هي الموت التي لاتعرف مخططات ولامستقبل اخترقت بدون مقدمات الكاتب السويدي الشهير لارسن ستيغ (1954/ 2004) لتجعل من كاتب آخر ديفيد لاجيرغراتس كاتباً عالميا. الكل ينظر ثلاثية ” ميلانيوم ” / ” الألفية ” في جزئها الرابع في سنة 2015. وهكذا قاد البحث عن صيغ جديدة لبيع القصص، والبحث عن كل ما هو غرائبي وعن كاتب يكتب بيد وروح كاتب آخر..وهي موضة قديمة اعتمدتها دور النشر في متابعة نجاحاتها..كما هو حال السينما والتلفزة في خلق أجزاء من المسلسلات الناجحة والأفلام التي تحبس أنفاس شباك التذاكر. في ثلاثية ” الألفية ” التي حققت بيع ثمانين نسخة في العالم وأزيد من أربعة ملايين قارئ، دفعت الناشرة السويدية للبحث عمن يكمل مخطوط الجزء الرابع... هكذا وقع الإختيار على دفيد لاجيرغراتس بحكم أنه ينتمي لعائلة أرستقراطية ، تنتمي للنخبة الثقافية السويدية، فأبوه هو الذي كتب سيرة ” شندبرغ” . كذلك والد ستيغ،إيرلاند ستيغ منحه الموافقة لكتابة هذا الجزء الرابع بعنوان ” من لايقتلك يجعلك قويا ” . أو بعبارة أخرى ” الضربةالتي لا تقسم ظهرك تجعلك أكثر قوة “ فالكاتب دفيد لاجيرغراتس ( من مواليد سولونا 4 شتنبر 1962)، درس الفلسفة والدين تم بعد ذلك تخصص في الصحافة. مرت مسيرته المهنية والصحافية بتأليف كتابه المشهور ” أنا زلاتان براهيموفيتش ” وهو عبارة عن سيرة ذاتية للاعب كرة القدم، باع منه أكثر من مليون نسخة، وحقق نجاحاً كبيراً في كل أوربا. جاءت فكرة اختيار دفيد أولاًلحيه الصحفي وككاتب للسير يبدع فيها بشكل كبير ولما حققه على الصعيد الأوربي من سمعة طيبة في كتابه الأول، وكذلك ككاتب تجريبي، له قدرة كبيرة لمنح حيوات لشخصيات يتقن مساراتها. يقول ديفيد ” كان لارسن كاتباً كبيراً، له قدرة كبيرة في خلق قصص يرسخها في عقول الكثيرين من القراء”. في هذا الجزء الرابع نتابع الهاكرز لسبيت سلاندر لهجمة الكترونية وهي ما كانت تحاول تفاديه منذ مدة وبسبب غير وجيه. بينما صحيفة ” الألفية ” تكتب عنها بشكل سيء، حيث يعمد مايكل بلوموفيتش وهو جزء من ماضي هذه المجلة في تلقي مكالمة في احدىالمسارات من طرف الأستاذ فرانس بلا رد ، أحد الاختصاصيين في الذكاء الإصطناعي ويقول عنه أنه يتوفر على وثائق حية عن وكالة للمخابرات الأمريكية بين يديه. سلاحه الفتاك فتاة متمردة مع فتاة أخرى يعرفها جيداً مايكل . يعتقد هذا الأخير بحدسه الصحفي أن وجد” قنبلة صحافية ” سيحقق بها الشهرة والمال ويرفع من أسهم المجلة . بينما الهاكرز بيست ساندلار لها الكثير من الأفكار القريبة حول ما يدور. حالة ذهول عاشها الكاتب دفيد وهو يكتب الجزء الرابع في سرية تامة ” أشعر أن رأسي يبدأ بالمشي، ولكن أنا سعيد للغاية..رأسي يمشي بين الحين والأخر .. بسبب وقوع الكثير من الأشياء وأجندتي أضحت حمقاء طيلة شهور مضت ”. تم يضيف ” سيحدث الرواية ضجة..أعتقد أنني قمت بكل ما بوسعي. اشتغلت بشكل قاسٍ لكتابة رواية جيدة..أتمنى أن أستطيع المشي بشكل هادئ بدون نظارات شمسية ”. ما الذي يجعل من الكاتب دفيد لاجير غراتس منشغلا ومهموماً وقلقاً لهذه الدرجة؟ استكمال الجزء الرابع من السلسلة الشهيرة لثلاثية الألفية ” الرجال الذين لايعشقون النساء ” (2012)، تم الجزء الثاني ” الفتاة التي تحلم مع ” تم الجزء الثالث ” الملكة في قصر التيارات الهوائية ”(2014).تم الجزء الرابع ” من لايقتلك يجعلك قوياً ” (2015) ففي السنوات الأخيرة برز فيما يشبه القاعدة تحويل الأدب إلى الكوميديا من طرف مجموعة من دور النشر وباختيار كتاب مهرة ومبدعين لهذه العملية الصعبة ، فهناك نسخ كوميدية كلاسيكية كما رواية ” البحث عن الزمن الضائع ” لبروست، ” فاوست ” لغوته، ” التحول ” لكافكا. عملية تدار بأحكام ويبقى هاجسها الكبير تحقيق الأرباح الصافية ودفع بعجلة بعض الكتاب المحظوظين إلى الشهرة العالمية. بالنسبة للخطوات التي اتبعها الكاتب في انجاز الجزء الرابع ” أول شيء قمت به هو اعادة قراءة كتب ستيغ الثلاثة. قرأتها مراراً وتكراراً ..للبحث عن سر يقودني إلى كتب جديدة..وبدأت الكتابة..لكني لم أقلد أسلوبه ..كتبت الرواية بأسلوبي الخاص”. تناول في ها شخصيات غريبة وعجائبية خارج مدار المألوف. فشخصيات الرواية شخصيات رائعة بمنحها رواية غرافيكية، إنه الشكل الذي تمنحه الحياة إلى بطلة الرواية لسبيت سالاندر بشكل مرئي من جديد. يخرج الجزء الرابع في أكثر من ثلاثة ملايين نسخة وفي أكثر من أربعين بلد، وحدها منشورات لابلانيتا نشرت صيف 2015 مائتي وخمسين ألف نسخة لوحدها. شيء آخر كل عمليات الكتابة والنشر وطيلة 2015 مرت في طيالعثمان والسرية، فالكاتب لاجير غراتس كتب الرواية في حاسوب غير موصول بالأنترنيت وسلمها للناشرة السويدية إيفا غدين بيده، كما أرسلت النسخ الأخرى في دور النشر عبرمرسوم خاص..كل هذه الإجراءات خوفاً من قرصنة الرواية قبل خروجها لسوق القراء وتحسباً لكل المفاجآت. أولى هذه المفاجآت هو الصراع القانوني بين خطيبة لارسن ستيغ ، إيفا غابرلسون ، وعائلة ستيغ والناشرة وحسم القضية لصالح العائلة والناشرة. إيفا غابرلسون والتي ظلت مع الكاتب في علاقة لمدة 32 عاماً قالت أنها تملك 320 صفحة من المخطوط الأصلي، وبعد النزاع على صفحات الصحف وفي القضاء أصدرت مؤخراً سيرة ذاتية بعنوان ” الألفية ، ستيغ ، وأنا ” . المفاجأة الثانية صديق الكاتب كوردو باسكي أصدر بدوره كتاباً بعنوان ” صديقي ستيغ لارسون ”. هو التهافت على هذه الرواية التي حققت نجاحات ومبيعات باهرة وأغرت دور النشر وجعلت منها الرواية الأكثر مبيعاً في سنة 2015. على صدر الأغلفة الأربع للرواية تظهر فتاة نحيفة بشعر طويل منسدل ولباس أحمر قميص في وضعية جلوس على الأرض في الجزء الأول، وعلى السرير في الجزء الثاني وعلى الطاولة في الجزء الثالث وفي الجزء في سرير في غرفة شبه مظلمة. إنها الثلاثية التي حققت أكثر من أربعة ملايين قارئ وبيع منها 78 مليون نسخة. يقول دفيد ” قمت بهذا العمل لأنها مسألة رغبة..شيئا فشيئا شعرت برعشة في جسدي ..يعجبني التحدي ”. أكثر من هذا ” أتمنى بعد عشرين سنة أن أفوز بجائزة نوبل عن رواية سوداء”.. كم تأخذني الدهشة وأنا أتابع الكاتب العربي ومعاناته مع دور النشر ومشكل القراءة والنخب الحاكمة...ياله من كاتب يحز في النفس والخاطر..وتلك أعظم مصائبنا. ........ كاتب المقال ناقد مغربي