تمتلك الفنانة اللبنانية لونا معلوف تقنية عالية مكنتها من خوض غمار التشكيل من الباب العريض، تجلى في معظم لوحاتها المختلفة الأحجام والمشغولة بمواد مختلفة، حسّ لوني شفاف وقدرة على المزج ما بين مستويات الألوان وبراعة في تقديم مشاهد أو تفاصيل مدينية في تداخلها مع بعضها البعض تشكيليا إن من حيث الخطوط والأشكال، أو من حيث مدى عمق اللون وشفافيته. سيلاحظ مشاهد معرض لونا معلوف المقام حاليا بصالة “آرت أون 56 ستريت” البيروتية والمعنون ب”حنين الغد” حضورا لافتا للمرأة بشكل خاص وللإنسان والمدينة بشكل عام، وهو عنصر متفاعل معها وإن بدا للوهلة الأولى أنه مجرد متفرج على مشهد من مشاهدها الغزيرة. ومن أكثر اللوحات التي تعبّر عن ذلك، اللوحة التي تصوّر فيها الفنانة رجلا يعتمر قبعة، ويجلس في الفراغ على حافة شرفة ما، رجلا أدار لنا ظهره وبدا منغمسا في تأمله لجانب من المدينة. في هذه اللوحة بالذات برعت الفنانة باستجلاب المشهد المديني إلى ثنايا قميص الرجل وبشعرية كبيرة، حتى أن ثمة مشهدا لبحر (لا بد أن يكون البحر الأبيض المتوسط) وقارب يطوف على سطحه، قد اتشح قميصه الأبيض بشفافية عالية، فلم يعد بإمكان الناظر إلى اللوحة أن يحدد ماهية المدينة: هل هي المنظور إليها، أم هي الرجل الناظر إليها؟ تحمل هذه اللوحة عنوان المعرض “حنين الغد”. وفي المعرض لوحة أخرى تسيطر على مرافقها امرأة جسدتها لونا معلوف ما بين تشكيل نوراني يخفي كآبة ما، وحضور طاغ شكلته مادية الألوان التي ستتساقط كقطرات من هيئتها. ظهرت المرأة في هذه اللوحة وكأنها محلول لونيّ لا يزال يبحث عن تجسيد واضح المعالم، وهذا بالرغم من أن عنوانها “استعادة” يحسم أي جدل حول عدم نهائية هيئة، أو نضوج المرأة، داخليا وخارجيا. ما من أحد لا يقرّ بأن الشغف والموهبة الفنية لا يكفيان لكي يصل الفنان إلى مراتب عالية في التشكيل، التجربة والمُمارسة الفنية مهمتان أيضا، كذلك المعرفة في أصول الرسم والتلوين. من الواضح أن لونا معلوف تمتلك جميع هذه العناصر التي تؤهلها إلى تطوير نصها التشكيلي أكثر فأكثر، يُذكر أن الفنانة هي ابنة الفنان والمنظر اللبناني ألفريد معلوف، ولكن ربما كونها أستاذة رسم وتصوير وفن معماري وطباعة على القماش في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا)، ولمدة لا تقل عن 26 سنة جعلها في بعض اللوحات رهينة تلك الأكاديمية، لا سيما عند رسمها للمرأة العارية التي تظهر خارقة الانسياب والتعبير في لوحاتها. قد يشعر المُشاهد في البعض من هذه اللوحات أنه أمام دراسة لجسد المرأة العاري، وفي مواضع أخرى يظهر “كولاج” هندسي لمنشآت هندسية تجعل المُشاهد يعير انتباهه إلى التقنية أكثر من انتباهه إلى الفكرة أو الشعور المُراد التعبير عنه. الفيلم والغياب لعل أبرز ما يميز نص لونا معلوف التشكيلي هو هذه القدرة على إظهار السياق الزمني والمكاني في لوحة واحدة، دون الحاجة إلى استخدام عناصر بديهية كاللون الأسود أو شكل القمر للتأكيد على أن المشهد، هو مشهد ليلي. تتعدد اللوحات التي تعالج فيها الفنانة مفهومي الزمان والمكان بطريقة مُبتكرة تذكر بسياق سينمائي تتوالى فيه الصور والمشاهد جنبا إلى جنب في لوحة واحدة، نلمس في هذه الأعمال تمثيلا، لا بل تطبيقا ذكيا وشبه مباشر للتعليمات والتقنيات السينمائية من قبيل “تصوير” اللقطات الواسعة والضيقة واعتماد عدة وجهات نظر وتشكيل العمق “الإستراتيجي”، إذا صح التعبير لمزاج العمل الفني وما يريد أن يوحي به من قلق أو تساؤل، وغيرهما من المشاعر التي لا بد أن تكون عبرت سماء لونا معلوف دون أن تتجرأ على إبرازها كما هي: حقيقية وشخصية. من الواضح أن الفنانة تعتمد المواربة والدوران حول ما تريد أن تعبر عنه فعلا وما تود أن تظهره للعيان فيأتي متخفيا خلف طبقات من ألوان شفافة، تقنية هي أيضا لا تنتمي فقط إلى عالم الرسم، بل أيضا إلى عالم السينما، حيث يستطيع المشهد الواحد أن يقود المشاهد إلى بعد أعمق حتى وإن كان شديد الظلمة والتكتم على أحواله. ما تريد أن تعبر عنه الفنانة يظهر أحيانا في تفاصيل اللوحات وهو يئن “بصريا”، هنا أو هناك في مواضع من اللوحة طالبا من الفنانة أن تفك أسره ليخرج إلى الضوء، ربما ستشكل هذه التفاصيل منطلقا لأعمال آتية لها قد تود لونا معلوف أن تشتغل عليها. المقاربة مع الفن السينمائي لا تنحصر في ما أوردنا ذكره، بل هي حاضرة بحضور تقنية التوليف أو “المونتاج” التي تعتمد عليها الفنانة في تشكيل اللوحة الواحدة، نذكر من هذه اللوحات لوحتين تحملان عنوان “مدينة العالم”؛ خطوط طول ذات إيقاع متفاوت تقطع ما بين أجزاء اللوحة، أجزاء تعيد فيها الفنانة مساءلة الزمن وإظهار الصلة الملتبسة ما بين الماضي، الحاضر والمستقبل، وأيضا ما بين الأمكنة الحميمية والأمكنة العامة التي يتشارك فيها الجميع، جميع من عاش ويعيش وسيعيش في مدينة بيروت. تضيف الفنانة إلى هذا التقطيع الطولي الخاص بتقنية المونتاج السينمائي تقطيعا أفقيا يفعّل من ديناميكية الأعمال وفكرة تلاقي الأزمنة والأمكنة، كما تصبح الشفافية التي تتميز بها أعمال الفنانة نقطة التلاقي ما بين المشتهى والموجود، والأهم: بين ما قالته الفنانة في لوحاتها وما لم تقله. تمتلك الفنانة اللبنانية لونا معلوف تقنية عالية مكنتها من خوض غمار التشكيل من الباب العريض، تجلى في معظم لوحاتها المختلفة الأحجام والمشغولة بمواد مختلفة، حسّ لوني شفاف وقدرة على المزج ما بين مستويات الألوان وبراعة في تقديم مشاهد أو تفاصيل مدينية في تداخلها مع بعضها البعض تشكيليا إن من حيث الخطوط والأشكال، أو من حيث مدى عمق اللون وشفافيته. سيلاحظ مشاهد معرض لونا معلوف المقام حاليا بصالة “آرت أون 56 ستريت” البيروتية والمعنون ب”حنين الغد” حضورا لافتا للمرأة بشكل خاص وللإنسان والمدينة بشكل عام، وهو عنصر متفاعل معها وإن بدا للوهلة الأولى أنه مجرد متفرج على مشهد من مشاهدها الغزيرة. ومن أكثر اللوحات التي تعبّر عن ذلك، اللوحة التي تصوّر فيها الفنانة رجلا يعتمر قبعة، ويجلس في الفراغ على حافة شرفة ما، رجلا أدار لنا ظهره وبدا منغمسا في تأمله لجانب من المدينة. في هذه اللوحة بالذات برعت الفنانة باستجلاب المشهد المديني إلى ثنايا قميص الرجل وبشعرية كبيرة، حتى أن ثمة مشهدا لبحر (لا بد أن يكون البحر الأبيض المتوسط) وقارب يطوف على سطحه، قد اتشح قميصه الأبيض بشفافية عالية، فلم يعد بإمكان الناظر إلى اللوحة أن يحدد ماهية المدينة: هل هي المنظور إليها، أم هي الرجل الناظر إليها؟ تحمل هذه اللوحة عنوان المعرض “حنين الغد”. وفي المعرض لوحة أخرى تسيطر على مرافقها امرأة جسدتها لونا معلوف ما بين تشكيل نوراني يخفي كآبة ما، وحضور طاغ شكلته مادية الألوان التي ستتساقط كقطرات من هيئتها. ظهرت المرأة في هذه اللوحة وكأنها محلول لونيّ لا يزال يبحث عن تجسيد واضح المعالم، وهذا بالرغم من أن عنوانها “استعادة” يحسم أي جدل حول عدم نهائية هيئة، أو نضوج المرأة، داخليا وخارجيا. ما من أحد لا يقرّ بأن الشغف والموهبة الفنية لا يكفيان لكي يصل الفنان إلى مراتب عالية في التشكيل، التجربة والمُمارسة الفنية مهمتان أيضا، كذلك المعرفة في أصول الرسم والتلوين. من الواضح أن لونا معلوف تمتلك جميع هذه العناصر التي تؤهلها إلى تطوير نصها التشكيلي أكثر فأكثر، يُذكر أن الفنانة هي ابنة الفنان والمنظر اللبناني ألفريد معلوف، ولكن ربما كونها أستاذة رسم وتصوير وفن معماري وطباعة على القماش في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا)، ولمدة لا تقل عن 26 سنة جعلها في بعض اللوحات رهينة تلك الأكاديمية، لا سيما عند رسمها للمرأة العارية التي تظهر خارقة الانسياب والتعبير في لوحاتها. قد يشعر المُشاهد في البعض من هذه اللوحات أنه أمام دراسة لجسد المرأة العاري، وفي مواضع أخرى يظهر “كولاج” هندسي لمنشآت هندسية تجعل المُشاهد يعير انتباهه إلى التقنية أكثر من انتباهه إلى الفكرة أو الشعور المُراد التعبير عنه. الفيلم والغياب لعل أبرز ما يميز نص لونا معلوف التشكيلي هو هذه القدرة على إظهار السياق الزمني والمكاني في لوحة واحدة، دون الحاجة إلى استخدام عناصر بديهية كاللون الأسود أو شكل القمر للتأكيد على أن المشهد، هو مشهد ليلي. تتعدد اللوحات التي تعالج فيها الفنانة مفهومي الزمان والمكان بطريقة مُبتكرة تذكر بسياق سينمائي تتوالى فيه الصور والمشاهد جنبا إلى جنب في لوحة واحدة، نلمس في هذه الأعمال تمثيلا، لا بل تطبيقا ذكيا وشبه مباشر للتعليمات والتقنيات السينمائية من قبيل “تصوير” اللقطات الواسعة والضيقة واعتماد عدة وجهات نظر وتشكيل العمق “الإستراتيجي”، إذا صح التعبير لمزاج العمل الفني وما يريد أن يوحي به من قلق أو تساؤل، وغيرهما من المشاعر التي لا بد أن تكون عبرت سماء لونا معلوف دون أن تتجرأ على إبرازها كما هي: حقيقية وشخصية. من الواضح أن الفنانة تعتمد المواربة والدوران حول ما تريد أن تعبر عنه فعلا وما تود أن تظهره للعيان فيأتي متخفيا خلف طبقات من ألوان شفافة، تقنية هي أيضا لا تنتمي فقط إلى عالم الرسم، بل أيضا إلى عالم السينما، حيث يستطيع المشهد الواحد أن يقود المشاهد إلى بعد أعمق حتى وإن كان شديد الظلمة والتكتم على أحواله. ما تريد أن تعبر عنه الفنانة يظهر أحيانا في تفاصيل اللوحات وهو يئن “بصريا”، هنا أو هناك في مواضع من اللوحة طالبا من الفنانة أن تفك أسره ليخرج إلى الضوء، ربما ستشكل هذه التفاصيل منطلقا لأعمال آتية لها قد تود لونا معلوف أن تشتغل عليها. المقاربة مع الفن السينمائي لا تنحصر في ما أوردنا ذكره، بل هي حاضرة بحضور تقنية التوليف أو “المونتاج” التي تعتمد عليها الفنانة في تشكيل اللوحة الواحدة، نذكر من هذه اللوحات لوحتين تحملان عنوان “مدينة العالم”؛ خطوط طول ذات إيقاع متفاوت تقطع ما بين أجزاء اللوحة، أجزاء تعيد فيها الفنانة مساءلة الزمن وإظهار الصلة الملتبسة ما بين الماضي، الحاضر والمستقبل، وأيضا ما بين الأمكنة الحميمية والأمكنة العامة التي يتشارك فيها الجميع، جميع من عاش ويعيش وسيعيش في مدينة بيروت. تضيف الفنانة إلى هذا التقطيع الطولي الخاص بتقنية المونتاج السينمائي تقطيعا أفقيا يفعّل من ديناميكية الأعمال وفكرة تلاقي الأزمنة والأمكنة، كما تصبح الشفافية التي تتميز بها أعمال الفنانة نقطة التلاقي ما بين المشتهى والموجود، والأهم: بين ما قالته الفنانة في لوحاتها وما لم تقله.