رسميًا الآن.. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة للثانوية العامة 2024 علمي وأدبي (موقع التنسيق)    عن مبادرات التميز الأكاديمى والجامعات البحثية (2)    الفيدرالي الأمريكي يواجه التضخم بخفض الفائدة إلى 5.00% بعد 4 سنوات من الارتفاع    الرئاسة الفلسطينية تدين العمليات الإرهابية التي يتعرض لها لبنان    استشهاد 5 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلي على مدينة غزة    حازم صاغية يكتب : الحقّ الفلسطينى وحياة القادة وموتهم!    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    أيمن الشريعي يفسر سبب مغادرة اجتماع الرابطة والأندية    عاجل - الأرصاد تحذِّر بشأن حالة الطقس اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024    الشاب خالد: قلت لوالدي الضرب اللي خلاني راجل (فيديو)    إبراهيم عيسى: إيران تشعل لبنان نارا ودمارا وتحرق اليمن وتدمر غزة    إيمان كريم تلتقي محافظ الإسكندرية وتؤكد على التعاون بما يخدم قضايا ذوي الإعاقة    «استعلم مجانًا».. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024 علمي وأدبي فور إعلانها رسميًا (رابط متاح)    رابطة الأندية: لا مساس باللائحة و3 أندية ستصعد من المحترفين للممتاز    تراجع بقيمة 220 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الخميس 19 سبتمبر 2024 بعد التحديث الجديد    أهالي الحسينية بالشرقية يشيعون جنازة عروسة توفيت ليلة الحنة في حادث على طريق    كشف حقيقة فيديو لفتاة تدعي القبض على شقيقها دون وجه حق في الإسكندرية    مصدر أمني ينفي مزاعم جماعة الإخوان الإرهابية بانقطاع الكهرباء بمراكز الإصلاح والتأهيل    خبير عن تفجير "البيجر": حالة متقدمة من تحويل التكنولوجية إلى سلاح    «هي الهداية بقت حجاب بس؟».. حلا شيحة تسخر من سؤال أحد متابعيها على التواصل الاجتماعي    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    كيفية تحفيز طفلك وتشجيعه للتركيز على الدراسة    السفر والسياحة يساعدان في إبطاء عملية الشيخوخة    أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد وتخلصه من السموم    الكابينيت يعطي الضوء الأخضر لنتنياهو وجالانت للتحرك ضد "حزب الله"    الخطيب يدرس مع كولر ملف تجديد عقود اللاعبين وأزمة الدوليين قبل السوبر المصري    حقيقة عودة إضافة مادة الجيولوجيا لمجموع الثانوية العامة 2025    حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024 فى مصر    «طعنها وسلم نفسة».. تفاصيل إصابة سيدة ب21 طعنة علي يد نجل زوجها بالإسماعيلية    ثروت سويلم: كنا بحاجة لفترة انتقالية.. وسيتم الاستقرار على حافز لبعض الفرق    بخطأ ساذج.. باريس سان جيرمان يفوز على جيرونا في دوري أبطال أوروبا    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    أيتن عامر تحتفل بالعرض الخاص لفيلم "عنب" في الإمارات    ضمن فاعليات مبادرة "بداية".. محافظ قنا يبحث تنفيذ قوافل المكتبة المتنقلة بالقرى والنجوع    قمة نهائي 2023 تنتهي بالتعادل بين مانشستر سيتي وإنتر ميلان    سيلتك يكتسح سلوفان براتيسلافا بخماسية في دوري أبطال أوروبا    عقب تدشينها رسميًا.. محافظ قنا ونائبه يتابعان فعاليات اليوم الأول من مبادرة «بداية جديدة»    صلاح التيجاني: والد خديجة يستغلها لتصفية حسابات بعد فشله في رد زوجته    صحة مطروح تقدم 20 ألف خدمة في أولى أيام المبادرة الرئاسية «بداية جديدة».. صور    محافظ القليوبية يكرم المتفوقين في الشهادات العامة بشبرا الخيمة    المغرب والجابون يوقعان مذكرة تفاهم في مجال التعاون القضائي    موعد قرعة الهجرة إلى أمريكا 2025.. تعرف على آخر فرصة للتسجيل    بالصور.. محافظ أسوان يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية البحرية    فقد إحدى عينيه.. أول تعليق إيراني على إصابة سفيرها في لبنان في انفجارات "البيجر"    برايتون يفوز على ولفرهامبتون 3-2 فى كأس رابطة المحترفين الإنجليزية    هيفتشوا وراك.. 5 أبراج تبحث في موبايل شريكهم (تعرف عليها)    أسماء جلال جريئة ومريم الخشت برفقة خطيبها..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| مفاجأة صلاح التيجاني عن النجوم وحقيقة خضوع نجمة لعملية وتعليق نجم على سقوطه بالمنزل    سعر الفراخ البيضاء والبانية وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024    بعد كلمة شيخ الأزهر"عن المفاضلة بين الأنبياء".. الأزهر للفتوى يحذر من اجتزاء الكلمات من سياقها بغرض التشويه    «تصديري الهندسية»: 5.3 جنيه اجمالي صادرات القطاع العام الجاري بنهاية الربع الأخير    من الأشراف.. ما هو نسب صلاح الدين التيجاني؟    بحضور وكيل الأزهر.. مجمع البحوث وقطاع مدن البعوث يحتفلان بالمولد النبوي    كيف خفّض الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة إلى 5.00%؟    خالد الجندى: عدم الاهتمام بإراحة الجسم يؤدى لاضطراب الصلاة والعبادات    حكم الزيادة التى يأخذها الصائغ عند استبدال الذهب المشغول؟ الإفتاء تجيب    شمال سيناء تنظم قافلة شاملة لحي" الكرامة" بالعريش تتضمن خدمات طبية وسلع غذائية متنوعة وندوات توعوية وتثقيفية (صور)    خسوف القمر 2024..بين الظاهرة العلمية والتعاليم الدينية وكل ما تحتاج معرفته عن الصلاة والدعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم القراءة.. هل تغير في عصرنا الإلكتروني؟
نشر في صوت البلد يوم 04 - 06 - 2016

تأثرت عملية القراءة بما تعرضت له الثقافة من تحول تكنولوجي حيث تغير هذا الكل المركب الذي يشمل العادات والمعتقدات ولم يعد يتصف بالانتقائية في عصر مواقع الشبكات الاجتماعية وارتباط الإنسان بهاتفه الموصول بشبكة الإنترنت. أحد الجوانب السلبية لممارسات القراءة في عصر الفضاء الافتراضي، كما يرى البعض أن القراءة أضحت سطحية وعابرة؛ فالإنسان أصبح يقرأ ما يقع بين يديه غثا أو سمينا، وتقلصت قدرته على الانتقاء، بل وفي كثير من الأحيان يجد الإنسان نفسه يقرأ ما ينتقيه الآخرون له. أما عن الجوانب الإيجابية فربما أهم ما يميز النصوص الإلكترونية هو التنوع والتفاعلية؛ فقد أصبح بإمكاننا التعليق على النصوص، ونسخها بكبسة زر، ومشاركتها مع الآخرين في اللحظة الآنية، بل وأمكن الآن التواصل مع مؤلف النص والنقاش معه. استطلعنا آراء عدد من المنوطين بصياغة السياسات الثقافية، والمتخصصين في الثقافة الرقمية وناشرين لكلا النوعين الإلكتروني والمطبوع، حول تغير مفهوم القراءة ارتباطا بالثورة التكنولوجية:
يقول المهندس فادي صبحي جريس، صاحب مكتبة الأنجلومصرية العريقة، التي تعمل في صناعة النشر منذ بدايات القرن العشرين واتجهت للنشر الإلكتروني منذ سنوات: «القراءة الإلكترونية مكنت القارئ من أن يحمل كتابه معه في أي مكان وأي وقت، بل أن يحمل مكتبته الإلكترونية الكاملة معه أثناء السفر أو بالمواصلات، وهي تتميز بأنها أسهل من القراءة الورقية خاصة فيما يتعلق بقراءة الموسوعات والقواميس؛ لأن القارئ يصل إلى المعلومة التي يريدها بمجرد كتابة أول حرف من الكلمة التي يريدها بخلاف الكتب الورقية التي يتطلب البحث فيها الذهاب إلى الفهرس ثم التعرف على محتوى الكتاب، ثم البحث في الباب والفصل وهكذا، ما يعني أن القراءة الإلكترونية محددة ودقيقة، ولا تتطلب وقتا طويلا» ويلفت من واقع خبرته أن للقراءة الإلكترونية جمهورها خاصة أنها جعلت الكتاب في متناول أي فرد. فمثلا القراء في الخليج العربي لم تعد لديهم حاجة للسفر إلى مصر للحصول على الكتب التي يريدونها بل يقتنونها إلكترونيا، بل يمكن شراء فترة زمنية للقراءة الإلكترونية لعدة أشهر مثلا إذا كان القارئ يقوم بالاطلاع لإجراء بحث ما ويحتاج لعدد من المراجع في توقيت محدد ولا يحتاج إلى شراء تلك المراجع»
ويرى رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. هيثم الحاج علي، أن نوعية القراءة وكمها تختلف كليا بين القراءة الإلكترونية والقراءة الورقية، لأن القارئ في الحالة الأولى يذهب مباشرة للمعلومة التي يريدها وأظن أن هذا أبلغ فارق بينهما». ويشير إلى جانب مضيء للقراءة الإلكترونية ألا وهو «وجود أجزاء من الكتب الإلكترونية على الإنترنت يدفع عددا كبيرا من عشاق القراءة إلى البحث عن الكتاب المطبوع واقتنائه فقد ساهم الكتاب الإلكتروني في الترويج للكتاب الورقي الذي لم يخفت سحره حتى الآن ولا تزال الحاجة إلى الملمس الورقي قائمة، خاصة أن القراءة عبر الوسيط الإلكتروني لا تشبع أو تساعد في قراءة رواية طويلة من مئات الصفحات” وعن الجانب السلبي يرى أن «القراءة الإلكترونية أثرت سلبا على التردد على المكتبات واللجوء إليها». ويلفت الحاج علي إلى أن «أحدث الأبحاث في هذا الصدد تشير إلى اختفاء الكتاب الورقي عام 2040. وربما علينا أن ننمي عادة القراءة الإلكترونية في العالم العربي ونتيح منافذ بيع إلكتروني حتى لا نفاجئ بموت الكتاب الورقي”
في بحثها المعنون «ممارسات القراءة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» المنشور في حولية cybrarians journal المحكمة، تقول جميلة جابر، مديرة المكتبة المركزية، بالجامعة الإسلامية بلبنان، «إن القراءة الإلكترونية تتميز بأنها قراءة انتقائية من النص أكثر منها قراءة كلية له، وكما الحال في النصوص المطبوعة فهي تهدف إلى إيجاد المعلومات التي تصب مباشرة في إطار اهتمامات المستخدم البحثية دون الحاجة إلى اتباع مسار النص الأحادي الاتجاه من البداية حتى النهاية». وتضيف: «وعلى عكس اتجاه القراءة العرضية للمطبوع، فإن القراءة الإلكترونية هي قراءة عمودية للنص تمامًا كما لفافة البردي، حيث تظهر المعلومات في شكل نافذة، يتنقل فيها المتصفح من معلومة إلى أخرى عبر النقر على العلاقات المحددة مسبقًا (hyperlinks) أو على المستعرض في طرف الشاشة. وبينما ظل النص المطبوع محدودًا بأبعاد الصفحة التي تحمله وشكلها، تكسب النص الإلكتروني مرونة أكثر في الشكل وطريقة إظهاره. ولكن هذا التمايز بين النص المطبوع والنص الإلكتروني لم يتعد في أغلب حالته عملية تفاعل ما بين التقنيتين. فنحن في بعض الأحيان أمام كتاب مطبوع هجين متوافر إلكترونيًا» وتؤكد «لا أحد ينفي للكتابة الإلكترونية مدى انتشارها وسهولة توصيلها المعلومات إلى المستفيد النهائي بسرعة. إلا أن السؤال المعضلة يدور بشكل أساسي حول إمكانية قراءة النصوص الإلكترونية على الشاشة بسهولة إذ لا يزال عدد من مستخدمي الوسائل الحديثة للمعلومات يلجأون إلى طباعة النصوص على الورق لقراءتها لاحقًا».
في الآونة الأخيرة ظهرت عدة مشروعات شبابية تدعم القراءة الإلكترونية، من بينها منصة «كتبنا» للنشر الإلكتروني التي تدعم نشر إبداعات الشباب، ويقول المهندس محمد جمال، مؤسس «كتبنا»: «القراءة الإلكترونية لن تلغي القراءة الورقية، رغم الإقبال المتزايد عليها» ويشير إلى أنه منذ تأسيس منصة «كتبنا» منذ عام واحد فقط قامت بنشر 253 كتابا، ولديهم 9 آلاف مستخدم، وتم قراءة تلك الكتب أكثر من 14 ألف مرة. ويلفت جمال إلى أن القراءة الإلكترونية غيرت بالطبع من ممارسات القراءة لدى المستخدمين، فهو يبحث عن المحتوى الخفيف شكلا ومضمونا، فهو يحمل معه الكتاب عبر جهاز يتيح له التنقل بسهولة، كما يقرأ كتابات خفيفة مثل القصص القصيرة وكتب الكوميكس المصورة، وبالطبع لا يقرأ كتبا ضخمة أو وروايات أو كتبا فكرية عميقة. ويؤكد أن القراءة الإلكترونية لم تشكل ظاهرة كبرى بعد خاصة أن معدل نمو صناعة النشر الإلكتروني بطيء جدا يبلغ نحو 2 في المائة سنويا من معدل نمو صناعة النشر الورقي التي تقدر في العالم العربي بنحو 4 مليارات دولار، بينما حجم الاستثمار في النشر الإلكتروني لا يتجاوز 80 مليونا في العالم العربي.
ويؤكد رئيس اتحاد الناشرين العرب، محمد رشاد، أنه «لا توجد قاعدة بيانات عن صناعة النشر الإلكتروني في العالم العربي وبالتالي لا يمكننا الرصد الدقيق لظاهرة القراءة الإلكترونية وتأثيرها، هي بالطبع ممارسة مرتبطة بواقع العصر والتغيرات التكنولوجية، لكنها لا تغني عن القراءة الورقية، فالقارئ في أي مكان في العالم لا يزال مرتبطا بالملمس الورقي للكتاب حتى في أوروبا وأميركا، وقد حدث تراجع في معدل النشر الإلكتروني منذ عام 2015 وظهر الإقبال الكبير على الكتاب المطبوع، فلا يمكن لشخص أن يستمتع بقراءة رواية من 300 صفحة على جهاز إلكتروني” ويشدد رشاد على أن «الأصل في النشر هو نشر المحتوى، ومهما مر الكتاب بمراحل كثيرة بدأت بالنقش على الجدران ثم ورق البردي لدى الفراعنة، وألواح الطين لدى الآشوريين، ثم جوتنبرغ وآلته، ثم الأجهزة اللوحية، ستظل القراءة الورقية لها مكانتها وطقوسها.
أما الأديب والروائي إبراهيم عبد المجيد، صاحب رواية «في كل أسبوع يوم جمعة» التي تناولت تأثير الحياة الافتراضية على الحياة الواقعية لشخوصها، فيقول: «بالتأكيد القراءة الإلكترونية لها تأثير على القراءة الورقية لكن لا نستطيع الحكم عليها بأنها قراءة غير جادة»، وعن ممارسة القراءة لديه، قال: «أستفيد من القراءة الإلكترونية مثلي مثل جيلي فقط في قراءة المقالات الصحافية أو الأخبار، لكنني أبدا لا أقوم بقراءة كتاب هام أو رواية عبر الأجهزة اللوحية».
ويشير الكاتب محمد سيد ريان، صاحب كتاب «القراءة والثقافة الرقمية» إلى أن القضية عالمية وليست عربية أو محلية، فقد أثار استطلاع للرأي تم إجراؤه منذ فترة قريبة في بريطانيا على عدد كبير من الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين ثمانية أعوام و17 عاما، وأجرته المؤسسة البريطانية الخيرية (ناشونال ليتراسي ترست) نتائج غاية في الخطورة حيث أظهرت أن الشباب البريطاني ينصرف عن قراءة أعمال كتاب مثل ديكنز وشكسبير وكيتس؛ لانشغاله بمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل «فيسبوك» و«تويتر».
تأثرت عملية القراءة بما تعرضت له الثقافة من تحول تكنولوجي حيث تغير هذا الكل المركب الذي يشمل العادات والمعتقدات ولم يعد يتصف بالانتقائية في عصر مواقع الشبكات الاجتماعية وارتباط الإنسان بهاتفه الموصول بشبكة الإنترنت. أحد الجوانب السلبية لممارسات القراءة في عصر الفضاء الافتراضي، كما يرى البعض أن القراءة أضحت سطحية وعابرة؛ فالإنسان أصبح يقرأ ما يقع بين يديه غثا أو سمينا، وتقلصت قدرته على الانتقاء، بل وفي كثير من الأحيان يجد الإنسان نفسه يقرأ ما ينتقيه الآخرون له. أما عن الجوانب الإيجابية فربما أهم ما يميز النصوص الإلكترونية هو التنوع والتفاعلية؛ فقد أصبح بإمكاننا التعليق على النصوص، ونسخها بكبسة زر، ومشاركتها مع الآخرين في اللحظة الآنية، بل وأمكن الآن التواصل مع مؤلف النص والنقاش معه. استطلعنا آراء عدد من المنوطين بصياغة السياسات الثقافية، والمتخصصين في الثقافة الرقمية وناشرين لكلا النوعين الإلكتروني والمطبوع، حول تغير مفهوم القراءة ارتباطا بالثورة التكنولوجية:
يقول المهندس فادي صبحي جريس، صاحب مكتبة الأنجلومصرية العريقة، التي تعمل في صناعة النشر منذ بدايات القرن العشرين واتجهت للنشر الإلكتروني منذ سنوات: «القراءة الإلكترونية مكنت القارئ من أن يحمل كتابه معه في أي مكان وأي وقت، بل أن يحمل مكتبته الإلكترونية الكاملة معه أثناء السفر أو بالمواصلات، وهي تتميز بأنها أسهل من القراءة الورقية خاصة فيما يتعلق بقراءة الموسوعات والقواميس؛ لأن القارئ يصل إلى المعلومة التي يريدها بمجرد كتابة أول حرف من الكلمة التي يريدها بخلاف الكتب الورقية التي يتطلب البحث فيها الذهاب إلى الفهرس ثم التعرف على محتوى الكتاب، ثم البحث في الباب والفصل وهكذا، ما يعني أن القراءة الإلكترونية محددة ودقيقة، ولا تتطلب وقتا طويلا» ويلفت من واقع خبرته أن للقراءة الإلكترونية جمهورها خاصة أنها جعلت الكتاب في متناول أي فرد. فمثلا القراء في الخليج العربي لم تعد لديهم حاجة للسفر إلى مصر للحصول على الكتب التي يريدونها بل يقتنونها إلكترونيا، بل يمكن شراء فترة زمنية للقراءة الإلكترونية لعدة أشهر مثلا إذا كان القارئ يقوم بالاطلاع لإجراء بحث ما ويحتاج لعدد من المراجع في توقيت محدد ولا يحتاج إلى شراء تلك المراجع»
ويرى رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. هيثم الحاج علي، أن نوعية القراءة وكمها تختلف كليا بين القراءة الإلكترونية والقراءة الورقية، لأن القارئ في الحالة الأولى يذهب مباشرة للمعلومة التي يريدها وأظن أن هذا أبلغ فارق بينهما». ويشير إلى جانب مضيء للقراءة الإلكترونية ألا وهو «وجود أجزاء من الكتب الإلكترونية على الإنترنت يدفع عددا كبيرا من عشاق القراءة إلى البحث عن الكتاب المطبوع واقتنائه فقد ساهم الكتاب الإلكتروني في الترويج للكتاب الورقي الذي لم يخفت سحره حتى الآن ولا تزال الحاجة إلى الملمس الورقي قائمة، خاصة أن القراءة عبر الوسيط الإلكتروني لا تشبع أو تساعد في قراءة رواية طويلة من مئات الصفحات” وعن الجانب السلبي يرى أن «القراءة الإلكترونية أثرت سلبا على التردد على المكتبات واللجوء إليها». ويلفت الحاج علي إلى أن «أحدث الأبحاث في هذا الصدد تشير إلى اختفاء الكتاب الورقي عام 2040. وربما علينا أن ننمي عادة القراءة الإلكترونية في العالم العربي ونتيح منافذ بيع إلكتروني حتى لا نفاجئ بموت الكتاب الورقي”
في بحثها المعنون «ممارسات القراءة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» المنشور في حولية cybrarians journal المحكمة، تقول جميلة جابر، مديرة المكتبة المركزية، بالجامعة الإسلامية بلبنان، «إن القراءة الإلكترونية تتميز بأنها قراءة انتقائية من النص أكثر منها قراءة كلية له، وكما الحال في النصوص المطبوعة فهي تهدف إلى إيجاد المعلومات التي تصب مباشرة في إطار اهتمامات المستخدم البحثية دون الحاجة إلى اتباع مسار النص الأحادي الاتجاه من البداية حتى النهاية». وتضيف: «وعلى عكس اتجاه القراءة العرضية للمطبوع، فإن القراءة الإلكترونية هي قراءة عمودية للنص تمامًا كما لفافة البردي، حيث تظهر المعلومات في شكل نافذة، يتنقل فيها المتصفح من معلومة إلى أخرى عبر النقر على العلاقات المحددة مسبقًا (hyperlinks) أو على المستعرض في طرف الشاشة. وبينما ظل النص المطبوع محدودًا بأبعاد الصفحة التي تحمله وشكلها، تكسب النص الإلكتروني مرونة أكثر في الشكل وطريقة إظهاره. ولكن هذا التمايز بين النص المطبوع والنص الإلكتروني لم يتعد في أغلب حالته عملية تفاعل ما بين التقنيتين. فنحن في بعض الأحيان أمام كتاب مطبوع هجين متوافر إلكترونيًا» وتؤكد «لا أحد ينفي للكتابة الإلكترونية مدى انتشارها وسهولة توصيلها المعلومات إلى المستفيد النهائي بسرعة. إلا أن السؤال المعضلة يدور بشكل أساسي حول إمكانية قراءة النصوص الإلكترونية على الشاشة بسهولة إذ لا يزال عدد من مستخدمي الوسائل الحديثة للمعلومات يلجأون إلى طباعة النصوص على الورق لقراءتها لاحقًا».
في الآونة الأخيرة ظهرت عدة مشروعات شبابية تدعم القراءة الإلكترونية، من بينها منصة «كتبنا» للنشر الإلكتروني التي تدعم نشر إبداعات الشباب، ويقول المهندس محمد جمال، مؤسس «كتبنا»: «القراءة الإلكترونية لن تلغي القراءة الورقية، رغم الإقبال المتزايد عليها» ويشير إلى أنه منذ تأسيس منصة «كتبنا» منذ عام واحد فقط قامت بنشر 253 كتابا، ولديهم 9 آلاف مستخدم، وتم قراءة تلك الكتب أكثر من 14 ألف مرة. ويلفت جمال إلى أن القراءة الإلكترونية غيرت بالطبع من ممارسات القراءة لدى المستخدمين، فهو يبحث عن المحتوى الخفيف شكلا ومضمونا، فهو يحمل معه الكتاب عبر جهاز يتيح له التنقل بسهولة، كما يقرأ كتابات خفيفة مثل القصص القصيرة وكتب الكوميكس المصورة، وبالطبع لا يقرأ كتبا ضخمة أو وروايات أو كتبا فكرية عميقة. ويؤكد أن القراءة الإلكترونية لم تشكل ظاهرة كبرى بعد خاصة أن معدل نمو صناعة النشر الإلكتروني بطيء جدا يبلغ نحو 2 في المائة سنويا من معدل نمو صناعة النشر الورقي التي تقدر في العالم العربي بنحو 4 مليارات دولار، بينما حجم الاستثمار في النشر الإلكتروني لا يتجاوز 80 مليونا في العالم العربي.
ويؤكد رئيس اتحاد الناشرين العرب، محمد رشاد، أنه «لا توجد قاعدة بيانات عن صناعة النشر الإلكتروني في العالم العربي وبالتالي لا يمكننا الرصد الدقيق لظاهرة القراءة الإلكترونية وتأثيرها، هي بالطبع ممارسة مرتبطة بواقع العصر والتغيرات التكنولوجية، لكنها لا تغني عن القراءة الورقية، فالقارئ في أي مكان في العالم لا يزال مرتبطا بالملمس الورقي للكتاب حتى في أوروبا وأميركا، وقد حدث تراجع في معدل النشر الإلكتروني منذ عام 2015 وظهر الإقبال الكبير على الكتاب المطبوع، فلا يمكن لشخص أن يستمتع بقراءة رواية من 300 صفحة على جهاز إلكتروني” ويشدد رشاد على أن «الأصل في النشر هو نشر المحتوى، ومهما مر الكتاب بمراحل كثيرة بدأت بالنقش على الجدران ثم ورق البردي لدى الفراعنة، وألواح الطين لدى الآشوريين، ثم جوتنبرغ وآلته، ثم الأجهزة اللوحية، ستظل القراءة الورقية لها مكانتها وطقوسها.
أما الأديب والروائي إبراهيم عبد المجيد، صاحب رواية «في كل أسبوع يوم جمعة» التي تناولت تأثير الحياة الافتراضية على الحياة الواقعية لشخوصها، فيقول: «بالتأكيد القراءة الإلكترونية لها تأثير على القراءة الورقية لكن لا نستطيع الحكم عليها بأنها قراءة غير جادة»، وعن ممارسة القراءة لديه، قال: «أستفيد من القراءة الإلكترونية مثلي مثل جيلي فقط في قراءة المقالات الصحافية أو الأخبار، لكنني أبدا لا أقوم بقراءة كتاب هام أو رواية عبر الأجهزة اللوحية».
ويشير الكاتب محمد سيد ريان، صاحب كتاب «القراءة والثقافة الرقمية» إلى أن القضية عالمية وليست عربية أو محلية، فقد أثار استطلاع للرأي تم إجراؤه منذ فترة قريبة في بريطانيا على عدد كبير من الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين ثمانية أعوام و17 عاما، وأجرته المؤسسة البريطانية الخيرية (ناشونال ليتراسي ترست) نتائج غاية في الخطورة حيث أظهرت أن الشباب البريطاني ينصرف عن قراءة أعمال كتاب مثل ديكنز وشكسبير وكيتس؛ لانشغاله بمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل «فيسبوك» و«تويتر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.