بات مصير لوحة زهرة "الخشخاش" التي تمت سرقتها منذ أكثر من شهر مجهولاً بعد أن أجمع خبراء الأمن علي انه لن يتم التوصل الي سارقها الا بالصدفة او في حالات معينة وذلك بعد فترة ليست بالقريبة. ومع ذلك يواصل جهاز الامن جهوده بكل امكانياته وطاقته للتوصل الي اللص ويتلقي يومياً مئات البلاغات والتي يتضح فيما بعد انها كاذبة.. فمنذ ان رصد رجل الاعمال نجيب ساويرس مكافأة قدرها مليون جنيه وانهالت الاتصالات الهاتفية عليه وعلي وزارة الثقافة ورجال الأمن وكل متصل يقول إنه يعرف مكان اللوحة ثم يتضح أنه لا يعرف. وأن الأمر لا يخرج عن الطمع في المكافأة.. وكان اخر هذه الحالات هو ما قام به صاحب محل جلود حاول استثمار قضية سرقة لوحة زهرة لإنهاء مشاكله المالية المتعثرة• وقام بالاتصال بوزارة الثقافة وابلغهم بأنه يريد أن يتحدث مع أحد من قيادات الوزارة، وعندما سألوه عن السبب أكد لهم أنه يعلم مكان اختفاء لوحة زهرة "الخشخاش" وأنه سيخبرهم عن مكانها فور حصوله علي مبلغ المكافأة التي أعلن عنها نجيب ساويرس وقدرها مليون جنيه بالاضافة الي 10% من قيمة اللوحة، وفور علم وكيل وزارة الثقافة أسرع بإبلاغ أجهزة الأمن التي طلبت منه مجاراته ومعرفة مزيد من المعلومات عنه وتمت مجاراة الشاب وتبين أن اسمه سميح صلاح 35 سنة من منطقة المطرية وصاحب ورشة لتصنيع الجلود وأنه يمر بضائقة مالية وتم القبض عليه واعترف بارتكابه الواقعة بقصد الحصول علي المكافأة.. والطريف أنه طلب منهم إعطاءه كشفا بأسماء العاملين بالمتحف لمراقبتهم وإعادة اللوحة المفقودة• وقد وجهت إليه النيابة تهمة البلاغ الكاذب وتمت إحالته للمحاكمة. كما حاول رجل الانتقام من مطلقته والتي تعمل خادمة لدي تاجر إيطالي، وتقدم ببلاغ اتهم فيه الأخير بسرقة اللوحة وإعطائها لمطلقته؛ لتسلمها لأحد الأشخاص سيقوم بتهريبها لخارج البلاد. وبعمل التحريات اللازمة حول الواقعة، أكدت كذب ادعاءات الرجل ومحاولته تلفيق التهمة لمطلقته بغرض الانتقام منها، فتم ضبطه واعترف بما أكدته التحريات فقررت النيابة إحالته للمحاكمة. وفي واقعة أكثر طرافة من سابقتها قام شخص بالاتصال بمسئولي وزارة الثقافة وعرف نفسه بأنه موظف في محافظة الفيوم، وقال إنه يعلم بمكان لوحة "زهرة الخشخاش" المسروقة، وطلب مقابلة الوزير بنفسه لإخباره بمكانها، وعندما وصل إلي مقر الوزارة كانت المفاجأة حينما أكد ذلك الشخص، أنه شاهد في المنام محسن شعلان وكيل أول الوزارة المحبوس حاليا علي ذمة القضية، ومعه أحد أفراد الأمن يقومان بتسليم اللوحة لأحد الأشخاص الذي هرب بها إلي الإسكندرية. مضيفًا أنه شاهد في منامه أيضًا عملية تقليد اللوحة المسروقة تمهيدًا لإعادتها إلي المتحف كما لو كان اللصوص قد أعادوها بأنفسهم؛ فقام مسئولو الوزارة بإبلاغ الشرطة، وفي محضر رسمي أصر الرجل علي أقواله، وبعرضه علي النيابة قررت إخلاء سبيله. وزارة الثقافة نفسها لم تخلُ من التصريحات الكاذبة؛ ففي أول أيام السرقة، أكد وزير الثقافة فاروق حسني أن قوات الأمن في مطار القاهرة ضبطت اللوحة المسروقة بحوزة شاب وفتاة إيطاليين كانا ينقلان لوحة "فان جوخ" خلال محاولتهما المغادرة من مطار القاهرة إلي إيطاليا. كما طلب محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية والمحتجز بقسم شرطة الدقي علي خلفية القضية مقابلة المقدم محمد فوزي رئيس مباحث قسم شرطة الدقي، للإدلاء بأقوال جديدة حيث أفاد بأنه يشتبه في اثنين من رواد المتحف المصريين اللذين ترددا علي المتحف قبل اكتشاف واقعة سرقة اللوحة بشكل مثير للريبة، وقاموا بالدخول والخروج أكثر من مرة وأنه يتهمها بأنهما من ارتكبا واقعة سرقة اللوحة وأنه علي استعداد للإدلاء بأوصافهما. كما أيد فرد أمن بالمتحف أقوال رئيس قطاع الفنون التشكيلية بالمحضر ذاته، وتم الادلاء بأوصاف أحدهما وتم رسم صورة مقربة له للاستدلال بها عن الشخص المزعوم، ورغم ان اليأس بدأ يدب في نفوس رجال الأمن من التوصل الي السارق الا ان البحث لا يزال مستمراً ولا تزال الموانئ والمطارات تعلن حالة التأهب القصوي. وتشير اصابع الاتهام علي فترات متقطعة الي العاملين بالمتحف حيث ان هناك دراسة أعدها ال "F.B.I" أحد أجهزة الأمن الأمريكية، وأكد فيها معلومات محققة، تثبت أن 80 % من سرقات المتاحف يتم ارتكابها بتورط، وتعاون، واحد أو أكثر من العاملين في تلك الأماكن، ومن مهام وظائفهم الاطلاع علي خصائص الأنظمة الأمنية، وأسرارها، وكيفية إبطالها.. وأضافت الدراسة أنه ليس من الضروري ان يكون اللص هو احد العاملين في المتحف المسروق.. فقد يكون قريباً، أو صديقاً لأحد العاملين، عرف منه معلومات عن عمله، أو ربما يكون المتورط من الفنيين الخارجيين الذين تتم الاستعانة بهم لإصلاح خطأ أو خلل في النظام الأمني داخل المتحف. وقد سيطرت تلك الدراسة علي رجال المباحث الذين شكلوا خمسة فرق بحث جنائي لسؤال أكثر من 120 موظفاً ورجل أمن يعملون بالمتحف.. وانحصرت الشبهات حول خمسة من العاملين كانوا موجودين يوم الحادث في وقت مبكر واختفوا قبل إغلاق المتحف بحوالي نصف ساعة. خبير أمني أكد أن المتهم بالسرقة علي دراية تامة بقيمة اللوحة، وكيفية التعامل معها، سواء كان شخصا أو مجموعة أشخاص، فإنهم نفذوا العمل بحرفية عالية، ومن المؤكد أنهم سوف يتصرفون بدقة في إخفاء اللوحة النادرة في الوقت الحالي، وعدم ظهورها داخليا أو خارجيا لعدم الكشف عنهم داخل مصر، أو في أي بقعة من العالم مستندا في ذلك الي ما كشفه خبير البصمات عن عدم وجود أي بصمات علي برواز اللوحة المسروقة مما يؤكد أن الجاني محترف قام بارتداء "قفاز" حتي لا يترك أي أثر يشير إلي شخصيته. بينما أكد خبير أمني آخر أن سارق اللوحة إما "معتوه" أو "ساذج"• حيث ان رجال الشرطة والمباحث الجنائية في العالم كله أحيطوا علماً، عن طريق الانتربول بتفاصيل جريمة السرقة، وبصور للوحة المسروقة، كما تم إخطار جميع متاحف العالم، وصالات عرض اللوحات والتحف للبيع بالمزاد، وكبار هواة جمعها.. وبالتالي فلن يتمكن اللص من بيعها والاستفادة بثمنها الذي يقدر بخمسة وخمسين مليون دولار. بينما يقول خبير امني اخر إن بعض لصوص اللوحات الشهيرة لا يعرضونها للبيع وإنما سرقوها للاحتفاظ بها كبديل لحريتهم. حيث ان هناك الكثير من النماذج الذين تم القبض عليهم في جرائم سرقات أخري، وأملاً منهم في الإفلات من عقوبة السجن أو التخفيف منها، والتقليل من سنواتها فإنهم يبادرون بالتلويح للمحققين باستعدادهم للإرشاد عن مخبأ لوحات نادرة سبق لهم سرقتها واحتفظوا بها بعيداً عن الأنظار، انتظاراً لمثل هذا اليوم الذي سيقايضونها فيه بالإفلات من العقوبة!