شيعت مصر الشاعر الراحل سيد حجاب (سبتمبر/أيلول 1940 يناير/كانون الثاني 2017)، الذي رحل عمر ناهز 77 عاما بعد صراع مع المرض. يعتبر حجاب من كبار شعراء العامية في مصر والوطن العربي، ولد في محافظة الدقهلية في مدينة المطرية في 23 سبتمبر/أيلول1940 والتحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية 1956 ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة هندسة التعدين في 1958. وكان حجاب يقول دائما إن والده هو أول من تعلم منه الشعر وأحبه، وكان يعتبره بمثابة معلمه الأول، حينما كان يراه في جلسات المصطبة الشعرية وهو يلقي الشعر على الصيادين. لنشأة سيد حجاب في المطرية تأثير كبير في شعره، وبدا ذلك واضحا منذ ديوانه الأول «صياد جنيه» لأن مدينته مدينة صيادين وهي تقع على بحيرة المنزلة. كانت بدايته في الستينيات عندما قام الشاعر صلاح جاهين بنشر قصيدة «ابن بحر» في باب كان يحرره في مجلة «صباح الخير» اسمه (شاعر جديد يعجبني). وقال في تقديم صاحب القصيدة الشاعر الشاب سيد حجاب: «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، ولو كان هناك حب من اللحظة الأولى، أكون أنا قد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة.. اسمه (سيد حجاب) تذكروا هذا الاسم فإنه سيعيش طويلاً فى حياتنا المقبلة وسيكون له شأن عظيم». وفي عام 1964 صدر أول ديوان لسيد حجاب بعنوان «صياد وجنية» وبعدها انتقل للإذاعة من خلال مجموعة من البرامج الإذاعية الشعرية منها «بعد التحية والسلام» و»عمار يا مصر» و»أوركسترا». وكان الأبنودي يقدم معه برنامج «بعد التحية والسلام» بالتناوب بينهما. وقدمه صلاح جاهين لكرم مطاوع وكتب له مسرحية «حدث في أكتوبر». كما شارك حجاب في الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأعمال التلفزيونية والسينمائية. وتميز الشاعر سيد حجاب في مجال كتابة الأغنية وغنى له كثير من المطربين مثل، عفاف راضي وعلي الحجار وسميرة سعيد ومحمد منير وصفاء أبو السعود وعبد المنعم مدبولي وفرقة الأصدقاء. كما كتب أيضا العديد من الفوازير لشريهان، إلى جانب العديد من تترات المسلسلات التي تمثل علامات في تاريخ الدراما المصرية مثل «الأيام» و»ليالي الحلمية» و»بوابة الحلواني» و»أرابيسك» و»المال والبنون» وغيرها من الأعمال التي ما زالت تعيش في أذهان الناس. كما شارك حجاب في إصدار مجلة «غاليري 68» ونشر فيها بعض الدراسات والأشعار، كما تميز بكتاباته للأطفال وأصدر عدة كتب في مجلتى «سمير» و»ميكي» في الفترة من 1964 إلى 1967. وبعد فترة طويلة من صدور ديوانه الأول « صياد وجنية» أصدر الأعمال الشعرية الكاملة الجزء الأول 1986. و»مختارات سيد حجاب» 2005. ومن أعماله المسجلة في الإذاعة والتلفزيون: «سلوا قلبي» وقصيدة «السلم والكرسي» وقصيدة «زي الهوا». وكان قد تنبأ بثورة 25 يناير/كانون الثاني في قصيدة «قبل الطوفان الجاي» وشارك في كتابة الدستور الحالي لمصر. وقد حصل سيد حجاب على جائزة كفافيس عن مجمل أعماله، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية تقديرا لمجهوداته الشعرية والأدبية. مسيرة حجاب الأدبية امتداد للشعراء المصريين الذين أثروا الحياة الفكرية والثقافية، لكنه يمتاز عنهم بلغته التي تقترب من الحس الشعبي، والتي أصبحت ضمن مفردات وأمثلة الشعب المصري، وهو أقصى ما يطمح إليه الفنان. ولا نستطيع في متابعة صحافية يحددها الوقت وسرعته أن نعالج مشوار الشاعر ، وسنكتفي بعرض بعض من آراء المثقفين المصريين، كذلك لمحة من حياته وسيرته الذاتية. شاعر الوجدان الشعبي بداية يرى الناقد والروائي حمدي إبراهيم أن سيد حجاب يوصف بأنه من جيل الستينيات، هذا الجيل الذي أنضجت وعيه حركات التحرر والنضال الكبرى، وانسجم كشاعر في مدارس شعرية متعددة، ومارس أيضا بُعداً إيديولوجيا باعتبار أن السياسة ممارسة لوقت، لكنه انحاز للفن واتخذ من القصيدة الغنائية محرابا للتعبير عن المِحَن. يوصف بالشاعر الغنائي الكبير، ويوصف أيضا بشاعر القصيدة العامية المعاصرة، التي اتخذت النثر العامي بجمالياته ونكهته لتضيف إلى منجز قصيدة العامية المصرية. فهو ومعه الشاعر فؤاد قاعود من الجيل الذي أنضج القصيدة أكثر وكان بعطائه الشعري محرضا للكثير من شعراء العامية في الجيل التالي، وهو جيل السبعينيات، مثل محمد كشيك ويسري العزب وعبد الدايم الشاذلي وسلامة عيسى وغيرهم. ويضيف إبراهيم.. تميزت أشعار سيد حجاب بالبحث في لغة الحياة اليومية، والاعتماد على المعطى التراثي والقيمي والاحتفاء بالوجدان الشعبي مع المفارقات التصويرية التي تظهر متتابعة في بعض الدواوين. من ناحية أخرى أفاد سيد حجاب من فؤاد حداد الاحتفاء باللغة حيث جوهر الإيحائية والرمز والنبرة الغنائية وتوظيف التراث وآلية السرد الحاضرة، وعنده تحولت اللغة إلى أيقونات لفظية حافلة بالمشاهد البصرية والتمثيلية. ويرى إبراهيم أنه على الرغم من الشاعرية التي امتاز بها هؤلاء الشعراء يبقى الإنصات إلى منجزهم الإبداعي بعيدا عن مجال التخصص بالدرس والبحث الأكاديمي، ثمة ابتعاد متعمد بين هذا المنجز ورواده وبين الحقل البحثي المفعم بالتدقيق والتمحيص. نمارس فعل الابتعاد بدعوى الترفع، ونشكو من ابتعاد ما نقدم عن جوهر ما هو موجود. إنها أزمة الثقافة العربية الكبرى، التي كان ولا يزال سيد حجاب وأبناؤه من أفضل المعبرين عنها وعن تناقضها. الجانب الجمالي والثوري ومن جانبه يرى المخرج السينمائي باسل رمسيس، أن سيد حجاب هو الشاعر الذي ساهم في تربية وجدان أجيال من المصريين. عن طريق شعره المليء بالموسيقى، والبعيد عن المباشرة والصوت الزاعق. وأعتقد أنه كان يهتم بتربية الوجدان أكثر من إشهار موقف سياسي، دون أن ينفي ذلك تمجيده لقيم أساسية مثل الحرية طوال مسيرته الفنية والإبداعية. إلا أن سيد حجاب آخر ظهر مع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، الأب صاحب الإحساس بالمسؤولية، محاولاً مشاركة أولاده مسيرتهم، وأن ينير لهم الطريق أمام موقفه من مشاركته في لجنة الدستور وكتبة ديباجته، فهو لا يحب الاقتراب من السلطة وفعل ذلك بمنطق الإحساس بالمسؤولية. وبغض النظر عن صواب هذه الخطوة، فهي مسألة تقديرية وانسحب بعدها فعلاً، هذا الانسحاب لا تخفى دلالته، وسيظل هو (الشاعر العظيم اللي ربانا وربي وجداننا). صوت مُجدد في شكل القصيدة المصرية وفي الأخير يرى كاتب السيناريو والروائي أشرف نصر، أن الشاعر الراحل منذ ديوانه الأول «صياد وجنية» تجلى دوره البارز في مسار شعر العامية والتخلص من ظلال الزجل عبر الابتعاد عن اللمحة الساخرة وعدم الانشغال بالضحك أو النكتة اللاذعة واستبدال ذلك بالنحت في جذور المفردات العامية وتطعيمها بمفردات الفصحى ليصل لقصيدته المتفردة، حتى كنت أتصور أحيانا أنه شاعر فصحى ضل طريقه للعامية. ويضيف نصر قائلاً.. يمكنني التوقف عند ملمح فارق في الدراما التلفزيونية ودوره في تشكيل وجدان المصريين. فهو علامة مؤثرة في تترات المسلسلات مع رفيق دربه الموسيقار عمار الشريعي. حجاب عادة لم يكن يتحدث بشكل مباشر عن شخصيات العمل الدرامي ولا ينشغل بعنوان المسلسل ليصنع منه أغنية، كما يفكر البعض بشكل تقليدي، بل يسعى أولا للمقولة خلف العمل الدرامي، ثم يقوم بتقطير كل مشاهد السيناريو ليخرج بما وراء الكتابة كي يمكنه أن يبحث حول فلسفة الحياة بشكل عام. وعندما يقدم أغاني داخلية يسعى فيها للتوحد مع الشخصية في الموقف الدرامي ثم ينطلق لخلاصة عامة، ربما في مسلسل «الأيام» كانت الفرصة الذهبية لسيد حجاب عبر شخصية بثراء طه حسين، لتقديم مجموعة من الأغاني القصيرة شديدة الثراء، سواء من الناحية الفلسفية الوجودية أو عبر اللغة وتطويعها لطرح معاناة الشخصية وموقفها في الحياة. وفي تجربة أخرى مثل مسلسل «الوسية» نعرف لماذا عاشت واستمرت رغم أن أحداث المسلسل عن فترة الحكم الملكي، لأن أغاني سيد حجاب تعاملت مع الظلم والمقاومة بشكل مطلق، وظلت نموذجا للأغنية السياسية الصالحة لأي زمن، مع اللمسة الإنسانية التي تمس الشخصية في العمل الدرامي وتمس الإنسان بشكل عام. يقول سيد حجاب في «الأيام»: «الدنيا قدامي عتمة وأنا ماشي عارف طريقي والعتمة ع القلب كاتمة لكن طريقي صديقي والله يا دنيا يا عورا يا عميا القلب والله لأطير كمثل النسورا واضوي كما الشمس طاله». الإعلامي كمال القاضي قال في شهادته عن الراحل: ورث الصبي الصغير سيد حجاب موهبة الشعر عن أبيه، الذي كان يكتب القصائد ويلقيها على الصيادين على ضفاف بحيرة المنزلة، فتركت القصائد آثارها الوجدانية في نفس الابن الصغير، فصار متعلقاً بالشعر وسرعان ما كتبه وهو لا يزال في طور التكوين، فوق سن الطفولة بقليل. ومن العجب أن يبدأ حجاب أولى تجاربه الشعرية بقصيدة حماسية نظمها متأثراً باستشهاد أحد الأبطال واسمه نبيل، قتله الإنكليز في واحدة من مظاهرات الطلاب أثناء فترة احتلالهم لمصر، وقد تأثر الشاعر الصغير بهذه الحادثة تأثراً بالغاً، فتشكل وعيه السياسي مبكراً جداً، فانضم إلى حزب «مصر الفتاة» وأسهم في العمل العام بشكل إيجابي، وارتبط الشعر لديه بالمقاومة، حيث آمن بالقصيدة كعنصر مقاتل لديه القدرة على التأثير والتغيير، ما انعكس في معظم قصائده بشكل واضح وأصبح سمة أساسية في أبياته وصوره الشعرية. كان أول ديوان للشاعر الراحل سيد حجاب دالاً على انتمائه للبيئة التي نشأ فيها، فقد اختار له عنوان «صياد وجنية» ليرمز به إلى مجتمع الصيادين وواقعهم المرتبط بالحلم والطبيعة الهادئة وخصائص الصبر والانتظار الطويل على الرزق الآتي من أعماق البحيرة بلا موعد، فهو القوت الضروري المتغير بتغير الأحوال والظروف، لقد تحولت هذه المعاني إلى صور وقوافي في قصائد العامية الضاربة على أوتار الوجع والاحتياج عند الصيادين البسطاء. بيبلوغرافيا : ولد الشاعر سيد حجاب في محافظة الدقهلية في 23 سبتمبر/أيلول عام 1940، والتحق بكلية الهندسة، قسم العمارة، جامعة الإسكندرية عام 1956 ثم انتقل إلى جامعة القاهرة لدراسة هندسة المناجم عام 1958 ولم يكمل دراسته بها، وانصرف إلى كتابة الشعر العامي المصري. كتب حجاب للأطفال في مجلتي «سمير» و«ميكي» في الفترة من عام 1964 إلى عام 1967، كما شارك في إصدار مجلة «غاليري 68». وشارك حجاب في كتابة ديباجة الدستور المصري عام 2014. وحصل الشاعر على العديد من الجوائز كان أبرزها جائزة «كفافيس» الدولية في الشعر عام 2005 عن مجمل أعماله، كما كرمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين باعتباره أحد رموز الشعر الشعبي في العالم العربي، إضافة إلى حصولة على جائزة الدولة التقديرية عام 2013. شيعت مصر الشاعر الراحل سيد حجاب (سبتمبر/أيلول 1940 يناير/كانون الثاني 2017)، الذي رحل عمر ناهز 77 عاما بعد صراع مع المرض. يعتبر حجاب من كبار شعراء العامية في مصر والوطن العربي، ولد في محافظة الدقهلية في مدينة المطرية في 23 سبتمبر/أيلول1940 والتحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية 1956 ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة هندسة التعدين في 1958. وكان حجاب يقول دائما إن والده هو أول من تعلم منه الشعر وأحبه، وكان يعتبره بمثابة معلمه الأول، حينما كان يراه في جلسات المصطبة الشعرية وهو يلقي الشعر على الصيادين. لنشأة سيد حجاب في المطرية تأثير كبير في شعره، وبدا ذلك واضحا منذ ديوانه الأول «صياد جنيه» لأن مدينته مدينة صيادين وهي تقع على بحيرة المنزلة. كانت بدايته في الستينيات عندما قام الشاعر صلاح جاهين بنشر قصيدة «ابن بحر» في باب كان يحرره في مجلة «صباح الخير» اسمه (شاعر جديد يعجبني). وقال في تقديم صاحب القصيدة الشاعر الشاب سيد حجاب: «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، ولو كان هناك حب من اللحظة الأولى، أكون أنا قد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة.. اسمه (سيد حجاب) تذكروا هذا الاسم فإنه سيعيش طويلاً فى حياتنا المقبلة وسيكون له شأن عظيم». وفي عام 1964 صدر أول ديوان لسيد حجاب بعنوان «صياد وجنية» وبعدها انتقل للإذاعة من خلال مجموعة من البرامج الإذاعية الشعرية منها «بعد التحية والسلام» و»عمار يا مصر» و»أوركسترا». وكان الأبنودي يقدم معه برنامج «بعد التحية والسلام» بالتناوب بينهما. وقدمه صلاح جاهين لكرم مطاوع وكتب له مسرحية «حدث في أكتوبر». كما شارك حجاب في الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأعمال التلفزيونية والسينمائية. وتميز الشاعر سيد حجاب في مجال كتابة الأغنية وغنى له كثير من المطربين مثل، عفاف راضي وعلي الحجار وسميرة سعيد ومحمد منير وصفاء أبو السعود وعبد المنعم مدبولي وفرقة الأصدقاء. كما كتب أيضا العديد من الفوازير لشريهان، إلى جانب العديد من تترات المسلسلات التي تمثل علامات في تاريخ الدراما المصرية مثل «الأيام» و»ليالي الحلمية» و»بوابة الحلواني» و»أرابيسك» و»المال والبنون» وغيرها من الأعمال التي ما زالت تعيش في أذهان الناس. كما شارك حجاب في إصدار مجلة «غاليري 68» ونشر فيها بعض الدراسات والأشعار، كما تميز بكتاباته للأطفال وأصدر عدة كتب في مجلتى «سمير» و»ميكي» في الفترة من 1964 إلى 1967. وبعد فترة طويلة من صدور ديوانه الأول « صياد وجنية» أصدر الأعمال الشعرية الكاملة الجزء الأول 1986. و»مختارات سيد حجاب» 2005. ومن أعماله المسجلة في الإذاعة والتلفزيون: «سلوا قلبي» وقصيدة «السلم والكرسي» وقصيدة «زي الهوا». وكان قد تنبأ بثورة 25 يناير/كانون الثاني في قصيدة «قبل الطوفان الجاي» وشارك في كتابة الدستور الحالي لمصر. وقد حصل سيد حجاب على جائزة كفافيس عن مجمل أعماله، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية تقديرا لمجهوداته الشعرية والأدبية. مسيرة حجاب الأدبية امتداد للشعراء المصريين الذين أثروا الحياة الفكرية والثقافية، لكنه يمتاز عنهم بلغته التي تقترب من الحس الشعبي، والتي أصبحت ضمن مفردات وأمثلة الشعب المصري، وهو أقصى ما يطمح إليه الفنان. ولا نستطيع في متابعة صحافية يحددها الوقت وسرعته أن نعالج مشوار الشاعر ، وسنكتفي بعرض بعض من آراء المثقفين المصريين، كذلك لمحة من حياته وسيرته الذاتية. شاعر الوجدان الشعبي بداية يرى الناقد والروائي حمدي إبراهيم أن سيد حجاب يوصف بأنه من جيل الستينيات، هذا الجيل الذي أنضجت وعيه حركات التحرر والنضال الكبرى، وانسجم كشاعر في مدارس شعرية متعددة، ومارس أيضا بُعداً إيديولوجيا باعتبار أن السياسة ممارسة لوقت، لكنه انحاز للفن واتخذ من القصيدة الغنائية محرابا للتعبير عن المِحَن. يوصف بالشاعر الغنائي الكبير، ويوصف أيضا بشاعر القصيدة العامية المعاصرة، التي اتخذت النثر العامي بجمالياته ونكهته لتضيف إلى منجز قصيدة العامية المصرية. فهو ومعه الشاعر فؤاد قاعود من الجيل الذي أنضج القصيدة أكثر وكان بعطائه الشعري محرضا للكثير من شعراء العامية في الجيل التالي، وهو جيل السبعينيات، مثل محمد كشيك ويسري العزب وعبد الدايم الشاذلي وسلامة عيسى وغيرهم. ويضيف إبراهيم.. تميزت أشعار سيد حجاب بالبحث في لغة الحياة اليومية، والاعتماد على المعطى التراثي والقيمي والاحتفاء بالوجدان الشعبي مع المفارقات التصويرية التي تظهر متتابعة في بعض الدواوين. من ناحية أخرى أفاد سيد حجاب من فؤاد حداد الاحتفاء باللغة حيث جوهر الإيحائية والرمز والنبرة الغنائية وتوظيف التراث وآلية السرد الحاضرة، وعنده تحولت اللغة إلى أيقونات لفظية حافلة بالمشاهد البصرية والتمثيلية. ويرى إبراهيم أنه على الرغم من الشاعرية التي امتاز بها هؤلاء الشعراء يبقى الإنصات إلى منجزهم الإبداعي بعيدا عن مجال التخصص بالدرس والبحث الأكاديمي، ثمة ابتعاد متعمد بين هذا المنجز ورواده وبين الحقل البحثي المفعم بالتدقيق والتمحيص. نمارس فعل الابتعاد بدعوى الترفع، ونشكو من ابتعاد ما نقدم عن جوهر ما هو موجود. إنها أزمة الثقافة العربية الكبرى، التي كان ولا يزال سيد حجاب وأبناؤه من أفضل المعبرين عنها وعن تناقضها. الجانب الجمالي والثوري ومن جانبه يرى المخرج السينمائي باسل رمسيس، أن سيد حجاب هو الشاعر الذي ساهم في تربية وجدان أجيال من المصريين. عن طريق شعره المليء بالموسيقى، والبعيد عن المباشرة والصوت الزاعق. وأعتقد أنه كان يهتم بتربية الوجدان أكثر من إشهار موقف سياسي، دون أن ينفي ذلك تمجيده لقيم أساسية مثل الحرية طوال مسيرته الفنية والإبداعية. إلا أن سيد حجاب آخر ظهر مع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، الأب صاحب الإحساس بالمسؤولية، محاولاً مشاركة أولاده مسيرتهم، وأن ينير لهم الطريق أمام موقفه من مشاركته في لجنة الدستور وكتبة ديباجته، فهو لا يحب الاقتراب من السلطة وفعل ذلك بمنطق الإحساس بالمسؤولية. وبغض النظر عن صواب هذه الخطوة، فهي مسألة تقديرية وانسحب بعدها فعلاً، هذا الانسحاب لا تخفى دلالته، وسيظل هو (الشاعر العظيم اللي ربانا وربي وجداننا). صوت مُجدد في شكل القصيدة المصرية وفي الأخير يرى كاتب السيناريو والروائي أشرف نصر، أن الشاعر الراحل منذ ديوانه الأول «صياد وجنية» تجلى دوره البارز في مسار شعر العامية والتخلص من ظلال الزجل عبر الابتعاد عن اللمحة الساخرة وعدم الانشغال بالضحك أو النكتة اللاذعة واستبدال ذلك بالنحت في جذور المفردات العامية وتطعيمها بمفردات الفصحى ليصل لقصيدته المتفردة، حتى كنت أتصور أحيانا أنه شاعر فصحى ضل طريقه للعامية. ويضيف نصر قائلاً.. يمكنني التوقف عند ملمح فارق في الدراما التلفزيونية ودوره في تشكيل وجدان المصريين. فهو علامة مؤثرة في تترات المسلسلات مع رفيق دربه الموسيقار عمار الشريعي. حجاب عادة لم يكن يتحدث بشكل مباشر عن شخصيات العمل الدرامي ولا ينشغل بعنوان المسلسل ليصنع منه أغنية، كما يفكر البعض بشكل تقليدي، بل يسعى أولا للمقولة خلف العمل الدرامي، ثم يقوم بتقطير كل مشاهد السيناريو ليخرج بما وراء الكتابة كي يمكنه أن يبحث حول فلسفة الحياة بشكل عام. وعندما يقدم أغاني داخلية يسعى فيها للتوحد مع الشخصية في الموقف الدرامي ثم ينطلق لخلاصة عامة، ربما في مسلسل «الأيام» كانت الفرصة الذهبية لسيد حجاب عبر شخصية بثراء طه حسين، لتقديم مجموعة من الأغاني القصيرة شديدة الثراء، سواء من الناحية الفلسفية الوجودية أو عبر اللغة وتطويعها لطرح معاناة الشخصية وموقفها في الحياة. وفي تجربة أخرى مثل مسلسل «الوسية» نعرف لماذا عاشت واستمرت رغم أن أحداث المسلسل عن فترة الحكم الملكي، لأن أغاني سيد حجاب تعاملت مع الظلم والمقاومة بشكل مطلق، وظلت نموذجا للأغنية السياسية الصالحة لأي زمن، مع اللمسة الإنسانية التي تمس الشخصية في العمل الدرامي وتمس الإنسان بشكل عام. يقول سيد حجاب في «الأيام»: «الدنيا قدامي عتمة وأنا ماشي عارف طريقي والعتمة ع القلب كاتمة لكن طريقي صديقي والله يا دنيا يا عورا يا عميا القلب والله لأطير كمثل النسورا واضوي كما الشمس طاله». الإعلامي كمال القاضي قال في شهادته عن الراحل: ورث الصبي الصغير سيد حجاب موهبة الشعر عن أبيه، الذي كان يكتب القصائد ويلقيها على الصيادين على ضفاف بحيرة المنزلة، فتركت القصائد آثارها الوجدانية في نفس الابن الصغير، فصار متعلقاً بالشعر وسرعان ما كتبه وهو لا يزال في طور التكوين، فوق سن الطفولة بقليل. ومن العجب أن يبدأ حجاب أولى تجاربه الشعرية بقصيدة حماسية نظمها متأثراً باستشهاد أحد الأبطال واسمه نبيل، قتله الإنكليز في واحدة من مظاهرات الطلاب أثناء فترة احتلالهم لمصر، وقد تأثر الشاعر الصغير بهذه الحادثة تأثراً بالغاً، فتشكل وعيه السياسي مبكراً جداً، فانضم إلى حزب «مصر الفتاة» وأسهم في العمل العام بشكل إيجابي، وارتبط الشعر لديه بالمقاومة، حيث آمن بالقصيدة كعنصر مقاتل لديه القدرة على التأثير والتغيير، ما انعكس في معظم قصائده بشكل واضح وأصبح سمة أساسية في أبياته وصوره الشعرية. كان أول ديوان للشاعر الراحل سيد حجاب دالاً على انتمائه للبيئة التي نشأ فيها، فقد اختار له عنوان «صياد وجنية» ليرمز به إلى مجتمع الصيادين وواقعهم المرتبط بالحلم والطبيعة الهادئة وخصائص الصبر والانتظار الطويل على الرزق الآتي من أعماق البحيرة بلا موعد، فهو القوت الضروري المتغير بتغير الأحوال والظروف، لقد تحولت هذه المعاني إلى صور وقوافي في قصائد العامية الضاربة على أوتار الوجع والاحتياج عند الصيادين البسطاء. بيبلوغرافيا : ولد الشاعر سيد حجاب في محافظة الدقهلية في 23 سبتمبر/أيلول عام 1940، والتحق بكلية الهندسة، قسم العمارة، جامعة الإسكندرية عام 1956 ثم انتقل إلى جامعة القاهرة لدراسة هندسة المناجم عام 1958 ولم يكمل دراسته بها، وانصرف إلى كتابة الشعر العامي المصري. كتب حجاب للأطفال في مجلتي «سمير» و«ميكي» في الفترة من عام 1964 إلى عام 1967، كما شارك في إصدار مجلة «غاليري 68». وشارك حجاب في كتابة ديباجة الدستور المصري عام 2014. وحصل الشاعر على العديد من الجوائز كان أبرزها جائزة «كفافيس» الدولية في الشعر عام 2005 عن مجمل أعماله، كما كرمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين باعتباره أحد رموز الشعر الشعبي في العالم العربي، إضافة إلى حصولة على جائزة الدولة التقديرية عام 2013.