لا تستطيع اتهام المخرج "تيم بورتون" بالعادية؛ فهذا المخرج الأمريكي الذي قدّم من قبل روائع مختلفة؛ مثل: "Mars Attacks"، و"Sleepy Hollow"، و"Big Fish"، هو رجل عبقري قادر على اختراع الفانتازيا وعوالمها ورسمها على الشاشة الفضية، ونقلها إليك كي تتنسّمها في مقعدك في السينما، ولو كنت في مزاج جيّد، قد يسمح لك أيضًا بزيارتها معه، لتقفز عبر الشاشة إلى أعماله العبقرية. وتمامًا كأعماله السابقة؛ مثل: "Corpse Bride"، و"Charlie and The Chocolate Factory"، يقوم "تيم بورتون" في فيلم "Alice in Wonderland" باختراع عالمَيْن مختلفَيْن تمامًا: قد يبدو لك الحل الأمثل هو أن يخترع عالمًا هادئًا رزينًا هو عالم الواقع، ثم يجود عليه بعالم قاسٍ مجنون هو عالم الخيال، ولكن "تيم بورتون" لا يُجيد الألعاب العادية، بل يُحاول دائمًا أن يلفت أنظارك، فها هو يخترع عالم "الواقع" المليئ بالشخصيات المجنونة، ثم يقوم بتحويل هذا العالم إلى نسخة مجنونة أكثر تحمل اسم "بلاد العجائب". يضطرك "تيم بورتون" لأن تأخذ رحلة جديدة معه، ولا تستطيع من أمرك شيء، خصوصًا وأنه سيهبط بك هذه المرة عبر جحر الأرنب.
ولا تستطيع اتهام فيلم "Alice in Wonderland" بأنه مقتبس عن قصة الأطفال المعروفة التي كتبها "لويس كارول" منذ قرنين من الزمن، خصوصًا وأن الفيلم لا يُحاول أن يحكي لك أحداث ما دار في قصة "أليس في بلاد العجائب" كما كتبها مؤلفها، أو حتى أن يحكي لك قصة "السفر عبر المرآة Through the Looking Glass"، وهو الجزء الثاني -والأقل شهرة- من "أليس في بلاد العجائب". الفيلم يحتوي على شخصيات وأحداث مقتبسة من هذين الكتابين، ولكن الفيلم نفسه يمتلك سيناريو له خصوصية بحيث يقف على ساقين وحده دون الحاجة للكتابين، السيناريو يسألك سؤالاً بسيطًا: ماذا لو نسيَت "أليس" كل شيء عن بلاد العجائب بعد عودتها إلى ديارها سالمة؟ ماذا لو مرّت عشرة أعوام على زيارتها تلك لبلاد العجائب، ولم تعد "أليس" هي نفسها الفتاة الفضولية التي تحب أن تعرف كل شيء وتجرّب كل شيء، بل أصبحت فتاة شابة تعاني من سيطرة المجتمع ككل عليها؟ ماذا لو أنها -بعد عشر سنوات كاملة- وقعت من جديد في جحر الأرنب، وهبطت -من جديد- إلى بلاد العجائب، فقط لتكتشف بأنها لم تَعد بلادًا "عجيبة" كما عهدتها؟!! فالمملكة السعيدة التي تركتها "أليس" منذ سنوات طويلة -والتي لا تستطيع "أليس" أن تتذكرها- لم تَعد مملكة سعيدة بعد الآن، خصوصًا بعد أن قررت ملكة القلوب أن تسيطر على المكان ككل، وتستعبد جميع شخصيات مدن الأحلام هناك.
بلاد العجائب أصبحت بلادًا كئيبة حزينة كابوسية، تسيطر عليها ملكة قلوب ذات رأس كبير جدًّا، وفَقَدَ كل من فيها جمالهم وأناقتهم، وتحوّلوا إلى شخصيات كابوسية تحاول الهرب قدر الإمكانية من سيطرة ملكة القلوب الحمراء، وحماية الملكة البيضاء لعلّها تعود في يوم من الأيام للسيطرة على بلاد العجائب، وتُعيد إليها جمالها ورونقها.
عاب النقاد على "تيم بورتون" تغييره في سيناريو الفيلم وتلاعبه في أحداثه المبنية على القصة الكلاسيكية المعروفة، ولكن الجمهور استمتع بالفيلم رغم كل شيء وتجاهل آراء النقاد، وأنا أعتقد بأن هذا هو المهم في عالم السينما، إن الأفلام مصنوعة كي تكون ترفيهية، والجمهور جاء كي يُرفّه، ما دامت عملية الترفيه قد تمت، فأين المشكلة؟!!
وكما لك أن تتوقّع، فإن شركاء "تيم بورتون" المعتادين في الأفلام التي يُقدّمها شاركوه في هذا الفيلم أيضًا؛ "جوني ديب" يلعب دور "ذا ماد هاتر" (أو صانع القبعات المجنون، لو أنك تُفضّل الترجمة الحرفية)، وقد استطاع أن يلفت الأنظار بتمثيله المتقَن، وحُسن اختياره للهجة التي يتكلّم بها، وحُسن أدائه للشخصية نفسها، "هيلينا بونهيم كارتر" وهي شريكة "بورتون" في حياته وفي جميع أفلامه، تتقافز من دور مجنون لدور مجنون جديد، فها هي تقوم بتقديم ملكة القلوب الحمراء بشكل كوميدي شرير في الوقت نفسه، وتنجح في خطف الأنفاس بجمال الدور الذي قدّمته، لاحظ معي بأنها كادت تحصل على ترشيح أوسكار عن فيلمها قبل الأخير "Sweeny Todd"، وهو -أيضًا- من إخراج "تيم بورتون"، "آنا هاثاواي" تنضمّ لجحافل النجوم الذين قدّموا أدوارًا جيدة في هذا الفيلم، لاعبةً دور الملكة البيضاء بحركاتها الهادئة وتقليعاتها المجنونة بدورها، أما الممثلة الأسترالية الصغيرة ميا والسيكوسكا، فلعبت دور "أليس" بشكل مقبول، وإن كان دورها -رغم كونها الشخصية الرئيسية في الأحداث- قد وقع تحت ظلال النجوم الذين شاركوها بطولة فيلمها الأول.
قبل أن أذهب للفيلم، بحثت جادًا عن النظارات ثلاثية الأبعاد التي اشتريتها من أجل فيلم "Avatar"، وطبعًا كأي رجل مبذر مثلي، لم أستطِع أن أجد النظارة بسهولة، لهذا أنصحك بأن تشتريها وتحافظ عليها قبل مشاهدة هذا الفيلم، خصوصًا وأن الأفلام ثلاثية الأبعاد قد سيطرت على شبابيك التذاكر هذه الأيام، السينمات المصرية تُقدّم حاليًا فيلمي: "How to Train Your Dragon"، و"Clash of the Titans" بشكل ثلاثي الأبعاد، وفي المستقبل القريب سيصدر فيلم "Toy Story 3" و"Shrek Forever After" بنظام ثلاثي الأبعاد، فلربما تريد لنفسك أن تحافظ على هذه النظارة بدلاً من ضياعها، خصوصًا وأن أسعارها في ازدياد.
استطاع فيلم "Alice in Wonderland" أن يُحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاكر الأمريكي، محققًا ما يُقارب الثلاثمائة مليون دولار أمريكي منذ بدء عرضه، الفيلم بالفعل يستحق كل هذه الضجة الإعلامية؛ لأنه أثبت من جديد مدى قدرة "تيم بورتون" على تقديم الرائع والمجنون، ومدى قدرة "جوني ديب" على الموازنة بين هذين العاملين في أفلامه.