أسعار الذهب اليوم في ختام التعاملات المسائية.. اعرف آخر تحديث    عاجل.. انفجارات في تل أبيب وهجوم جديد بالطائرات المسيرة    نجوم 21 فرقة تضىء مهرجان «الإسماعيلية للفنون الشعبية»    موعد عرض الحلقة 15 من مسلسل برغم القانون.. «ليلى» تكتشف مخبأ أولادها    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    أمل جديد لمرضى القلب.. تصوير مقطعي لتقييم تدفق الدم    تعرف على أسباب استبعاد إمام عاشور من قائمة منتخب مصر    درجات الحرارة بمدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى في القاهرة 30    أمريكا...عضو بمجلس الاحتياط الاتحادي يؤكد استمرار مشكلة التضخم    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    واشنطن تعلق على قرار إسرائيل إعلان جوتيريش "شخصا غير مرغوب فيه"    أول تعليق من صلاح بعد قيادة ليفربول للفوز على بولونيا    ملف يلا كورة.. مواعيد مباريات السوبر المصري.. مفاوضات الزمالك مع راموس.. وتألق صلاح    جيش الاحتلال يشن 3 غارات على الضاحية الجنوبية في بيروت    حبس سائقي ميكروباص لقيامهم بالسير برعونة بالقاهرة    حقيقة مقتل النائب أمين شري في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    حرب أكتوبر.. اكتئاب قائد المظلات الإسرائيلي بعد فقد جنوده أمام كتيبة «16 مشاة»    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    وكالة مرموش تكشف تطورات مستقبله مع فرانكفورت بعد وصول عروض مغرية    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    عيار 21 الآن بعد الارتفاع.. أسعار الذهب اليوم الخميس 3 أكتوبر بالصاغة (عالميًا ومحليًا)    رئيس مياه دمياط يؤكد ضرورة تطبيق أفضل نظم التشغيل بالمحطات لتقديم خدمة متميزة للمواطنين    حدث ليلا| حقيقة زلزال المعادي.. وحقوق المنوفية توضح تفاصيل واقعة سب أستاذ للطلاب بألفاظ نابية    قتلت زوجها بمساعدة شقيقه.. الجنايات تستكمل محاكمة "شيطانة الصف" اليوم    ضبط 400 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    ضبط تشكيل عصابي بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بطوخ بالقليوبية    جلسة نقاشية لأمانة الشئون النيابية بحماة الوطن بشأن أجندة التشريعات المرتقبة    نشرة التوك شو| الزراعة تتصدى لارتفاع أسعار البيض والبطاطس.. وتأثر النفط والذهب بالضربات الإيرانية    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 3 أكتوبر.. «ثق بغرائزك واتبع مشاعرك الصادقة»    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 3 أكتوبر.. «فرصة لإعادة تقييم أهدافك وطموحاتك»    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    "يد الأهلي ضد برشلونة وظهورعبدالمنعم".. مواعيد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    مدرب الزمالك مواليد 2005 يشيد بلاعبيه بعد الفوز على سيراميكا كليوباترا    دمياط.. انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية بقرية شرمساح    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    انتى لستِ أمه.. 4 نوعيات من النساء ينفر منهن الرجال (تعرفي عليهن)    الأحد المقبل.. وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة بحفل موسيقي غنائي (تفاصيل)    استطلاع: هاريس تتقدم على ترامب في 7 ولايات متأرجحة    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    خبير علاقات دولية: مجلس الأمن تحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    زوجة دياب تمازحه بال«وزة» ..وتعلق :«حققت امنيتي»    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الخميس 3 أكتوبر 2024    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024    رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارا بندب الدكتور حسام الفل عميدا لمعهد الأورام    «رجعناهم بالبيجامات الكستور».. تعليق مهم من أحمد موسى في ذكرى انتصار أكتوبر    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزهرة رميج وعودة الاهتمام النقدي بالقصة القصيرة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2017

تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن
تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.