فيلم "Green Zone" لم يُقدّم لي كإنسان عربي، أو لصديق إيطالي متطلّع على عالم السياسة، أي جديد، ولكنه قدّم للأمريكيين الكثير من المعلومات التي تم إغفالهم عنها. الفيلم الذي تدور أحداثه في العراق بعد شهور قليلة من فوز الأمريكيين في الحرب العراقية واحتلالهم البلاد، كشف لنا عن حقائق نحن نعرفها منها -على سبيل المثال- واقع عدم وجود أي أسلحة دمار شامل أو غازات أعصاب محرّمة دوليًا في العراق، ومنها أيضًا الأسباب الحقيقية وراء الحرب على العراق. هذه المعلومات قد تبدو أمورًا بديهية لأي مطّلع على السياسة يُفكّر بعقله، ولا يترك زمام أمره لقنوات التليفزيون الأخبارية الأمريكية مثل "FOX NEWS" وغيرها، ولكنها في الواقع معلومات جديدة تمامًا على بعض الأمريكيين الذين يعيشون على أرض أمريكا دون أن يأتوا إلى الشرق الأوسط لمرة، أولئك الذين لا يعرفون الواقع تمامًا، والذين ضحكت عليهم حكوماتهم عندما بدأت الحرب على العراق كي تستميل عطفهم، وتسمح لنفسها بتجنيد أطفالهم المراهقين وإعطائهم أسلحة، وإرسالهم في رحلة حول العالم إلى الصحراء العراقية. ويُركّز الفيلم على قصة ضابط قوات أمريكي يُدعَى "ميلر"، مهمته الأساسية استلام معلومات عن أماكن وجود الأسلحة الكيماوية والنووية والذهاب للحيازة عليها في بغداد، مشكلته الوحيدة هي أنه قد ذهب إلى كل الأماكن التي تم طلب الذهاب إليها، وحارب من أجل الوصول إلى تلك الأماكن، وخسر رجالاً من أجل الفوز بتلك الأسلحة، ولكن كل المعلومات التي تصله دائمًا تكون خاطئة، فلا أسلحة، ولا فوز. يحاول "ميلر" أن يكتشف أساس هذه المشكلة، فيدخل في حربين على صعيد واحد؛ الحرب الأولى هي بعد أن يكتشف وجود رجل عراقي يُدعَى "فريد"، ويدعوه هو بفريدي، يساعده على إلقاء القبض على جنرال عراقي سابق، وفي الوقت نفسه يدخل حربًا أخرى ضد جنرال أمريكي يعيش على أرض العراق، وهو مصدر كل هذه المعلومات الفاسدة. اللافت في الموضوع -بالطبع- هو أن الفيلم يحاول إيصال فكرة واقعية جدًا عن حرب العراق للأمريكيين، هناك الكثير من الكذب، هناك الكثير من الموت، هناك الكثير من الرجال الذين يقاتلون على أرض بغداد ثم يموتون، وفي الوقت نفسه هناك الكثير من القادة الذين يعيشون حاليًا في قصر صدام حسين الرئاسي، حيث يتنزهون على حوض السباحة الخاص به ويشربون البيرة أمام تمثاله المحطم. الفيلم يقول لك ببساطة: لا يوجد أسلحة دمار شامل على أرض العراق، وهي حقيقة عرفناها أنا وأنت بعد أسابيع من الحرب على العراق، ولكن هل يعرفها أغلبية الشعب الأمريكي؟ في الواقع فشل الفيلم في إيصال تلك الرسالة إلى الشعب الأمريكي؛ حيث تجاهله الكثير من المشاهدين رغم النقد الإيجابي الذي حاز عليه من الجمهور، ليحقق خسائر كبيرة في شباك التذاكر الأمريكي. علّق أحد النقاد على هذه النقطة قائلاً: إن السبب وراء تجاهل الجمهور لهذا الفيلم هو عدم رغبة الجمهور الأمريكي في اكتشاف الحقيقة وراء ما يحدث، هناك إحساس بالذنب تجاه حرب العراق بأكملها، والتي تحوّلت بالنسبة للشعب الأمريكي إلى حرب فيتنام جديدة، مما جعلهم يرفضون الاستيقاظ من نومهم الهادئ هناك لرؤية الواقع المرير الذي يدور في عالم الحرب العراقية. الممثل "مات ديمون" والمخرج "بول جرينجلاس" قد نجحا فيما سبق بلفت نظر الجمهور بأفلامهما المشتركة؛ حيث قدّما معًا الجزأين الثاني والثالث من سلسلة الإثارة الشهيرة "Bourne"، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن فيلم اليوم هو فيلم من بطولة "بورن"، ولكن باسم جديد يسمح له بدخول عالم السياسة دون أن يؤثر على سلسلة الأفلام الحاصدة للملايين، فالأشياء المشتركة بين سلسلة أفلام "Bourne" وفيلم اليوم هي فقط الممثل الرئيسي والمخرج وطريقة التصوير ذو العدسة التي تهتز طوال الوقت لإعطاء جو "واقعي" للفيلم فحسب، أما الاختلافات فهي كثيرة. ففي حين كانت سلسلة أفلام "Bourne" ذات طبيعة إثارة بحتة لا تهدف إلى شيء على الإطلاق، يعبر فيلم "Green Zone" عن وجهة نظر مخرجه وبطله في الحرب على السلام، يعبر عن وجهة نظرهما السياسية ويحاول إيصال وجهة النظر تلك إلى الجمهور. هناك تحية كبرى نطلقها نحن للممثل "مات ديمون" والمخرج "بول جرينجلاس" على محاولتهم لتقديم فن ذي رسالة راقية وواضحة للشعب الأمريكي، ولكن هذا لا ينفي أننا سنأخذ عليهم كون السيناريو عادي متوازن لا يحتوي على أي حبكة عميقة أكثر من كشف الحقائق لا أكثر، هناك كما لك أن تتوقع رجل عراقي جيد بطبعه ورجل عراقي سيئ بطبعه، وهناك جندي أمريكي جيد وجندي أمريكي سيئ، وهناك قيادي أمريكي جيد وقيادي أمريكي سيئ، والحرب تدور بين هؤلاء الرجال الستة، إلى أن يفوز الجيد على المجالات الثلاثة بطريقة أو بأخرى، لربما كان السيناريو يحتاج بالفعل إلى بعض التدقيق والتجويد من أجل أن يستمتع به الليبراليون الأمريكيون الذين يعرفون الحقائق كما هي، ولا أن يكون مجرد فيلم وثائقي يقول للمتحفظين الأمريكيين مرارًا وتكرارًا إن الواقع الذي يعيشونه غير حقيقي. في النهاية، الفيلم يستحق المُشاهدة من باب العلم بالشيء لا أكثر، إلى جانب الاستمتاع بأداء الممثلين "مات ديمون" و"كريج كينير"، إلى جانب مشاهدة معالم العراق؛ حيث إن الفيلم رغم أنه قد صوّر في المغرب، إلا أن الكثير من المؤثرات البصرية قد أضيفت لجعله يبدو كأنما قد صّور على أرض العراق بالفعل، ستشاهد بوابة العراق المعروفة على شكل سيفين متلاحمين، وتمر بالكاميرا عبرها، لتدرك بأن الصناعة الأمريكية لا تزال تنجح في إذهالك بتقنياتها، حتى ولو لم تنجح في تقديم معلومات جديدة لك.