نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي.. أحمد موسى عن مناورات الجيش بالذخيرة الحية: «اللى يفت من حدودنا يموت»    بحضور السيسي، الداخلية تحتفل بتخريج دفعة من كلية الشرطة، اليوم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 29 سبتمبر    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 29 سبتمبر    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    جيش الاحتلال: دمرنا قاذفات صواريخ لحزب الله كانت موجهة نحو إسرائيل    إسرائيل تمهد لعمل بري في لبنان، وإيران تطالب بإدانة "العدوان الإرهابي"    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كتابة الاسم العلمي للدواء يقلل المشكلات الطبية.. تفاصيل    مسؤول أمريكي: إسرائيل على وشك تنفيذ عمليات صغيرة النطاق في لبنان    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 29-9-2024    مصرع شخص صدمته سيارة نقل في سوهاج    بعد اعتذارها.. شقيق شيرين عبد الوهاب يرد عليها: «إنتي أمي وتاج رأسي»    نشوي مصطفي تكشف عن مهنتها قبل دخولها المجال الفني    وزير الخارجية يوجه بسرعة إنهاء الإجراءات لاسترداد القطع الآثرية من الخارج    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 29-9-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    أحدث استطلاعات الرأي: ترامب وهاريس متعادلان    طائرات الاحتلال تشن غارة جوية على مدينة الهرمل شرقي لبنان    لصحة أفراد أسرتك، وصفات طبيعية لتعطير البيت    أصالة ل ريهام عبدالغور: انتي وفيّه بزمن فيه الوفا وين نلاقيه.. ما القصة؟    شريف عبد الفضيل: «الغرور والاستهتار» وراء خسارة الأهلي السوبر الإفريقي    الجيش الأردني: سقوط صاروخ من نوع غراد في منطقة مفتوحة    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    إصابة ناهد السباعي بكدمات وجروح بالغة بسبب «بنات الباشا» (صور)    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    رئيس موازنة النواب: نسب الفقر لم تنخفض رغم ضخ المليارات!    الفيفا يعلن عن المدن التي ستستضيف نهائيات كأس العالم للأندية    ضبط 1100 كرتونة تمر منتهية الصلاحية في حملة تموينية بالبحيرة    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    أحدث ظهور ل يوسف الشريف في مباراة الأهلي والزمالك (صورة)    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    الجيش السوداني يواصل عملياته لليوم الثالث.. ومصدر عسكري ل«الشروق»: تقدم كبير في العاصمة المثلثة واستمرار معارك مصفاه الجيلي    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    في عطلة الصاغة.. تعرف على أسعار الذهب الآن وعيار 21 اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    قفزة كبيرة في سعر طن الحديد الاستثمارى وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «المعلّم ومارغريتا» أحرقها بولغاكوف ثم أعاد كتابتها
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2016

تُعدّ رواية «المعلّم ومارغريتا» للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف (دار التنوير- ترجمة يوسف حلاق) إحدى أبرز روايات الحب المحفزة لأنواع مختلفة من المشاعر. اشتغل ميخائيل بولغاكوف على روايته لمدّة اثني عشر عاماً في ظلّ الديكتاتورية الستالينية، مدركاً تماماً أنه لن تكون له أيّ فرصة لنشرها في حياته. كتبها صاحبها وأحرق مخطوطتها عام 1930 ثمّ أعاد كتابتها من ذاكرته عام 1931، وأنهى مسوّدتها الثانية عام 1936 ثم الثالثة عام 1937 وظلّ يعمل على إعداد المخطوطة الرابعة حتى وفاته عام 1940. ولم تجد الرواية طريقها الى النور إلا بعد ستة وعشرين عاماً، عندما نشرتها أرملته في مجلة موسكو الأدبية في حلقات بدءاً من تشرين الثاني (نوفمبر) 1966.
نسخ بولغاكوف فصول الرواية الأخيرة حنى آخر مسودة، ومات قبل أن يلائم بينها وبين الرواية وفق نسختها الأخيرة، فتولت زوجته ضمّ الفصول الأخيرة من المسودات السابقة إلى المسودة الأخيرة للراوية، قبل إعداد النسخة الأخيرة منها.

انتصار الفن
«المعلّم ومارغريتا» هي الرواية الأخيرة التي كتبها بولغاكوف (1891 – 1940) ويصنّفها بعض النقاد بأنها تحفته، وشكّل نشرها (بين عامي 1966 – 1967 )، بعد حذف فقرات كثيرة منها لأسباب تتعلق بالرقابة، حدثاً بذاته، وتركت وقعاً كبيراً في نفوس القرّاء المنجذبين الى الفن والحرية، حتى باتت «المعلّم ومارغريتا» من روايات روسيا الكلاسيكيّة، وبات بولغاكوف واحداً من أبرز الكتاب الروس من أمثال دوستويفسكي، غوغول وتشيخوف. وجاءت «المعلم ومارغريتا» لتؤكّد انتصار الفن، بعدما هدّد الطغيان السياسي الرواية كما سائر الفنون، غير أنها استمرّت إلى ما بعد انتهاء الحقبة الستالينية، وتُرجمت إلى لغات عدة، ثمّ اعتُمدت في المسرحيّات وأغاني الأوبرا، كما تمّ عرضها على الشاشة الصغيرة.
تتمتّع هذه الرواية بازدواجيّة الجدّ والهزل في آن، أو حسّ الفكاهة الممزوج مع خيال غرائبي. أمّا السرد فيدور فيها على مستويين يلتقيان في نهاية المطاف. كتب ميخائيل بولغاكوف، بسخرية مدمّرة، الحياة السوفياتيّة خلال الفترة الأظلم من نظام ستالين. فجاءت الرواية بمثابة هجاء للنظام الاجتماعي السوفياتي، وهجاء لفترة حكم ستالين، ونقداً قاسياً للتجربة الماركسيّة عموماً.
تتحدث الرواية عن زيارة مفترضة يقوم بها الشيطان «فولند» إلى موسكو، العاصمة السوفياتية، في أوائل الثلاثينات، ووقائع هذه الزيارة. وتبدأ من مشهد يتجادل فيه الشاعر «بزدومني» والأديب «برليوز»، رئيس رابطة «الماسوليت» الأدبية حول وجود المسيح والشيطان، ليظهر لهما «فولند» ويثبت وجود المسيح والشيطان في حكاية مشهد لقاء «بيلاطس» البنطي مع «يسوع» الناصري، ثم يتنبأ بموت «برليوز»، وإصابة «بزدومني» بالشيزوفرينيا.
يظهر «فولند» بعدها في شقة «برليوز» التي يتقاسمها مع مدير مسرح منوعات اسمه «ليخدييف»، ويُرسل «ليخدييف» إلى يالطا، ليستولي على الشقة مع عصابته التي روعت «بزودمني»، «كرفيوف» و«بيهموث» القط. وتنضم إليهم في ما بعد «هيلا» مصاصة الدماء، و «عزازيلو» القاتل المأجور.
يتولى «كرفيوف» تنظيم حفلة للسحر الأسود وفضحه، لرغبة «فولند» في مشاهدة أهل موسكو، فيمتلئ المسرح عن آخره، ويحيي «كرفيوف» و «بهيموث» الحفلة التي تمتلئ بالأمور المرعبة والغريبة. يظهر «بيلاطس» البنطي من جديد متدبّراً أمر العفو عن المسيح، لكنّ الكهنة اليهود يرفضون ذلك، ومن ثم يظهر «ليفي ماتفي» متى العشار محاولاً إنقاذ المسيح من العذاب من دون فائدة.

رواية محترقة
يقابل «بزودمني» المعلم، ويعرف منه أنه قابل الشيطان في البداية، كما يعرف أنّ المعلم كتب رواية عن «بيلاطس» البنطي والي اليهودية الخامس، ويعلم عن حبّه ل «مارغريتا». يدبر «بيلاطس» البنطي مقتل «يهوذا»، وتقبل «مارغريتا» دعوة «عزازيلو» لزيارة «فولند»، فتصبح ساحرة، وتنضم إلى الشيطان مع خادمتها في حفلة يقتل خلالها البارون مايغل، إحدى الشخصيّات البارزة المكلفة بالتعامل مع السياح، والسبب مشكلة بينهما. ثمّ يعودون جميعاً إلى الشقة الرقم خمسين حيث يواصل «كرفيوف» و«بهيموث» حيلهما وألاعيبهما.
تطلب «مارغريتا» من «فولند» أن يحضر لها المعلم، فيستحضره لها، ويعيد له روايته المحترقة قائلاً أنّ الكتب لا تحترق، ويعود «المعلم ومارغريتا» إلى شقة الأخير، في حين يقوم «كرفيوف» و «بيهموث» بمجموعة مغامرات أخيرة، بعدها تحاصر الشرطة الشقة رقم خمسين والتي تكرّرت الإخباريّات الغريبة في شأنها، لكنّ «بهيموث» يهزأ برجال الشرطة، ويحرقها، ويغادر برفقة «فولند» و «كرفيوف» في وضح النهار مودعين موسكو.
يأتي متى العشار لمقابلة فولند في شأن المعلم، ويطلب منه أن يقوده إلى الطمأنينة لا إلى النور، فيستدعي فولند المعلم ومارغريتا، وينطلق برفقة عصابته إلى الملاذ الأبدي.
تحوي الرواية الكثير من التفاصيل: الشيطان، والقط الذي يكسّر بحكمة، ويسوع باعتباره الإنسان، ومواضيع كالحب، وتلميحات عن التجديف... لكنّ التفاصيل لا توضع عبثاً، إنها محكومة بالبناء الروائي، وهي بدورها تناسب كل مكونات الرواية، من ناحية ما نريد قوله من خلالها، وهي عملية توازن تتطلبها الحياة نفسها، التي تستقي الرواية منها مفرداتها وأحداثها ورؤاها. ويشكّل تراكم هذه التفاصيل البنية الأساسيّة للرواية، ليكشف سبب هذا الطغيان السردي وأهميّته.
وبفعل الإحالات والرموز التي تحفل بها الرواية، احتاجت إلى توضيحات من الناشر تحيل على أحداث وأفكار كبرى. فالرواية التي تعد من أشهر أعمال الأدب الروسي وأكثرها صدقاً، مليئة بالإشارات إلى أماكن وأحداث حصلت وعاشها الكاتب في مرحلة تميّزت بالخوف والاعتقالات والاغتيالات إبان حكم ستالين، مما دفع بكاتب كبير مثل بولغاكوف الى أن يؤجل نشر روايته، ويقوم بإجراء تعديلات عليها لمدة تزيد على عشر سنوات، في محاولة للتعبير عن ذلك الخوف وعن حالتَي الجنون واللامعقول اللتين سادتا تلك المرحلة في الاتحاد السوفياتي.
إنّ سوداويّة الوقائع، وانقطاع الأمل، وحياة البؤس التي لا أمل بالخروج منها، وإجبار الناس على الخضوع، كل هذه تجعلهم ضعفاء وعلى استعداد لتقبّل كل شيء، بما في ذلك الشيطان والسحر. وتصبح شخصيات مثل فولند وبيغموت وكوروفييف، شخصيات مقبولة، بل محبوبة ما دامت تقدّم للناس ما يحلمون بالحصول عليه من لباس على الموضة، وعملة أجنبيّة، ومسكن مقبول، وحب حقيقي، وإبداع بلا خوف، وحرية... هكذا تلحق مارغريتا بالشيطان لأنه يحقق حلمها بالعيش مع حبيبها.
من فاوست، من المسيح في مواجهة بيلاطس، ومن متى ويهوذا، وكانط، وتولستوي، وغوغول وغيرهم يستمد بولغاكوف رؤيته في مواجهة تلك الأيام الشديدة الوطأة على الناس في الاتحاد السوفياتي، التي انتشرت فيها الاتهامات بالعمالة، وكراهية الأجانب، والشك في كل شخص، والتعرّض للاعتقال لأدنى سبب.
تُعدّ رواية «المعلّم ومارغريتا» للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف (دار التنوير- ترجمة يوسف حلاق) إحدى أبرز روايات الحب المحفزة لأنواع مختلفة من المشاعر. اشتغل ميخائيل بولغاكوف على روايته لمدّة اثني عشر عاماً في ظلّ الديكتاتورية الستالينية، مدركاً تماماً أنه لن تكون له أيّ فرصة لنشرها في حياته. كتبها صاحبها وأحرق مخطوطتها عام 1930 ثمّ أعاد كتابتها من ذاكرته عام 1931، وأنهى مسوّدتها الثانية عام 1936 ثم الثالثة عام 1937 وظلّ يعمل على إعداد المخطوطة الرابعة حتى وفاته عام 1940. ولم تجد الرواية طريقها الى النور إلا بعد ستة وعشرين عاماً، عندما نشرتها أرملته في مجلة موسكو الأدبية في حلقات بدءاً من تشرين الثاني (نوفمبر) 1966.
نسخ بولغاكوف فصول الرواية الأخيرة حنى آخر مسودة، ومات قبل أن يلائم بينها وبين الرواية وفق نسختها الأخيرة، فتولت زوجته ضمّ الفصول الأخيرة من المسودات السابقة إلى المسودة الأخيرة للراوية، قبل إعداد النسخة الأخيرة منها.

انتصار الفن
«المعلّم ومارغريتا» هي الرواية الأخيرة التي كتبها بولغاكوف (1891 – 1940) ويصنّفها بعض النقاد بأنها تحفته، وشكّل نشرها (بين عامي 1966 – 1967 )، بعد حذف فقرات كثيرة منها لأسباب تتعلق بالرقابة، حدثاً بذاته، وتركت وقعاً كبيراً في نفوس القرّاء المنجذبين الى الفن والحرية، حتى باتت «المعلّم ومارغريتا» من روايات روسيا الكلاسيكيّة، وبات بولغاكوف واحداً من أبرز الكتاب الروس من أمثال دوستويفسكي، غوغول وتشيخوف. وجاءت «المعلم ومارغريتا» لتؤكّد انتصار الفن، بعدما هدّد الطغيان السياسي الرواية كما سائر الفنون، غير أنها استمرّت إلى ما بعد انتهاء الحقبة الستالينية، وتُرجمت إلى لغات عدة، ثمّ اعتُمدت في المسرحيّات وأغاني الأوبرا، كما تمّ عرضها على الشاشة الصغيرة.
تتمتّع هذه الرواية بازدواجيّة الجدّ والهزل في آن، أو حسّ الفكاهة الممزوج مع خيال غرائبي. أمّا السرد فيدور فيها على مستويين يلتقيان في نهاية المطاف. كتب ميخائيل بولغاكوف، بسخرية مدمّرة، الحياة السوفياتيّة خلال الفترة الأظلم من نظام ستالين. فجاءت الرواية بمثابة هجاء للنظام الاجتماعي السوفياتي، وهجاء لفترة حكم ستالين، ونقداً قاسياً للتجربة الماركسيّة عموماً.
تتحدث الرواية عن زيارة مفترضة يقوم بها الشيطان «فولند» إلى موسكو، العاصمة السوفياتية، في أوائل الثلاثينات، ووقائع هذه الزيارة. وتبدأ من مشهد يتجادل فيه الشاعر «بزدومني» والأديب «برليوز»، رئيس رابطة «الماسوليت» الأدبية حول وجود المسيح والشيطان، ليظهر لهما «فولند» ويثبت وجود المسيح والشيطان في حكاية مشهد لقاء «بيلاطس» البنطي مع «يسوع» الناصري، ثم يتنبأ بموت «برليوز»، وإصابة «بزدومني» بالشيزوفرينيا.
يظهر «فولند» بعدها في شقة «برليوز» التي يتقاسمها مع مدير مسرح منوعات اسمه «ليخدييف»، ويُرسل «ليخدييف» إلى يالطا، ليستولي على الشقة مع عصابته التي روعت «بزودمني»، «كرفيوف» و«بيهموث» القط. وتنضم إليهم في ما بعد «هيلا» مصاصة الدماء، و «عزازيلو» القاتل المأجور.
يتولى «كرفيوف» تنظيم حفلة للسحر الأسود وفضحه، لرغبة «فولند» في مشاهدة أهل موسكو، فيمتلئ المسرح عن آخره، ويحيي «كرفيوف» و «بهيموث» الحفلة التي تمتلئ بالأمور المرعبة والغريبة. يظهر «بيلاطس» البنطي من جديد متدبّراً أمر العفو عن المسيح، لكنّ الكهنة اليهود يرفضون ذلك، ومن ثم يظهر «ليفي ماتفي» متى العشار محاولاً إنقاذ المسيح من العذاب من دون فائدة.

رواية محترقة
يقابل «بزودمني» المعلم، ويعرف منه أنه قابل الشيطان في البداية، كما يعرف أنّ المعلم كتب رواية عن «بيلاطس» البنطي والي اليهودية الخامس، ويعلم عن حبّه ل «مارغريتا». يدبر «بيلاطس» البنطي مقتل «يهوذا»، وتقبل «مارغريتا» دعوة «عزازيلو» لزيارة «فولند»، فتصبح ساحرة، وتنضم إلى الشيطان مع خادمتها في حفلة يقتل خلالها البارون مايغل، إحدى الشخصيّات البارزة المكلفة بالتعامل مع السياح، والسبب مشكلة بينهما. ثمّ يعودون جميعاً إلى الشقة الرقم خمسين حيث يواصل «كرفيوف» و«بهيموث» حيلهما وألاعيبهما.
تطلب «مارغريتا» من «فولند» أن يحضر لها المعلم، فيستحضره لها، ويعيد له روايته المحترقة قائلاً أنّ الكتب لا تحترق، ويعود «المعلم ومارغريتا» إلى شقة الأخير، في حين يقوم «كرفيوف» و «بيهموث» بمجموعة مغامرات أخيرة، بعدها تحاصر الشرطة الشقة رقم خمسين والتي تكرّرت الإخباريّات الغريبة في شأنها، لكنّ «بهيموث» يهزأ برجال الشرطة، ويحرقها، ويغادر برفقة «فولند» و «كرفيوف» في وضح النهار مودعين موسكو.
يأتي متى العشار لمقابلة فولند في شأن المعلم، ويطلب منه أن يقوده إلى الطمأنينة لا إلى النور، فيستدعي فولند المعلم ومارغريتا، وينطلق برفقة عصابته إلى الملاذ الأبدي.
تحوي الرواية الكثير من التفاصيل: الشيطان، والقط الذي يكسّر بحكمة، ويسوع باعتباره الإنسان، ومواضيع كالحب، وتلميحات عن التجديف... لكنّ التفاصيل لا توضع عبثاً، إنها محكومة بالبناء الروائي، وهي بدورها تناسب كل مكونات الرواية، من ناحية ما نريد قوله من خلالها، وهي عملية توازن تتطلبها الحياة نفسها، التي تستقي الرواية منها مفرداتها وأحداثها ورؤاها. ويشكّل تراكم هذه التفاصيل البنية الأساسيّة للرواية، ليكشف سبب هذا الطغيان السردي وأهميّته.
وبفعل الإحالات والرموز التي تحفل بها الرواية، احتاجت إلى توضيحات من الناشر تحيل على أحداث وأفكار كبرى. فالرواية التي تعد من أشهر أعمال الأدب الروسي وأكثرها صدقاً، مليئة بالإشارات إلى أماكن وأحداث حصلت وعاشها الكاتب في مرحلة تميّزت بالخوف والاعتقالات والاغتيالات إبان حكم ستالين، مما دفع بكاتب كبير مثل بولغاكوف الى أن يؤجل نشر روايته، ويقوم بإجراء تعديلات عليها لمدة تزيد على عشر سنوات، في محاولة للتعبير عن ذلك الخوف وعن حالتَي الجنون واللامعقول اللتين سادتا تلك المرحلة في الاتحاد السوفياتي.
إنّ سوداويّة الوقائع، وانقطاع الأمل، وحياة البؤس التي لا أمل بالخروج منها، وإجبار الناس على الخضوع، كل هذه تجعلهم ضعفاء وعلى استعداد لتقبّل كل شيء، بما في ذلك الشيطان والسحر. وتصبح شخصيات مثل فولند وبيغموت وكوروفييف، شخصيات مقبولة، بل محبوبة ما دامت تقدّم للناس ما يحلمون بالحصول عليه من لباس على الموضة، وعملة أجنبيّة، ومسكن مقبول، وحب حقيقي، وإبداع بلا خوف، وحرية... هكذا تلحق مارغريتا بالشيطان لأنه يحقق حلمها بالعيش مع حبيبها.
من فاوست، من المسيح في مواجهة بيلاطس، ومن متى ويهوذا، وكانط، وتولستوي، وغوغول وغيرهم يستمد بولغاكوف رؤيته في مواجهة تلك الأيام الشديدة الوطأة على الناس في الاتحاد السوفياتي، التي انتشرت فيها الاتهامات بالعمالة، وكراهية الأجانب، والشك في كل شخص، والتعرّض للاعتقال لأدنى سبب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.