بنك أوف نيويورك يشيد بالتنسيق الإيجابي واللغة المشتركة للمجموعة الاقتصادية الجديدة في مصر    الإسعاف الإسرائيلى يرفع حالة الاستنفار والتأهب لأعلى مستوى فى جميع الأنحاء    مدحت شلبي معلقا على مباراة الأهلي وجور ماهيا الكيني    مصر للطيران تصدر بياناً توضيحياً حول رحلة رقم MS 987 المتجهة إلى نيو جيرسى    دراسة: الشاي والقهوة يقيان من مرض خطير مسبب للسكري والقلب    انهيار مبنيين سكنيين بالمنطقة التي استهدفت بالغارة في الضاحية الجنوبية لبيروت    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    غدًا.. انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس| حضور الطلاب تباعا لعدم التكدس.. و25 مليون طالب ينتظمون الأسبوعين المقبلين.. وزير التعليم يستعد لجولات ميدانية تبدأ من سوهاج وقنا    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    صدور العدد الجديد من جريدة مسرحنا الإلكترونية وملف خاص عن الفنانة عايدة علام    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    رئيس الإدارة المركزية لشئون الدعوة وسكرتير عام محافظة البحيرة يشهدان احتفال المحافظة بالعيد القومي    تشييع جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال عدوان الاحتلال على قباطية بالضفة الغربية    الكشف على 794 مريضا فى قافلة وتدريب 44 طبيبا بشمال سيناء ضمن مبادرة بداية    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    وزير العمل: حريصون على سرعة إصدار الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    «المتحدة» تستجيب للفنان أحمد عزمي وتتعاقد معه على مسلسل في رمضان 2025    إطلاق الإعلان التشويقي الرسمي لفيلم بنسيون دلال    القومي للمرأة بدمياط ينفذ دورات تدريبية للسيدات بمجالات ريادة الأعمال    روسيا: تفجير أجهزة ال"بيجر" في لبنان نوع جديد من الهجمات الإرهابية    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    مصدر لبناني: البطاريات التي يستخدمها حزب الله مزجت بمادة شديدة الانفجار    كوجك: حققنا 6.1% فائضا أوليا متضمنًا عوائد "رأس الحكمة"    جامعة عين شمس تعلن إنشاء وحدة لحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    سهر الصايغ تشارك في مهرجان الإسكندرية بدورته ال 40 بفيلم "لعل الله يراني"    نشوب حريق هائل في مخزن للبلاستيك بالمنوفية    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير أعمال تعديل الحركة المرورية بميدان الزراعيين    الأزهر للفتوى الإلكترونية: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخي من لبنان    معرض «الناس ومكتبة الإسكندرية».. احتفاء بالتأثير الثقافي والاجتماعي لمكتبة الإسكندرية في أوسلو عاصمة النرويج    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    القوات المسلحة تُنظم جنازة عسكرية لأحد شهداء 1967 بعد العثور على رفاته (صور)    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي بدرخان : كل لقطة في الفيلم تعكس جزءا من العالم
نشر في صوت البلد يوم 21 - 08 - 2017

قدم المخرج على بدرخان في كتابه "حرفيات الإخراج السينمائي" خلاصة رؤيته لفنون الإخراج السينمائي من واقع تجربته العلمية والعملية، كاشفا عن الجوانب المعقدة للفن السينمائي والتليفزيوني وفهمها، وساعيا من خلال ما ترسخ لديه كمخرج ومتابع إلى المساهمة في تنمية مهارات دارسي الإخراج بشكل واع متبصر وبأسلوب يبتعد عن التعقيد، وفي ذات الوقت يمكن تطبيقه لمن لا يوجد لديه معرفة سابقة بالفنون السينمائية. الأمر الذي لفت إليه في مقدمته من أنه تم إعداد الكتاب كدليل عملي يُستعان به على تيسير معرفة حرفية فن الإخراج وضمان إتقانها، حيث يضع الكتاب أسس فن وقواعد كتابة السيناريو الإخراجي لمن يريد أن يصبح مخرجا سينمائيا، كما يستفيد منه من يمارس الإخراج السينمائي حيث يجد فيه أسلوبا عمليا سهلا لتنفيذ الفيلم الذي يقوم بإخراجه.
الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة قسمه بدرخان إلى ثلاثة أجزاء الأول أساسيات الإخراج السينمائي، والثاني حرفيات الإخراج السينمائي، والثالث التنفيذ الإخراجي للفيلم، وقد حلل وشرح وعرف خلالها بكافة الأساسيات والحرفيات وعناصر التنفيذ الإخراجية وضرب الأمثلة، مؤكدا أن العرض السينمائي هو الاتحاد الإبداعي لكثير من العاملين، الجماعة: هي المبدع الحقيقي للفيلم السينمائي وهذا أول ما يجب فهمه جيدا.
وقال موضحا مفهوم الجماعة: "لا يعتبر تجمع بعض الناس معا (مجموعة) أبدا، فالجماعة هي عدد من الناس تجمعهم أهداف واحدة، ومن البديهي أن يتباين نشاط مختلف أعضاء المجموعة كل حسب اختصاصه وقدرته في رافد من روافد العمل السينمائي الموجه إلى هدف واحد يسعى له جميع أعضاء المجموعة، فإذا غاب الهدف العام لدى الجميع فلن يكون هناك جماعة وبالتالي لن يكون هناك عمل سينمائي حقيقي.
وأضاف أن المخرج ملزم بتوجيه وشرح طرق ومناهج الوصول إلى الهدف المنشود، وعلى المشاركين في هذا العمل الجماعي أن يكونوا متمكنين من هذه الطرق وقادرين على استخدامها، فأثناء بناء العمل السينمائي تتشكل المجموعة السينمائية متحدة تحت هدف واحد، ومتسلحة بمعرفة دقيقة لقوانين الفن السينمائي وتحت منهج إبداعي واحد يقودها المخرج.
ولفت إلى أنه يجب على الفنان المبدع أن يسعى دائما إلى أن يفهم الحياة بشكل صحيح، ليتمكن من التأثير في الجمهور، والشيء الثاني الضروري للتأثير على الجمهور هو الإقناع وصدق العمل الفني السينمائي. وأكد أن الفيلم السينمائي المقنع هو الذي يتعامل معه الجمهور على أنه حقيقة كما في الحياة، على الرغم من معرفته أن كل ما يجري أمامه هو لعبة فنية سينمائية أي يجب أن يتلقى الجمهور الحياة على الشاشة (غير الحقيقة في الواقع) وكأنها حياة حقيقية.
تجربة واحدة
وشدد بدرخان على أنه من المهم بالنسبة للمشاهد أن يرى الفيلم باعتباره تجربة واحدة، بما يعني أن كل العناصر تعمل معا لكي تصنع تجربة موحدة للمشاهد، والمخرج يحتاج إلى فريق إبداعي من مصورين ومصممي ديكور وملابس وإكسسوار وممثلين ومهندسي صوت ومنتيرين ومؤلفي موسيقى، فالوحدة والاتساق يعنيان أن أدوات الإخراج تعمل معا وهذا هو هدف الفكرة الإخراجية الواضحة القوية التي تعزز وحدة تجربة المشاهد للفيلم.
إن رؤية المخرج تركز تجربتنا وتقودها عبر مشاهد الفيلم فتضيف بذلك قيمة للحدث ولكن الأهم هو أن تجعل من عناصر الفيلم وحدة واحدة متسقة.
وأكد أن المخرج عندما يتوصل إلى صورة بصرية عن القصة فإن رؤيته سوف تشترك في صياغة كل عناصر السيناريو بما في ذلك كلمات الحوار. وقال منبها المخرج "بعد ذلك عليك أن تشغل خيالك في استخدام الممثلين والعناصر البصرية من إضاءة وديكور وإكسسوار وملابس والكاميرا والأصوات وتبدأ حرفيتك في إبداع الفيلم. إن لديك قدرا هائلا من الحرية للتفسير والرؤية. إن عطاءك الشخصي ضروري وحيوي. إن فكرتك الواضحة المدروسة هي التي سوف تساعدك على الاختيار الدقيق بين آلاف القرارات".
وأشار بدرخان إلى أن الفيلم كوسيلة للتعبير له حدود وقيود، وعلينا أن ندرك مصادر قوته ونقاط ضعفه، والفنان السينمائي المبدع له مفهومه الشخصي الفريد للفكرة التي حركت رغبته لكي يستخدم السينما كوسيلة له في الاتصال بالغير، ما يهم صناع الفيلم في المقام الأول هو القدرة على تناول الأفكار والمفاهيم وتجسيدها، وبمجرد تجسيد هذه الأفكار على شرائط من الفيلم تحوي أجزاء من واقع مصور، إنه واقع تم إعداده بعناية وتم التدريب عليه أمام آلة التصوير السينمائي وتسجيله على شرائط الفيلم، والآن يلزمنا تجميع هذه الشرائط وتقسيمها إلى أعداد قليلة من الكادرات تتضمن أجزاء من الزمن المسجل، ومن الخيالات والأصوات التي تم إعدادها لتعبر عن قصة، وتقدم بعض لحظات الصدق، ونحاول أن ننقل من خلالها بعض المشاعر والأحاسيس ونبحث عن الحلول التي تمنح هذه الصور القوة لجذب انتباه وعواطف المشاهدين من خلال تركيب الفيلم أو التقطيع أو المونتاج، وهذه عملية بسيطة عبارة عن وصل شريطين من الوليولويد معا، وهذه هي الخطوة الأخيرة من مهمة طويلة.
وقال "إننا نتعامل مع حرفة قابلة للتغيير والتطور دائما رغم أن قواعدها المستقاة من أعمال السينمائيين الأوائل وخبرات من تلوهم برهنت على ثباتها لمدة طويلة، إن العديد من صانعي الأفلام تعلموا حرفتهم من فحص الأفلام القديمة ودراستها، كل أشكال اللغة السينمائية مباح وجائز فنيا، فيما عدا استخدام هذه الوسيلة لمجرد التلاعب الأجوف بالأشكال، يجب أن تظل آلة التصوير السينمائي مجرد أداة للتسجيل كما هو حال القلم بالنسبة للكاتب، فالفيلم الجيد ليس نتيجة الارتجال بل حصيلة المعرفة لا بالحياة والعالم الذي نصوره فقط بل بالتقنيات التي تعالج الأفكار لكي تصبح أقوى تعبيرا.
وحول الحركة كعنصر من عناصر الفيلم، أوضح بدرخان أن الحركة هي صورة السينما في حالة الفعل، وهي تشمل لحظات التصوير في مظاهرها الدائمة التغيير، والحركة "حركة الموضوع أو الشخصية حركة الكاميرا حركة الطبيعة والخلفية حركة الإضاءة حركة المونتاج".
وأضاف أن كل هذه الحركات مادية ظاهرة ولا ننسى أنه توجد أيضا الحركة المضمرة وهي النابعة من السياق وتدفق وصيرورة الفيلم بل وفي بعض الصور أو اللقطات التي تتسم بالسكون أو جمود الحركة الظاهرة بينما هي بتكوينها في السياق وما يصاحبها من أصوات تتمتع بقدر كبير من الحركة المضمرة.
وكشف بدرخان أن الصورة الثابتة مثل إحدى اللوحات تتمتع أيضا بنوع من الحركة ينبع من إيحاءات الصورة نفسها، يضاف إليها حركة عين المشاهد وهي تتجول بين أرجائها وما تشكله أثناء ذلك من خطوط وهمية هي جزء لا يتجزأ من التكوين.
وأكد أن الحركة تعد جوهر التصوير السينمائي وتشكل داخل اللقطة أداة قوية للسرد السينمائي، وذلك لسببين: أولا أنها تساعد على توليد نوع من الطاقة والتوتر خلال الحدث. وثانيا تسمح بالإبقاء على حجم الموضوع المراد تصويره أثناء اللقطة أو تغييره، بدلا من القطع للقطة جديدة.
وحدد أنواع الحركة القامة مشيرا إلى أن الحركة التي يقدمها المؤلف واللازمة في سير القصة، كذلك التي يقدمها المخرج ابتغاء التأكيد والتنوع والتعبير المزاجي، وأنواع الحركة أولا: القصة وهي الحركات الواضحة للحدث الضروري في تطوير القصة وهي تغطي حركات دخول وخروج الشخصيات في المشاهد والتحرك إلى نافذة للتطلع والتحرك لإخفاء أشياء وتقديم الطعام والشراب وحركات الرقص والشجار والمعارك. ثانيا الخلفية: وحركة الطبيعة وحركة الإضاء وهذه هي الحركات التي تحدد المكان والموقع والجو العام لتحقيق التكامل لمشاهد تدور في الشارع أو على سطح سفينة أو في بهو فندق أو حفل استقبال أو موقع بناء أو مصنع وغيرها، تناوب الليل والنهار، حركة الإضاءة تضاء وتطفأ والانعكاسات.
كل لقطة جزء من العالم
ورأى بدرخان أنه في الأفلام الواقعية لا بد أن يكون لكل حركة دافع بطريقة أو بأخرى، كما أن حركات الخلفية ينبغي أن يكون لها متابعة حركية هي الأخرى. وقال إن الحركة التي تتم كنتيجة لتصميم أساسي: التصميم الأساسي يمتد عادة ليشمل فصلا بأكمله من فصول الفيلم، أو أحد التتابعات التي تضم عددا من المشاهد التي يربطها موقف واحد، ولا يقتصر على مشهد واحد، وللوصول إلى التصميم الأساسي فإننا نحدد أولا معنى الفصل أو التتابعات، ثم نترجم هذا إلى مناطق ومستويات ومسطحات وخطوط وتأكيد وما إلى ذلك، بحيث يكون معبرا عن الفكرة، فإذا ترجم ذلك إلى حركة فإنه يعطي التصميم بالنسبة للفعل الرئيس في هذا الجزء أو الفيلم كله.
وأوضح بدرخان أن كل لقطة في الفيلم تعكس جزءا من العالم أو تعبر عنه، إن المخرج إذا يركب لقطته ويضع الممثلين والمواد داخلها، وهو إذ يبني اللقطة يبدو كمن يستوعب الحياة ويعيد إحياء جزء من الحياة على الشاشة.
وأضاف أن العمل الإبداعي الرئيسي بالنسبة لخلق الفيلم يتم إلى حد كبير عند كتابة السيناريو الإخراجي، حيث تتحدد فيه فكرة المخرج الأولية، إن هذه الفكرة تكتب باقتصاد شديد يضاف بالحروف والرموز والأرقام التي تذكر المخرج طوال الوقت باللقطات، وما عليه أن يأخذه بعين الاعتبار عند التنفيذ، فالسيناريو الإخراجي المصنوع جيدا يعطي تصورا واضحا عن الفيلم الذي سينفذ، وكلما كانت كتابة السيناريو الإخراجي أدق كان تحليل العمل أكثر عمقا، وسهل فيما بعد تحقيق الفكرة في موقع التصوير.
يجب أن تنشأ أثناء قراءة السيناريو الإخراجي فكرة واضحة عن لقطات الفيلم وتكون الأحداث محددة بدقة في السيناريو الأدبي، غير أنها يجب أن تمتلك أشكالا سينمائية واضحة في السيناريو الإخراجي.
قدم المخرج على بدرخان في كتابه "حرفيات الإخراج السينمائي" خلاصة رؤيته لفنون الإخراج السينمائي من واقع تجربته العلمية والعملية، كاشفا عن الجوانب المعقدة للفن السينمائي والتليفزيوني وفهمها، وساعيا من خلال ما ترسخ لديه كمخرج ومتابع إلى المساهمة في تنمية مهارات دارسي الإخراج بشكل واع متبصر وبأسلوب يبتعد عن التعقيد، وفي ذات الوقت يمكن تطبيقه لمن لا يوجد لديه معرفة سابقة بالفنون السينمائية. الأمر الذي لفت إليه في مقدمته من أنه تم إعداد الكتاب كدليل عملي يُستعان به على تيسير معرفة حرفية فن الإخراج وضمان إتقانها، حيث يضع الكتاب أسس فن وقواعد كتابة السيناريو الإخراجي لمن يريد أن يصبح مخرجا سينمائيا، كما يستفيد منه من يمارس الإخراج السينمائي حيث يجد فيه أسلوبا عمليا سهلا لتنفيذ الفيلم الذي يقوم بإخراجه.
الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة قسمه بدرخان إلى ثلاثة أجزاء الأول أساسيات الإخراج السينمائي، والثاني حرفيات الإخراج السينمائي، والثالث التنفيذ الإخراجي للفيلم، وقد حلل وشرح وعرف خلالها بكافة الأساسيات والحرفيات وعناصر التنفيذ الإخراجية وضرب الأمثلة، مؤكدا أن العرض السينمائي هو الاتحاد الإبداعي لكثير من العاملين، الجماعة: هي المبدع الحقيقي للفيلم السينمائي وهذا أول ما يجب فهمه جيدا.
وقال موضحا مفهوم الجماعة: "لا يعتبر تجمع بعض الناس معا (مجموعة) أبدا، فالجماعة هي عدد من الناس تجمعهم أهداف واحدة، ومن البديهي أن يتباين نشاط مختلف أعضاء المجموعة كل حسب اختصاصه وقدرته في رافد من روافد العمل السينمائي الموجه إلى هدف واحد يسعى له جميع أعضاء المجموعة، فإذا غاب الهدف العام لدى الجميع فلن يكون هناك جماعة وبالتالي لن يكون هناك عمل سينمائي حقيقي.
وأضاف أن المخرج ملزم بتوجيه وشرح طرق ومناهج الوصول إلى الهدف المنشود، وعلى المشاركين في هذا العمل الجماعي أن يكونوا متمكنين من هذه الطرق وقادرين على استخدامها، فأثناء بناء العمل السينمائي تتشكل المجموعة السينمائية متحدة تحت هدف واحد، ومتسلحة بمعرفة دقيقة لقوانين الفن السينمائي وتحت منهج إبداعي واحد يقودها المخرج.
ولفت إلى أنه يجب على الفنان المبدع أن يسعى دائما إلى أن يفهم الحياة بشكل صحيح، ليتمكن من التأثير في الجمهور، والشيء الثاني الضروري للتأثير على الجمهور هو الإقناع وصدق العمل الفني السينمائي. وأكد أن الفيلم السينمائي المقنع هو الذي يتعامل معه الجمهور على أنه حقيقة كما في الحياة، على الرغم من معرفته أن كل ما يجري أمامه هو لعبة فنية سينمائية أي يجب أن يتلقى الجمهور الحياة على الشاشة (غير الحقيقة في الواقع) وكأنها حياة حقيقية.
تجربة واحدة
وشدد بدرخان على أنه من المهم بالنسبة للمشاهد أن يرى الفيلم باعتباره تجربة واحدة، بما يعني أن كل العناصر تعمل معا لكي تصنع تجربة موحدة للمشاهد، والمخرج يحتاج إلى فريق إبداعي من مصورين ومصممي ديكور وملابس وإكسسوار وممثلين ومهندسي صوت ومنتيرين ومؤلفي موسيقى، فالوحدة والاتساق يعنيان أن أدوات الإخراج تعمل معا وهذا هو هدف الفكرة الإخراجية الواضحة القوية التي تعزز وحدة تجربة المشاهد للفيلم.
إن رؤية المخرج تركز تجربتنا وتقودها عبر مشاهد الفيلم فتضيف بذلك قيمة للحدث ولكن الأهم هو أن تجعل من عناصر الفيلم وحدة واحدة متسقة.
وأكد أن المخرج عندما يتوصل إلى صورة بصرية عن القصة فإن رؤيته سوف تشترك في صياغة كل عناصر السيناريو بما في ذلك كلمات الحوار. وقال منبها المخرج "بعد ذلك عليك أن تشغل خيالك في استخدام الممثلين والعناصر البصرية من إضاءة وديكور وإكسسوار وملابس والكاميرا والأصوات وتبدأ حرفيتك في إبداع الفيلم. إن لديك قدرا هائلا من الحرية للتفسير والرؤية. إن عطاءك الشخصي ضروري وحيوي. إن فكرتك الواضحة المدروسة هي التي سوف تساعدك على الاختيار الدقيق بين آلاف القرارات".
وأشار بدرخان إلى أن الفيلم كوسيلة للتعبير له حدود وقيود، وعلينا أن ندرك مصادر قوته ونقاط ضعفه، والفنان السينمائي المبدع له مفهومه الشخصي الفريد للفكرة التي حركت رغبته لكي يستخدم السينما كوسيلة له في الاتصال بالغير، ما يهم صناع الفيلم في المقام الأول هو القدرة على تناول الأفكار والمفاهيم وتجسيدها، وبمجرد تجسيد هذه الأفكار على شرائط من الفيلم تحوي أجزاء من واقع مصور، إنه واقع تم إعداده بعناية وتم التدريب عليه أمام آلة التصوير السينمائي وتسجيله على شرائط الفيلم، والآن يلزمنا تجميع هذه الشرائط وتقسيمها إلى أعداد قليلة من الكادرات تتضمن أجزاء من الزمن المسجل، ومن الخيالات والأصوات التي تم إعدادها لتعبر عن قصة، وتقدم بعض لحظات الصدق، ونحاول أن ننقل من خلالها بعض المشاعر والأحاسيس ونبحث عن الحلول التي تمنح هذه الصور القوة لجذب انتباه وعواطف المشاهدين من خلال تركيب الفيلم أو التقطيع أو المونتاج، وهذه عملية بسيطة عبارة عن وصل شريطين من الوليولويد معا، وهذه هي الخطوة الأخيرة من مهمة طويلة.
وقال "إننا نتعامل مع حرفة قابلة للتغيير والتطور دائما رغم أن قواعدها المستقاة من أعمال السينمائيين الأوائل وخبرات من تلوهم برهنت على ثباتها لمدة طويلة، إن العديد من صانعي الأفلام تعلموا حرفتهم من فحص الأفلام القديمة ودراستها، كل أشكال اللغة السينمائية مباح وجائز فنيا، فيما عدا استخدام هذه الوسيلة لمجرد التلاعب الأجوف بالأشكال، يجب أن تظل آلة التصوير السينمائي مجرد أداة للتسجيل كما هو حال القلم بالنسبة للكاتب، فالفيلم الجيد ليس نتيجة الارتجال بل حصيلة المعرفة لا بالحياة والعالم الذي نصوره فقط بل بالتقنيات التي تعالج الأفكار لكي تصبح أقوى تعبيرا.
وحول الحركة كعنصر من عناصر الفيلم، أوضح بدرخان أن الحركة هي صورة السينما في حالة الفعل، وهي تشمل لحظات التصوير في مظاهرها الدائمة التغيير، والحركة "حركة الموضوع أو الشخصية حركة الكاميرا حركة الطبيعة والخلفية حركة الإضاءة حركة المونتاج".
وأضاف أن كل هذه الحركات مادية ظاهرة ولا ننسى أنه توجد أيضا الحركة المضمرة وهي النابعة من السياق وتدفق وصيرورة الفيلم بل وفي بعض الصور أو اللقطات التي تتسم بالسكون أو جمود الحركة الظاهرة بينما هي بتكوينها في السياق وما يصاحبها من أصوات تتمتع بقدر كبير من الحركة المضمرة.
وكشف بدرخان أن الصورة الثابتة مثل إحدى اللوحات تتمتع أيضا بنوع من الحركة ينبع من إيحاءات الصورة نفسها، يضاف إليها حركة عين المشاهد وهي تتجول بين أرجائها وما تشكله أثناء ذلك من خطوط وهمية هي جزء لا يتجزأ من التكوين.
وأكد أن الحركة تعد جوهر التصوير السينمائي وتشكل داخل اللقطة أداة قوية للسرد السينمائي، وذلك لسببين: أولا أنها تساعد على توليد نوع من الطاقة والتوتر خلال الحدث. وثانيا تسمح بالإبقاء على حجم الموضوع المراد تصويره أثناء اللقطة أو تغييره، بدلا من القطع للقطة جديدة.
وحدد أنواع الحركة القامة مشيرا إلى أن الحركة التي يقدمها المؤلف واللازمة في سير القصة، كذلك التي يقدمها المخرج ابتغاء التأكيد والتنوع والتعبير المزاجي، وأنواع الحركة أولا: القصة وهي الحركات الواضحة للحدث الضروري في تطوير القصة وهي تغطي حركات دخول وخروج الشخصيات في المشاهد والتحرك إلى نافذة للتطلع والتحرك لإخفاء أشياء وتقديم الطعام والشراب وحركات الرقص والشجار والمعارك. ثانيا الخلفية: وحركة الطبيعة وحركة الإضاء وهذه هي الحركات التي تحدد المكان والموقع والجو العام لتحقيق التكامل لمشاهد تدور في الشارع أو على سطح سفينة أو في بهو فندق أو حفل استقبال أو موقع بناء أو مصنع وغيرها، تناوب الليل والنهار، حركة الإضاءة تضاء وتطفأ والانعكاسات.
كل لقطة جزء من العالم
ورأى بدرخان أنه في الأفلام الواقعية لا بد أن يكون لكل حركة دافع بطريقة أو بأخرى، كما أن حركات الخلفية ينبغي أن يكون لها متابعة حركية هي الأخرى. وقال إن الحركة التي تتم كنتيجة لتصميم أساسي: التصميم الأساسي يمتد عادة ليشمل فصلا بأكمله من فصول الفيلم، أو أحد التتابعات التي تضم عددا من المشاهد التي يربطها موقف واحد، ولا يقتصر على مشهد واحد، وللوصول إلى التصميم الأساسي فإننا نحدد أولا معنى الفصل أو التتابعات، ثم نترجم هذا إلى مناطق ومستويات ومسطحات وخطوط وتأكيد وما إلى ذلك، بحيث يكون معبرا عن الفكرة، فإذا ترجم ذلك إلى حركة فإنه يعطي التصميم بالنسبة للفعل الرئيس في هذا الجزء أو الفيلم كله.
وأوضح بدرخان أن كل لقطة في الفيلم تعكس جزءا من العالم أو تعبر عنه، إن المخرج إذا يركب لقطته ويضع الممثلين والمواد داخلها، وهو إذ يبني اللقطة يبدو كمن يستوعب الحياة ويعيد إحياء جزء من الحياة على الشاشة.
وأضاف أن العمل الإبداعي الرئيسي بالنسبة لخلق الفيلم يتم إلى حد كبير عند كتابة السيناريو الإخراجي، حيث تتحدد فيه فكرة المخرج الأولية، إن هذه الفكرة تكتب باقتصاد شديد يضاف بالحروف والرموز والأرقام التي تذكر المخرج طوال الوقت باللقطات، وما عليه أن يأخذه بعين الاعتبار عند التنفيذ، فالسيناريو الإخراجي المصنوع جيدا يعطي تصورا واضحا عن الفيلم الذي سينفذ، وكلما كانت كتابة السيناريو الإخراجي أدق كان تحليل العمل أكثر عمقا، وسهل فيما بعد تحقيق الفكرة في موقع التصوير.
يجب أن تنشأ أثناء قراءة السيناريو الإخراجي فكرة واضحة عن لقطات الفيلم وتكون الأحداث محددة بدقة في السيناريو الأدبي، غير أنها يجب أن تمتلك أشكالا سينمائية واضحة في السيناريو الإخراجي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.