أطلق بعض الفنانين في القرن العشرين على نفسه اسم “الإرهابي الجمالي ” مثل جان فاير، الرسام والنحات والمخرج والكاتب المسرحي والممثل الذي أطلق على نفسه اسم الإرهابي المغامر شاعر الرسم والكتابة الذي يعمل بإخلاص لتحقيق أفكاره. وذهب براين جينكنز صاحب فكرة مؤسسة “راند لبرامج بحوث الإرهاب” إلى “أن الإرهاب هو المسرح”، لكنه لا يقصد طبعا أن الفعل الإرهابي فعل جمالي، بل يشير إلى البعد الاستعراضي والأدائي والتأثيري فيه، إضافة إلى سمته التكرارية. في كتابهما المشترك “الإرهاب والدراما الحديثة”، الصادر عن جامعة كولومبيا الأميركية، والمترجم إلى اللغة العربية من قبل أمين حسين الرباط بعنوان “الإرهاب والمسرح الحديث”، يختار محرراه جون أور ودراغان كليك مجموعة دراسات لعدد من الباحثين تحاول إيجاد صلات بين التاريخ الدرامي والسياسي، والكشف عن مناطق جاذبية الإرهاب بوصفه موضوعا للمسرح المعاصر. البروفيسور دانيال جيرولد يكتب عن التاريخ الدرامي والسياسي للإرهاب، ويتناول مايكل باترسون تجارب كل من بيسكاتور وبريخت والمسرح الألماني الحديث. وتحلل سوزان جرين هالج تجارب النساء والإرهاب في الدراما المعاصرة، ويكتب دراغان كليك عن الكاتب المسرحي اليوغسلافي دوسان جوفانوفيتش، ويدرس لادو كرالج نماذج من الإرهاب في الدراما التعبيرية الألمانية، وتركز ماري داهل على الاستجابة الدرامية لإرهاب الدولة في العالم المعاصر. أما ريتشارد بون وديفيد رابيه فيتناولان الدور المحوري الذي لعبه الإرهاب لإعادة الحيوية إلى المسرح البريطاني في سبعينات القرن الماضي. التعريف الذي يقدمه جون أور ودراغان كليك للإرهاب هو التعريف الشائع في الخطاب السياسي والإعلامي، أي العمل العنيف الذي يقصد إحداث تأثير عام موجه عادة ضد أفراد أو مؤسسات الدولة، أو شرائح عشوائية من السكان. وهو غالبا ما يهدف ليس إلى إيذاء ضحاياه الرئيسين فحسب، بل كل أولئك الذين يناصرونهم. ويرى المحرران أن الإرهاب وثيق الصلة بالدراما المسرحية لسببين، أولهما الطابع المسرحي العنيف والموحي بالموت الذي يحيط بالإرهاب، والذي لا بد أن يجذب المشتغلين في المسرح، وثانيهما أن الإرهاب، شأنه شأن “المعاصرة” ذاتها، صار قدر الإنسان. يقول جون أور إن إحدى نقاط الجذب في الإرهاب، من وجهة نظر الكاتب المسرحي، هي الأثر الدرامي الذي يمكن أن يكون مباشرا ومثيرا للمشاعر والأصداء الواسعة في الوقت. ويشير أور إلى أن أساليب الإرهاب ذات طابع أدائي عال، فمن أجل الأهداف السياسية يكون للإرهاب تأثير، وإن لم ينجح فلابد أن يكون نوعا من الدراما الاجتماعية. وبالتعارض مع الدراما الجمالية، التي ترتبط بالمسرحة ونقص الفعالية وقوة التأثير، ترتبط الدراما الاجتماعية بالنزعة الأدائية وهدف الحماية والتغيير وإسقاط الوضع الراهن. يضع جيرولد الإرهاب في منظوره التاريخي السليم عندما يوضح افتتان الإليزابيثيين وانبهارهم بالرعب بوصفه سلاحا يمثل سطوة الدولة، ويبين أن التراجيديا في عصر النهضة تمتد بجذورها إلى الرعب المتمثل في عصر تيودور، وفي الدولة البريطانية التي كانت لم تزل بعد جنينا، وبالقدر نفسه في المدينة الإيطالية التي عاش فيها ميكيافللي. لكن الاستخدام المنظم للرعب يظهر بعد ذلك مع قيام الثورة الفرنسية، حينما يغدو في خدمة العقيدة الكلية. يستكشف باترسون، في مقالته عن إخراج بسكاتور لمسرحيات شيللر، جذور الإرهاب، ويرى أن مسرحية شيللر التي ألفها عام 1780، وهو شاب، يمكن أن تُعد أول مسرحية إرهابية في قائمة المسرحيات الأوروبية، ويعتقد بأن استخدام بسكاتور الزي الحديث في إخراجه لها عام 1926 يعزز ذلك. ينظر كرالج إلى بعد مختلف من أبعاد المسرح الألماني، وهو الحركة التعبيرية قبل الحرب وبعدها، ويكشف عن رؤية ورغبة يائسة (ذات نغمات رومانسية ومسيحية عالية) صوب فجر جديد في المجتمع الحديث، ويتمخض هذا عن إحساس إرهابي جديد. يدرس بون مسرحيات الكاتب البريطاني هوارد برنتون دراسة متأنية، ويحدد جذورها بأنها مستمدة من مشاهد المواقف عام 1968 (ثورة الطلبة في باريس التي امتدت إلى بريطانيا وألمانيا)، إذ أن البطل الإرهابي في مسرحياته المبكرة يحمل تأثيرات تلك المواقف، لكن برنتون يرفض البطل الإرهابي في مسرحيته “الروعة”، حيث يتجه إلى التيار الرئيسي للمسرح، متخليا عن مسرح المعارضة، فهو على خلاف مسرحياته الأخيرة يسمح للبطل بأن يسيطر على الحدث، رغم رفض المؤلف له سياسيا. أما رابيه، فإنه يتناول صور الإرهاب في الدراما البريطانية في السبعينات والثمانينات بصورة عامة، ويوسع مجال المشكلة التي يثيرها برنتون في مسرحيته “الروعة”، وهي مشكلة البطل الإرهابي، ومدى تكامله مع شبكة إرهابية واسعة، أو انفصاله نهائيا عنها. ثم يحلل رابيه عددا آخر من المسرحيات، وفقا للمنظور نفسه، ليصل إلى رأي مفاده أن مفهوم الشبكة الإرهابية التخريبية الجماعي يتعارض والعظمة والسمو التقليديين للبطل الدرامي الوحيد، والانقسام الذي يقع بين العامة والخاصة نتيجة لتقاليد البطولة. تثير سوزان غرين هالغ، في معرض مناقشتها القوية لدور المرأة الإرهابية في الدراما المعاصرة، قضية الجنس (من حيث التأنيث والتذكير في اللغة) بوصفها قضية أساسية، وتركز على الأسلوب الذي يتولد عنه الرعب والإرهاب بوساطة اللغة، والصور الخيالية، والأحداث، وتوزيع أدوار الذكور والإناث، وترفض فكرة أن النساء اللائي يتورطن في الإرهاب يجري تصويرهن على أنهن “رموز للإرهاب”، وتقول: إن الإرهاب يقدم مجالا للتحدي، حيث يمكن تصوير أدوار بالغة التعقيد في المجتمعات الغربية. تنظر ماري داهل إلى المسرح العالمي من اتجاهات مختلفة، بوصفه بؤرة المقاومة لإرهاب الدولة، فهو يمثل حدثا جماهيريا وجماعيا، فالمشاهدون يستطيعون أن يستشعروا المقاومة الجماعية للإرهاب بغض النظر عن كونهم من ضحاياه أم لا، وبغض النظر أيضا عن كونهم يعيشون في تلك الدولة التي يتعرض المسرح للإرهاب فيها أم لا.