شهدت الأسواق المالية أسبوعاً كان مليئاً بالمفاجآت السارة التي دفعت بالأسواق إلى الأعلى لتزيل بعض خسائرها التي كانت قد حققتها في أسابيع سابقة، أسبوع البهجة سماه بعض المستثمرين، ليس بفعل القادة الأوروبيين حقيقة، و لكن بفعل صناع القرار الدوليين الذين يتأثرون بشكل كبير من تفاقم أزمة الديون الأوروبية. أهم الأنباء أو المفاجآت التي صدرت الأسبوع الماضي هو قرار البنوك المركزية، حيث أعلنت ستة بنوك مركزية رئيسية بالاتفاق مع الفيدرالي الأمريكي عن خطوات منسقة لدعم قدرتهم على تقديم السيولة في الأسواق المالية العالمية، و الهدف الأساسي من هذه الخطوات تخفيف حده التوتر في الأسواق المالية و توفير مزيداً من السيولة في الأسواق العالمية. وافقت البنوك المركزية على تخفيض الأسعار الحالية لخطوط مقايضة الدولار الأمريكي بمقدار 50 نقطة أساس بعد أن كانت عند مستويات 100 نقطة أساس إضافة إلى سعر اقتراض الدولار لليلة واحدة، لذلك فان المعدل الجديد لخطوط تبادل الدولار الأمريكي سيكون بإضافة 50 نقطة أساس على أدوات المقايضة لليلة واحدة، و هذه الأسعار سوف تطبق على جميع العمليات ابتداء من 5 من كانون الأول وحتى شهر شباط من عام 2013. و كان لهذه الخطوة الأثر الايجابي الكبير جداً نظراً لما قد يكون له تحرير مستقبلي للبنوك العالمية و الأوروبية بشكل خاص، التي تعاني من مشاكل ائتمانية وسط تراجع مستويات الثقة في الأسواق التي تجعل البنوك العالمية تخشى إقراض البنوك الأوروبية وسط تفاقم أزمة الديون، و حتى البنوك الأوروبية بين بعضها البعض. ولاسيما الخطوة الجريئة التي قام بها البنك المركزي الصيني على الرغم من ارتفاع مستويات التضخم هناك، إلا أنه قد خفض من نسبة المتطلبات الاحتياطية التي يضعها البنوك الصينية لدى المركزي الصيني، و ذلك في سبيل دعم مستوى السيولة في الاقتصاد و تحفيز عمليات الإقراض و الاقتراض لدعم مستويات النمو بشكل عام. و لكن بالعودة للعوامل التي كان لها الأثر الايجابي على الأسواق، لم يكن لصناع القرار الأوروبيين ذلك الدور العظيم، حيث كانت الآمال بقيام الأوروبيين بأخذ خطوات جريئة و قرار جدية و جذرية لدعم الاقتصاد و احتواء أزمة الديون و منعها من التفاقم، إلا أنه بقيت تكاليف الاقتراض في أعلى مستوياتها منذ أعوام مصعبة المهام على الدول المتعثرة. هذا و قد قام وزراء المالية الأوروبيين بالاتفاق على بعض القرارات تضمن توسيع نطاق صندوق الاستقرار المالية الأوروبي و لكن دون ذكر المبلغ المرجو توسيعه إلا أنه قد يكون أقل مما كان متوقعاً عند 1 تريليون يورو، في حين قد يقوم الصندوق بضمان ما يقارب 30% من السندات الجديدة التي ستصدرها الدول الأوروبية المتعثرة مثل ايطاليا و اسبانيا. و من قرارات صناع القرار الأوروبيين أيضاً، كان هنالك دور مهم لألمانيا في تهدئة و دعم الأسواق أيضاً، حيث أعلن وزير المالية الألماني عن تنحي دولته عن موقفها السابق لتدعم حالياً توسيع موارد صندوق النقد الدولي من خلال قروض ثنائية أو حقوق السحب الخاصة، و لكن ذلك بالعودة لمحافظ البنك المركزي الألماني و إصدار موافقته أولاً، و هذا ضمن المساعي لمواجهة الأزمة الاقتصادية في أوروبا، حيث ستتلقى دول منطقة اليورو المتعثرة الدعم من صندوق النقد الدولي. إن المستثمرين حالياً يأملون بقيام القادة الأوروبيين بأخذ قرارات حازمة لدعم اقتصاد منطقة اليورو الذي يعاني من ضغوطات و صعوبات شديدة تحد من مسيرة نموه و تؤثر عليه بشكل كبير، حيث سجلت مختلف قطاعات الاقتصاد انكماش خلال تشرين الثاني، الأمر الذي يدل على ضعف الاقتصاد بشكل عام. و إن هذه العوامل هي مجرد إشارات لاحتمالية توجه الاقتصاد لدائرة الركود، و لكن السؤال حالياً هل فعلاً اقتصاد منطقة اليورو متوجه لدائرة الركود أم أنه يقع حالياً في دائرة الركود الاقتصادي، و هذا ما أشار له محللين عالميين و منظمات عالمية. حيث أشارت منظمة التعاون و التطوير الاقتصادي أن اقتصاد منطقة اليورو يعاني في الوقت الراهن من حالة ركود طفيفة و أنه على مقربة من انكماشه خلال الربع الرابع و الربع الأول من العام القادم، و تعتبر هذه حقائق لا بد من النظر عليها، و هي نتيجة طبيعة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة و شدة السياسات التقشفية التي تحد من مستويات الإنفاق، لاسيما تدهور مستويات الثقة في المنطقة كما أظهرت بيانات الثقة خلال الأسبوع، كان لها كبير جداً على وتيرة النمو الاقتصادي. إن هذا التراجع في الأداء الاقتصاد في منطقة اليورو إلى جانب تراجع الأنشطة الاقتصادية فيها، كان هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات مرتفعة جداً في منطقة اليورو خلال شهر تشرين الأول ليصل إلى 10.3% من قرار الشهر السابق و التوقعات عند 10.2%. اجتمعت كل هذه العوامل السيئة المتواجدة في منطقة اليورو لتؤثر على الاقتصاد العالمي كما أشارت منظمة التعاون و التطوير الاقتصادي العالمية، و لاسيما الاقتصاد البريطاني كما أشار وزير الخزينة البريطاني الذي أعزى إلى احتمالية ركود الاقتصاد البريطاني إذا ما استمرت أوضاع منطقة اليورو بالتدهور و التي ستؤدي بالنهاية إلى ركود اقتصاد منطقة اليورو و التي يصعب آنذاك تجنبه في بريطانيا. هذا و قد أشار وزير الخزينة البريطاني جورج أوزبورن إلى أن الاقتصاد البريطاني سينمو بوتيرة أقل منا ما كان متوقعاً خلال العام الجاري و العام القادم لينمو عند 0.9% و 0.7% في العامين 2011 و 2012 على التوالي، و لم يتردد أوزبورن بتوقع ارتفاع مستويات البطالة في بريطانيا خلال العام القادم إلى 8.7% من 8.1% خلال العام الجاري. و أخيراً و ليس آخراً، بقيت حالة التفاؤل الحذر هي حالة المستثمرين بأمل قيام القادة الأوروبيين وضع خطوط عريضة تحدد مصير القارة الأوروبية، و تحد من تفاقم أزمتها و ذلك في قمة القادة التي ستعقد في التاسع من شهر كانون الأول، و لكنه كان أسبوعاً مبهجاً خرج منه المستثمرين بأرباح لا بأس بها.