في روايته الجديدة «موسم الحوريات»، اعتمد الروائي جمال ناجي، الأردني من أصل فلسطيني، على سلاسة اللغة وقوتها في آن، دون أن يكون على تماس، بل ويبتعد عن اللغة الشعرية، منتصراً بالدرجة الأولى للحدث، عبر حكايات متعددة يرويها أصحابها بأنفسهم، مع عدم إهمال العناصر الروائية الأخرى. وركز ناجي على التفاصيل بشكل واضح، ما منح القارئ فرصة كبيرة، لا تتوفر دائماً، لرسم الشخصيات بفيزيائيتها، وربما بدقة، وهي ذات التقنية التي اعتمدها فيما يتعلق بأحداث الرواية، حيث يشعر القارئ أنه أمام شاشة متحركة تتقلب فيها الشخصيات، ويتقلب معها وهو يقلب الصفحة تلو الأخرى. وفي الرواية الصادرة عن دار «بلومزبري» ومؤسسة قطر للتنمية، حملت عناوين الفصول أسماء شخوص الرواية ليكون كل واحد منهم راوياً، كحال «ساري أبو ارميلة» وهو مدير أعمال الباشا فواز، الذي تبدأ أحداث الرواية بحفل كبير بمناسبة ذكرى مولده يعده مدير أعماله، ويدعو إليه الكثير من الشخصيات «المهمة»، بل ويفاجئه باستقدام العرافة المغربية عروب التي تقرأ له الكف، لتصعقه باستقرائها مقتله على يد ثلاثيني من صلبه، مع أنه لا أولاد له، فزوجته سماح لا تنجب .. وهنا تبدأ الحكاية. حكاية شائكة هي، تعيد الباشا إلى ثلاثين عاماً خلت، عندما سافر مع موظفة في إحدى شركاته إلى باريس لأسبوع، حيث أقام معها علاقة جنسية حملت على إثرها .. لم يكن يعلم لأنه قطع علاقته بها، هي منتهى الراية أم ابنه الذي لا يعلم بوجوده ! وفي فصل «منتهى الراية» تحكي الأم المنسية حكايتها مع الباشا، الذي اصطحبها معه إلى فرنسا بصفتها موظفة عنده ولكنه قطع علاقته بها فور عودتهما إلى عمان، ليتبين فيما بعد أنها حامل منه، ولكن الحظ ينقذها فيرسل لها عريسا في الوقت المناسب، فتتزوجه، لتوهمه بأنها حملت منه بعد فترة قصيرة من الزواج. لم يمر كلام العرافة عروب مرور الكرام عند الباشا فواز، ففور سماعه كلامها، يسافر رفقة مدير أعماله ساري إلى الهند، ليلتقي بكبير عرافي الهند، الذي يؤكد له كلام العرافة المغربية. تبدأ رحلة البحث عن منتهى وابنها الوليد، الذي زرع فيه والده المفترض نبيل، والذي هو بالأصل زوج أمه «الالتزام الديني»، فكان يرافقه إلى المسجد ويحفظه القرآن. وبعد إنهاء الوليد الثانوية العامة بتفوق، قرر السفر إلى السعودية لأداء العمرة لكنه لم يعد إلى عمان، بل التحق ب «المجاهدين في أفغانستان»، وكان مقاتلاً شرساً يشار إليه بالبنان، ثم انتقل إلى سورية ل»الجهاد» هناك، حيث «أثبت جدارة جهادية قوية»، حتى أصبح رئيساً لفرقة جهادية كاملة، وكان يقود مهام قتالية ضد النظام السوري. وهنا تبدأ رحلة البحث عن الابن، لا لاحتضانه، بل للفتك به، فقاتل أبيه المنتظر، لا بد، بالنسبة إلى الباشا، أن يلقى حتفه، كي لا تتحقق نبوءة العرافة .. لكن ما حدث أن أياً منهما لم يقتل الآخر، رغم أن الوليد يتلاشى عن المشهد بفعل قنبلة في سورية. ولم يظهر ناجي إذا ما كان نبيل (الأب المفترض) دفع بالوليد إلى هذه الطريق للتخلص منه، بعد الإيحاءات التي أشارت بشكل أو بآخر إلى علمه بخديعة منتهى التي أوهمته بأنها عذراء بجرحها لنفسها .. وهنا رسالة مهمة ضد التطرف، فنبيل الذي قد يكون تقمّص التديّن كما تقمّصت زوجته العفة، وجد في زج ابنه الذي هو ليس ابنه، في رحلة البحث عن «الحوريات»، فرصة ليتخلص ممن حمل اسمه وهماً، فالتطرف هنا طريق التهلكة. وكان الروائي جمال ناجي أشار إلى أن الضغوط والأحداث التي مرت بها المنطقة «فرضت إيقاعاتها على الرواية وشكلت ما يشبه الممرات الإجبارية التي لم أتمكن من تجنبها عند الكتابة، أكثر من هذا أن منطقتنا بدت في حالة كسوف لم يسبق لها مثيل، فالربيع العربي الذي بدأ بريئا مخلصا للأوطان تم اختطافه، وتبخرت معه فكرة الحرية». وتحدث ناجي، خلال إطلاق الرواية في العاصمة الأردنية عمّان، عن التقنية التي اشتغل بها هذا العمل الروائي، لافتا إلى أنه «أثناء الكتابة وجدتني منسجما مع القاعدة الذهبية للكتابة الروائية وهي أن التكثيف ضرورة فنية لا غنى عنها، على الأقل بالنسبة لي، فأنا أشعر بأن لكل كلمة وكل عبارة وظيفتها في الرواية، بخلاف ذلك لا داعي للثرثرات وانجرار الروائي لخدع الاسترسال في سرد الذكريات أو التفاصيل والحكايات غير اللازمة.. أعرف بأن هذا قد يحرم الروائي من متعة إطلاق العنان للزوايا الدفينة في أعماق ذاكرته، لكنه يريح القارئ من عبء احتمال المحتويات المملة التي قد تزخر بها تلك الأعماق». وأضاف ناجي: «لا يعجبني انصياع الكاتب لإلحاح الثرثرة التي هي من علامات الشيخوخة المبكرة أو المتأخرة بصرف النظر عن سن الكاتب، لأن الكتاب الشباب أيضا غالبا ما يقعون في هذا الفخ، وأحيانا يصعب عليهم التضحية بعبارة أو فقرة كتبوها فأعجبتهم، على الرغم من أنها غير لازمة للرواية». ويمكن القول إنه ما بين عمّان وباريس وسورية وأفغانستانوالهند، وعبر اعتماده تقنية الأصوات المتعددة، كما أشرت، قدم جمال ناجي في «موسم الحوريات» صرخة روائية ضد التطرف والإرهاب، باحترافية عالية على مستوى اللغة، والسرد، وبناء الشخوص، والتقنية، وغيرها، مقدماً رواية تستحق أن يكون لها حضورها البارز في المشهد الروائي العربي. في روايته الجديدة «موسم الحوريات»، اعتمد الروائي جمال ناجي، الأردني من أصل فلسطيني، على سلاسة اللغة وقوتها في آن، دون أن يكون على تماس، بل ويبتعد عن اللغة الشعرية، منتصراً بالدرجة الأولى للحدث، عبر حكايات متعددة يرويها أصحابها بأنفسهم، مع عدم إهمال العناصر الروائية الأخرى. وركز ناجي على التفاصيل بشكل واضح، ما منح القارئ فرصة كبيرة، لا تتوفر دائماً، لرسم الشخصيات بفيزيائيتها، وربما بدقة، وهي ذات التقنية التي اعتمدها فيما يتعلق بأحداث الرواية، حيث يشعر القارئ أنه أمام شاشة متحركة تتقلب فيها الشخصيات، ويتقلب معها وهو يقلب الصفحة تلو الأخرى. وفي الرواية الصادرة عن دار «بلومزبري» ومؤسسة قطر للتنمية، حملت عناوين الفصول أسماء شخوص الرواية ليكون كل واحد منهم راوياً، كحال «ساري أبو ارميلة» وهو مدير أعمال الباشا فواز، الذي تبدأ أحداث الرواية بحفل كبير بمناسبة ذكرى مولده يعده مدير أعماله، ويدعو إليه الكثير من الشخصيات «المهمة»، بل ويفاجئه باستقدام العرافة المغربية عروب التي تقرأ له الكف، لتصعقه باستقرائها مقتله على يد ثلاثيني من صلبه، مع أنه لا أولاد له، فزوجته سماح لا تنجب .. وهنا تبدأ الحكاية. حكاية شائكة هي، تعيد الباشا إلى ثلاثين عاماً خلت، عندما سافر مع موظفة في إحدى شركاته إلى باريس لأسبوع، حيث أقام معها علاقة جنسية حملت على إثرها .. لم يكن يعلم لأنه قطع علاقته بها، هي منتهى الراية أم ابنه الذي لا يعلم بوجوده ! وفي فصل «منتهى الراية» تحكي الأم المنسية حكايتها مع الباشا، الذي اصطحبها معه إلى فرنسا بصفتها موظفة عنده ولكنه قطع علاقته بها فور عودتهما إلى عمان، ليتبين فيما بعد أنها حامل منه، ولكن الحظ ينقذها فيرسل لها عريسا في الوقت المناسب، فتتزوجه، لتوهمه بأنها حملت منه بعد فترة قصيرة من الزواج. لم يمر كلام العرافة عروب مرور الكرام عند الباشا فواز، ففور سماعه كلامها، يسافر رفقة مدير أعماله ساري إلى الهند، ليلتقي بكبير عرافي الهند، الذي يؤكد له كلام العرافة المغربية. تبدأ رحلة البحث عن منتهى وابنها الوليد، الذي زرع فيه والده المفترض نبيل، والذي هو بالأصل زوج أمه «الالتزام الديني»، فكان يرافقه إلى المسجد ويحفظه القرآن. وبعد إنهاء الوليد الثانوية العامة بتفوق، قرر السفر إلى السعودية لأداء العمرة لكنه لم يعد إلى عمان، بل التحق ب «المجاهدين في أفغانستان»، وكان مقاتلاً شرساً يشار إليه بالبنان، ثم انتقل إلى سورية ل»الجهاد» هناك، حيث «أثبت جدارة جهادية قوية»، حتى أصبح رئيساً لفرقة جهادية كاملة، وكان يقود مهام قتالية ضد النظام السوري. وهنا تبدأ رحلة البحث عن الابن، لا لاحتضانه، بل للفتك به، فقاتل أبيه المنتظر، لا بد، بالنسبة إلى الباشا، أن يلقى حتفه، كي لا تتحقق نبوءة العرافة .. لكن ما حدث أن أياً منهما لم يقتل الآخر، رغم أن الوليد يتلاشى عن المشهد بفعل قنبلة في سورية. ولم يظهر ناجي إذا ما كان نبيل (الأب المفترض) دفع بالوليد إلى هذه الطريق للتخلص منه، بعد الإيحاءات التي أشارت بشكل أو بآخر إلى علمه بخديعة منتهى التي أوهمته بأنها عذراء بجرحها لنفسها .. وهنا رسالة مهمة ضد التطرف، فنبيل الذي قد يكون تقمّص التديّن كما تقمّصت زوجته العفة، وجد في زج ابنه الذي هو ليس ابنه، في رحلة البحث عن «الحوريات»، فرصة ليتخلص ممن حمل اسمه وهماً، فالتطرف هنا طريق التهلكة. وكان الروائي جمال ناجي أشار إلى أن الضغوط والأحداث التي مرت بها المنطقة «فرضت إيقاعاتها على الرواية وشكلت ما يشبه الممرات الإجبارية التي لم أتمكن من تجنبها عند الكتابة، أكثر من هذا أن منطقتنا بدت في حالة كسوف لم يسبق لها مثيل، فالربيع العربي الذي بدأ بريئا مخلصا للأوطان تم اختطافه، وتبخرت معه فكرة الحرية». وتحدث ناجي، خلال إطلاق الرواية في العاصمة الأردنية عمّان، عن التقنية التي اشتغل بها هذا العمل الروائي، لافتا إلى أنه «أثناء الكتابة وجدتني منسجما مع القاعدة الذهبية للكتابة الروائية وهي أن التكثيف ضرورة فنية لا غنى عنها، على الأقل بالنسبة لي، فأنا أشعر بأن لكل كلمة وكل عبارة وظيفتها في الرواية، بخلاف ذلك لا داعي للثرثرات وانجرار الروائي لخدع الاسترسال في سرد الذكريات أو التفاصيل والحكايات غير اللازمة.. أعرف بأن هذا قد يحرم الروائي من متعة إطلاق العنان للزوايا الدفينة في أعماق ذاكرته، لكنه يريح القارئ من عبء احتمال المحتويات المملة التي قد تزخر بها تلك الأعماق». وأضاف ناجي: «لا يعجبني انصياع الكاتب لإلحاح الثرثرة التي هي من علامات الشيخوخة المبكرة أو المتأخرة بصرف النظر عن سن الكاتب، لأن الكتاب الشباب أيضا غالبا ما يقعون في هذا الفخ، وأحيانا يصعب عليهم التضحية بعبارة أو فقرة كتبوها فأعجبتهم، على الرغم من أنها غير لازمة للرواية». ويمكن القول إنه ما بين عمّان وباريس وسورية وأفغانستانوالهند، وعبر اعتماده تقنية الأصوات المتعددة، كما أشرت، قدم جمال ناجي في «موسم الحوريات» صرخة روائية ضد التطرف والإرهاب، باحترافية عالية على مستوى اللغة، والسرد، وبناء الشخوص، والتقنية، وغيرها، مقدماً رواية تستحق أن يكون لها حضورها البارز في المشهد الروائي العربي.