يشهد قطاعا الزراعة والري في مصر اعمال تخريب وفساد تحت سمع وبصر الحكومة المصرية، واللذين تم اختراقهما بواسطة مراكز قوى دولية تحت مزاعم العولمة وغيرها من البنك الدولي.. وعن الدور السلبى لمشروعات البنك الدولى وتأثيراته الضارة على قطاع الزراعة وحقوق صغار المزارعين فى أمان الزراعة، وتناقض أهداف البنك الدولى بتقليل الفقر وسياساته وممارساته التى تؤدى لتزايد عدد الفقراء، ولا يجنى ثمار مشروعاته إلا عدد قليل من رجال الأعمال خاصة المقربين من السلطة وأصحاب النفوذ، فالبنك الدولي ومؤسساته المالية بشرتنا بأن تحرير الأسواق سيحقق النمو فى مصر وهو ما يعمل على تحسين أوضاع الفقراء على المدى البعيد لكن التجربة العملية وبعد أكثر من ربع قرن من الزمان، ادت الى زيادة التدهور فى توزيع الدخل وازدياد حدة الفقر وزيادة التفاوت فى توزيع الدخول مرتبطاً بتفجر المديونية المحلية والخارجية وتفجر التضخم والبطالة وانهيار قيمة العملة الوطنية وإغراق الأسواق بالسلع الترفيهية وعجز المصانع المصرية عن المنافسة، وتعثر المشروعات، وهروب الاستثمار، حيث تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر اقتراضاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحذر من خطورة الاقتراض المصري دون حساب التأثيرات العكسية للقروض علي عملية التنمية وحرية القرار السياسي في مصر، إضافة إلي إصرار الحكومة المصرية على المضي في مسلسل الاقتراض وتطبيق سياسات البنك الدولي رغم كل النتائج الكارثية التي أصابت الزراعة المصرية. كما كشف البنك الدولي عن حقيقة نفسه؛ حين أعلن في بيان له صدر عام 2009 أنه خلال العامين الماضيين كشفت إدارة النزاهة التابعة للبنك عن 441 حالة احتيال وفساد في مشروعات يمولها البنك، لذلك فرض حظرا على التعامل مع 58 شركة و54 فردا حيث تم اعتبارهم غير مؤهلين للمشاركة في أي مشروعات يمولها البنك. إلا أن البنك وصندوق النقد الدوليين هما سبب ما يعانيه المواطن المصري الآن من أزمات، ويرجع ذلك لما رسماه من خطوط عريضة للتنمية الاقتصادية بمصر، والتي تتبع المنهج الرأسمالي الذي يتبناه البنك، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للبنك الدولي هو محاربة الفقر، إلا أن الواضح أنه يؤدي إلى زيادة الفقر، حيث لا توجد دولة واحدة يمكن اعتبارها نموذجا لنجاح سياسات البنك الدولي في تخفيض نسبة الفقر بين مواطنيها منذ نشأة هذا البنك عام 1944 وحتى الآن. وأوضح التقرير أن مصر نالت رضا البنك الدولي وخصص لها مبلغ 700 مليون دولار قروضا سنويا، لأنها نفذت الشرط المطلوب وأحدثت إصلاحا في القطاع المالي كما يريد البنك، كما ان المزاعم التى يسوقها البنك الدولى من فوائد المشروعات التى مولها بقروض خلال الفترة من 1990 وحتى عام 2009 فى مصر، من كونها حققت أهدافها الإنمائية بل وفى بعض الأحيان تجاوزت المستهدف فى قطاعى الزراعة والرى، وعادت بالنفع على نحو أكثر من 790 ألفاً من صغار الفلاحين بزيادة دخولهم الزراعية السنوية بما يترواح بين 300 و600 جنيه للفدان الواحد، إضافة إلى تعزيز التخطيط المؤسسى والقدرات التنفيذية لوزارة الرى والموارد المائية فى قطاع الرى، ورفع كفاءة التشغيل والصيانة فى محطات الطلمبات، وادعاء البنك أيضا استفادة نحو 3.7 مليون فدان من هذه المشروعات بتعزيز قدراتها الإنتاجية الزراعية. إلا أن الواقع الزراعى فى مصر يؤكد عكس تلك المزاعم التى يروجها البنك الدولى لإغراء الحكومة المصرية نحو مزيد من الحصول على القروض منه أملا فى تحسين البنية التحتية الزراعية ومساعدة المزارعين خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة منهم على تحسين دخولهم الزراعية وبالتالى تحسن مستوى معيشتهم، ولكن شيئا من هذا لم يحدث قط. كما أن البنك الدولى لم يكن يوما "مؤسسة ديمقراطية" بسبب السرية التى تحيط بمعظم أنشطته وحرمان معظم دول وشعوب الجنوب من اتخاذ القرارات أو الرقابة علي مشروعاته. ويعمل مجلس إدارة البنك فى جو من السرية المطلقة مما يهدد مبدأ الشفافية وإتاحة المعلومات المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية. وقد اعترف البنك الدولي مؤخراً بأضرار هذه السياسة السرية، لذا يقوم بمراجعة سياسته سنويا، حيث يقوم خبراؤه حاليا بإعداد "ورقة مفاهيم" عن مراجعة سياسة الإفصاح، ومن المتوقع أن يقوم البنك بتنظيم جلسات مشاورات واسعة النطاق خلال شهري يونيو ويوليو من عام 2010، في خمسة بلدان من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمراجعة تلك السياسيات. وفى هذا السياق أكد مركز الأرض لحقوق الإنسان فى تقريره أن البنك الدولي كيان مريض بالشيزوفرينيا؛ حيث تمثلت قوانينه وأهدافه منذ إنشائه، في محاربة الفقر وتقليص عدد الفقراء، وفي الوقت ذاته نجد سياساته التى يتبعها تزيد من معدلات الفقر والفقراء على مستوى العالم.. ومن خلال استعراض تلك المشروعات فإن مشروعات البنك ومؤسساته المالية تهدف الى خدمة رءوس الأموال الاجنبية والمحلية، إضافة الى قيام خبراء البنك بالاستحواذ على ما يقدر بربع قيمة هذه القروض بنسبة 28.6% من اجمالى قيمة هذه القروض ولم يشترط البنك مثلاً حسب أهدافه المعلنة ضرورة تقليل الفقر أو تحسين الأجور أو انخفاض نسب البطالة. ويكشف هذا المحور حجم الفساد فى مصر الذى أدى الى إهدار هذه القروض خلال الثلاثين عامًا الماضية حيث احتلت مصر المركز ال115 من 180 دولة على مستوى العالم بالنسبة لمؤشرات الفساد. كما يبين التقرير وعلى مدار ال 32 عاماً الماضية ومن خلال 457 اتفاقية دولية حصلت الحكومة المصرية على مبالغ وصلت الى 9.7 مليار دولار و4 مليارات دفعة واحدة، 640 مليون دولار وتم إهدار مبلغ 2.11 مليار دولار منهم إضافة الى مبلغ 54 مليون دولار تم الاستيلاء عليها من قبل الفاسدين. ويكشف التقرير أن مصر لم تستفد وبنسبة 57% من هذه القروض وبنسبة 54% من المنح وبنسبة 48% من اتفاقيات المخاطر، وأيضاً الفساد كان وراء إهدار تلك الأموال إضافة الى عجز الأجهزة الحكومية وعدم وجود دراسات واقعية عن المشروعات وغياب ممثلى ومنظمات المجتمع المدنى أثناء إعداد أو تنفيذ المشروعات. وأن سياسيات البنك الدولى ساهمت فى زيادة البناء على الاراضى الزراعية وعدم الاكتفاء الذاتى من الغذاء خاصة القمح والتوسع فى الحصول على القروض بالتوازى مع ضعف المنافسة فى الاسواق المحلية والدولية فى الإنتاج الزراعى والصناعى. ويدلل التقرير على كيفية مساهمة مشروعات البنك الدولى والمؤسسات المالية فى خصخصة السيادة الوطنية من خلال تحليل العلاقة بين تطبيق مشروعات البنك وحجم الديون الخارجية وسياسات الحكومة أثناء حرب الخليج حيث تم إعفاء مصر من 50% من ديونها بسبب دورها خلال الحرب وتعهد نادى باريس بإسقاط كل الديون بشرط أن تقوم مصر بتنفيذ ما سمى ب"برنامج الإصلاح الاقتصادى". فالسياسات الاقتصادية التى اتبعتها الحكومة مع مطلع الثمانينيات والمرتبطة بقطاع الزراعة والتى نتج عنها تحرير أسعار المحاصيل الزراعية، وإلغاء التوريد الاجبارى ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى ودعم القروض الزراعية، وتحرير الأرض الزراعية بقانون العلاقة الايجارية، أدت إلى طرد مئات الآلاف من المستأجرين وزيادة إيجارات الاراضى الزراعية والتعدى على حوالى خمس مساحة وادى النيل بالبناء عليها، واثر ذلك على التركيب المحصولى والتجارة الخارجية والاكتفاء الذاتى من الغذاء. كما ان المشروعات الممولة من مجموعة البنك الدولى فى قطاع الزراعة والرى خلال الفترة من 1990 الي 2009 خاصة مشروعات غرب الدلتا ودعم شركة الاندو المصرية للأسمدة وتنمية المناطق الريفية بسوهاج وإعادة تأهيل محطات الصرف ومشروعات شرق الدلتا وتحسين طرق الرى والمشروع القومى للصرف بما قيمته 600 مليون دولار. كما استعرض الآثار الاجتماعية لتطبيق تلك المشروعات فى الريف خاصة أنها أدت لتزايد معدلات العنف والجرائم ونسب البطالة والفقر، وأن السياسيات الزراعية الراهنة أدت لإهدار حوالى 25% من الاراضى الزراعية فى مصر البالغة 8.7 مليون فدان بسبب تزايد مشكلة الملوحة.