يواصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ترتيب الساحة النووية، بعد أن سادتها الفوضى خلال السنوات الأخيرة، وأصبح العديد من القوى الإقليمية تمتلك سلاحاً نووياً أو تسعى إلى امتلاكه، مما أخل بتوازن القوى الدولية، كما نرى اليوم على خلفية أزمة البرنامج النووي الإيراني أو الكوري. وتأتي قمة واشنطن أو قمة الأمن النووي التي جمعت 47 دولة والتي تعتبر أكبر تجمع دولي بضيافة رئيس أمريكي منذ مؤتمر إنشاء الأممالمتحدة في سان فرانسيسكو عام 1945 واحدة من أهم خطوات أوباما لترتيب الساحة النووية، خاصة أنه أول مؤتمر لترتيب الساحة النووية منذ القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بنظيره السوفيتي ميخائيل جورباتشوف في الثمانينيات من القرن الماضي. وتركزت القمة على الملف النووي الإيراني، رغم محاولات البعض للتظاهر بالعكس، حيث يرى أوباما أن تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي والملف النووي الإيراني وجهان لعملة واحدة، وأنه يجب تسوية الصراع العربي من أجل توحيد صف إسرائيل والعرب في تحالف دولي لضرب إيران. نتنياهو الغائب الحاضر وشهدت القمة النووية غياباً مفاجئاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغم تأكيدات إسرائيلية بحضور رئيس الحكومة، وعلل المراقبون غياب نتنياهو لرفضه ربط حل الملف النووي الإيراني بالقضية الفلسطينية، فهو لن يقبل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، ولن يقبل بحدوث تقدم في القضية الفلسطينية قبل الانتهاء من إيران. وكان نتنياهو قد وضع إيران في المرتبة الأولى ببرنامجه الانتخابي، وعلى هذا الأساس تحوّل نتنياهو بين عشية وضحاها إلى بطل قومي في إسرائيل. غياب نتنياهو يعود أيضاً إلى تخوّفه من قيام بعض الدول العربية والإسلامية المشاركة في القمة بإثارة الملف النووي الإسرائيلي خلال القمة، مما جعله يفضّل أن يتوارى عن الأنظار حتى لا يثار هذا الملف، وبالفعل أتت مناقشات القمة النووية خالية من أي إشارة إلى الملف النووي الإسرائيلي. الصفقة العربية المستحيلة بعد أن كانت القضية الفلسطينية خياراً أصبحت هدفاً أساسياً لتأمين الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان وتصفية الملف الإيراني، ورغم ذلك فإن العرب غير قادرين على استغلال التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان منذ سبع سنوات في خدمة القضية الفلسطينية. فالعرب قادرون على تأمين خروج أمريكي مشرّف من العراق وأفغانستان مقابل تفعيل عادل للقضية الفلسطينية، ولكن سعي بعض الدول والأطراف العربية مثل حكومات مثل سوريا وقطر وحركتي "حزب الله" اللبناني و"حماس" الفلسطينية؛ للعب دور الوسيط والشريك والوكيل للمشروع الإيراني للشرق الأوسط أو المشروع التركي للشرق الأوسط، كلها عوامل تؤجل الصفقة العربية، أو بالأحرى تجعلها في عداد الخيال. الصين تؤيد عقوبات على إيران أوباما أكّد عقب القمة أن الصين أخيراً دخلت الحلبة لصالح معاقبة إيران، دون أن يفصح عن المقابل الذي حصلت عليه الصين جراء هذا التغيير، وأشار أوباما إلى وجود توافق روسي – صيني – أمريكي نحو اتخاذ قرار دولي خلال أسابيع وليست شهوراً حيال إيران، شريطة أن يكون القرار ضد الممارسات الإيرانية الحكومية وألا يسبب أذى للشعب الإيراني. ورغم أن البعض حاول مناقشة مدى خطورة استحواذ تنظيم القاعدة على أسلحة نووية، أو مناقشة البرنامج النوري لكوريا الشمالية، ولكن كان واضحاً أن القمة عقدت من الأساس من أجل مناقشة البرنامج النووي الإيراني. اليوم إيران.. وغداً كوريا وكانت الفترة الماضية قد شهدت تغيرات هامة في الترتيبات النووية الأمريكية، حيث أعلن أوباما أن بلاده لن تستخدم السلاح النووي إلا ضد إيران أو كوريا الشمالية، وأيّد الكونجرس الأمريكي هذا القرار. كما وقّع اتفاقاً تاريخياً مع روسيا من أجل تخفيض الترسانة النووية لواشنطن وموسكو، مما يكفل لأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي التفرغ للدول النووية الصغرى مثل إيران وكوريا الشمالية وربما باكستان في مرحلة لاحقة. ساكوزي وميركل يتوعدان إيران وكعادته أطلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تصريحات نارية حيال إيران، ومؤيدة لإسرائيل، وقال الرئيس الفرنسي الذي يعاني من انخفاض شعبيته في مقابلة مع شبكة CBS الأمريكية: "إن حصول إيران على السلاح النووي لأغراض عسكرية، إضافة إلى التصريحات المتكررة للقادة الإيرانيين ضد ديمقراطية إسرائيل، تشكل خطراً وغير مقبولة". وبدورها، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن ثقتها في أن مجلس الأمن سيتخذ قراراً سريعاً بشأن فرض عقوبات جديدة على إيران. وقالت: هناك إشارات تبعث على الأمل حول إمكانية مواصلة المحادثات مع الصين وروسيا اللتين اتسمتا قبل ذلك بالتردد الشديد". مشاركة سعودية رفيعة المستوى وشارك في القمة من الدول العربية مصر والسعودية والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة والجزائر، وكان لافتاً الحضور السعودي رفيع المستوى، حيث ترأس الوفد الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس المخابرات العامة السعودية. إسرائيل هي الرابح الأكبر وختاماً فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية مهما أبدت من رغبة في حل الصراع العربي الإسرائيلي، ومهما حدث في علاقاتها مع إسرائيل، فإن ساسة إسرائيل منذ منتصف الستينيات وحتى يومنا هذا نجحوا في ربط مصالح أمريكا في الشرق الأوسط بمصلحة إسرائيل، مما يجعل أمريكا تقوم بتأمين هذه المصالح، حتى وهي على خلاف مع إسرائيل، كما يجري اليوم في العلاقات الباردة بين أوباما ونتنياهو.