وزير التموين: السيطرة على الفساد سواء في الدعم العيني أو النقدي شغلنا الشاغل    خريف 2024.. تقلبات جوية ودرجات حرارة غير مسبوقة هل تتغير أنماط الطقس في 2024؟    تعرف على شروط مسابقة التأليف بمهرجان الرواد المسرحي    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي ممثلي عدد من الشركات الفرنسية المهتمة بالاستثمار في مصر    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    إبراهيم عيسى: السودانيين زي ما بيتخانقوا في الخرطوم بيتخانقوا في فيصل    بايدن يواصل تعزيز قيود اللجوء لمواجهة الانتقادات الخاصة بالحدود    طوني خليفة: لبنان مقسم لعدة فرق.. ومن يحميها هو الذي يتفق على رأسها    "أوتشا": العوائق الإسرائيلية تعرقل استعداداتنا لموسم الأمطار بغزة    استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مبنى سكني في غزة    القضية الفلسطينية..حسن نصرالله دفع حياته ثمنًا لها وبن زايد سخر طاقاته لتصفيتها وبن سلمان لا تعنيه    عادل عبد الرحمن: تعيين الأهلي محمد رمضان مديرا رياضيا «ليس قرارا انفعاليا»    نجم الأهلي يتخذ قرارًا مفاجئًا بالرحيل (تفاصيل)    مدرب الزمالك: احتفال ربيعة وعمر كمال حفزنا أكثر للفوز على الأهلى    رونالدو: هدفي في الريان له طعم مختلف..«يوم عيد ميلاد والدي»    توفيق السيد: محمد فاروق هو الأحق برئاسة لجنة الحكام    خالد عبد الفتاح يطلب الرحيل عن الأهلي وكولر يناقش القرار مع لجنة الكرة    160 جنيهًا تراجع مفاجئ.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 1 أكتوبر 2024 في مصر «بيع وشراء»    دخلت بها ولم أرى أثر.. نص تحقيقات النيابة العامة في مقتل عروس أسيوط علي يد عريسها    ما حقيقة إلغاء منهج الفيزياء وتغيير منهج الأحياء لطلاب تانية ثانوية؟.. مصدر بالتعليم يجيب    وكيل تضامن الشيوخ: كفاءة برامج الدعم النقدي المباشر للمواطنين أثبتت كفاءة أعلى    "المهاجر إلى الغد.. السيد حافظ خمسون عامًا من التجريب في المسرح والرواية" كتاب جديد ل أحمد الشريف    مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء القادم    أستاذ دراسات إيرانية: المجتمع الإيراني راض عن اغتيال حسن نصر الله لأن جزءا كبيرا من دخل البلاد كان يوجه لحزب الله    السيطرة علي حريق شب في شقة بالمطرية    أماكن سقوط الأمطار غدا على 14 محافظة.. هل تصل إلى القاهرة؟    محمد الشامي: لم أحصل على مستحقاتي من الإسماعيلي    الموافقة على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني يوم السبت بالإسماعيلية    برج الميزان.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: تواصل مع الزملاء في العمل    برج العقرب.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: احرص على دراسة الأمور جيدا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: واجه التحديات الجديدة    «وحشتوني».. محمد محسن يشوّق جمهوره لحفله بمهرجان الموسيقى العربية    «هيئة الدواء» تعلن ضخ كميات من أدوية الضغط والسكر والقلب والأورام بالصيدليات    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    كيفية التحقق من صحة القلب    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    مباشر أبطال آسيا - النصر (0)-(0) الريان.. انطلاق المباراة    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق بمدينة نصر    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازك الملائكة.. ومسار التغيير
نشر في صوت البلد يوم 15 - 03 - 2017

في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .
في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.