على مصر أو حتى انتقاد لموقفها من "حزب الله"، وخلت من أي نبرة تحريضية ضد مصر أو حتى "حزب الله"، فإن القيادة السياسية في ليبيا أوقفت البرنامج نهائياً بل وأمّمت القناة نفسها..
إضغط لمشاهدة الفيديو:
دريم تحجز حمدي قنديل لأجل غير مسمى توقع الكثيرون بعدها أن ينتهي حمدي قنديل أو أن يقرر الاعتزال بعدما عانى من الرفض والطرد، إلا أنه كان لديه من الحماس والشجاعة أن يقول لن أعتزل، وسأعود من جديد للمرة المائة أقول ما أريد حتى لو لحلقة واحدة فقط، وهذا ما حدث فقد تعاقد مع قناة "دريم" لصاحبها رجل الأعمال المعروف أحمد بهجت على تقديم برنامج جديد يحمل عنوان "مع حمدي قنديل"، ولكن بدون مواعيد ثابتة للبرنامج، ويكون مسجلاً وليس مباشراً كما أنه سيكون لقاء مع شخصية شهيرة أو حتى غير مشهورة في حوار طويل.. وبهذا حافظ قنديل على وجوده على الشاشات العربية رغم المنع ورغم الملاحقة، ولكني أتصور أن الشكل الجديد للبرنامج وإن كان سيحجمه قليلاً ولن يكون بالشكل الذي اعتاد عليه ولن يحمل مخاطرة العرض المباشر إلا أنه يرضي قنديل بشكل أو آخر، خاصة وأنه تولى منصباً جديداً تماما بعدما أعلن عن ترشيح البرادعي للانتخابات الرئاسية القادمة..
قنديل مع البرادعي لرئاسة الجمهورية عاد حمدي قنديل ليكون المتحدث الإعلامي باسم "الجبهة الوطنية للتغيير" التي يتولى رئاستها الدكتور محمد البرادعي، ذلك المنصب الذي جعله يتخلى عن وجهة نظره السابقة في الشباب فيقول: "الشباب جعلنا نتخلى عن نظرتنا بأنهم لا يهتمون فقط سوى بصغائر الأمور"، مضيفا: "حين ذهبنا إلى المطار يوم 23 فبراير الماضي لاستقبال البرادعي حين وصوله إلى مصر وفوجئت بأعداد الشباب الكثيرة، وشعرت برغبتهم الصادقة للتغيير وحماسهم وحبهم الكبير للبلد، رغم أن كثيراً منهم كان يشارك بالعمل السياسي لأول مرة"!! حمدي قنديل الآن لمعلوماتك لم يعد المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتغيير، فهي مسئولية مارسها على مدار أسابيع سابقة، ولكنه تنازل عنها إيماناً منه أن الجميع لا بد وأن يكونوا متحدثين رسميين باسم الجمعية، مؤكداً أن الوقت ليس مناسباً للحديث عن أية مناصب من أي نوع! ولكن عندما تبحث لن تجد أن حمدي قنديل هو بطل في أعين جميع العرب، ولكنه يتعرض لانتقادات قاسية سواء من الإعلاميين أو الكُتاب أو حتى القراء الذين وإن كانوا أقل حدة من الكُتاب إلا أنهم على أي حال لا يرون فيه بطلاً مكتملاً.. ورغم ذلك فما زال الكثيرون منهم يعتبرونه الإعلامي المثقف، صاحب الرؤية والموقف الذي قلما يغيره، وأن قامته ستظل شامخة وسط الأقزام.* توضيح أشرنا إلى أن حمدي قنديل قلّما يغير موقفه السياسي لسبب بسيط أنه سبق أن رشح عمرو موسى لرئاسة الجمهورية، ولكنه تراجع وأيَّد البرادعي بعد قدومه إلى مصر، وانضم إليه في الجبهة الوطنية للتغير وأصبح المتحدث باسمها لفترة.