أزمة جديدة تتسبب في توتر العلاقة بين الولاياتالمتحدةوإيران بعد انفراج محدود وهدوء متبادل بين البلدين، فقد ظلت العلاقة في حالة صعود وهبوط يسيطر عليها مدى التقدم والتعثر في المفاضاوت بشأن الملف النووي الإيراني، وتمثلت تلك الأزمة في الحرج الدبلوماسي الذي سببته واشنطن لسفير إيران الجديد لدى الأممالمتحدة حميد أبو طالبي بعدم منحه تأشيرة دخول لأراضيها للقيام بمهامه كمبعوث لبلاده لدى الأممالمتحدة، بحجة تورطه في عملية احتجاز رهائن في السفارة الأمريكيةبطهران عام 1979 استناداً على مشروع قانون أقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي يرمي لمنع أبو طالبي من دخول الأراضي الأمريكية. وهو ما ترفضه طهران وتعتبره ممارسة ضغوط عليها وتتمسك بطالبي وترفض التقدم بأي بديل خلفاً له، مما يثير تكهنات بأن تلقي مثل تلك الإجراءات بظلالها على الملف النووي الإيراني، خاصة وأن طهران تؤكد عدم تورط الرجل بل أنه كان أحد المفاوضين، بينما تقف الأممالمتحدة صامتة وتركت الأمر بين البلدين دون تدخل بحسب المتحدث باسم الأممالمتحدة ستيفان ديوياريتش الذي أكد أن المنظمة الدولية لم تستشر من جانب أي من البلدين، وأن مصير تعيين أبو طالبي يبقى مسألة بين الأمريكيين والإيرانيين. ويرى خبراء سياسيون أن أمريكا تحاول الضغط على إيران في كافة المحافل الدبلوماسية حتى تشرع في تفكيك برنامجها النووي تماماً، ورغم اتفاق القوى العالميةp5+1 مع طهران على خفض أنشطتها النووية، إلا أن هذا لم يشفع لها عند أمريكا لتخفيض العقوبات أو السماح للجهورية الإسلامية بممارسة سيادتها في المحافل الدولية. فالأزمة الدبلوماسية بين إيرانوأمريكا- كما يراها- د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لن تنتهي بمجرد سحب طهران للسفير حميد أبو طالبي من الأممالمتحدة، خاصةً وأن واشنطن تدرك أن أي تراجع في نوايا طهران حول اختيار الرجل، سيكون بمثابة تبعية إيرانيةلأمريكا، وهو ما سترفضه الجمهورية الإسلامية، ويقول : أن واشنطن تحاول الضغط على طهران ومحاصرتها خارجياً بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتفكيك طهران برنامجها النووي، نظراً لأن إيران لم تلتزم بعد بالاتفاق الدولي الذي يقضي بخفض إنتاج اليورانيوم، ويضيف جاد: أن الأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين أمريكاوإيران على خلفية رفض أبو طالبي ستؤثر على مفاوضات القوى الدولية مع طهران حول برنامجها النووي، وقد تعلن طهران تجميد المفاوضات لحين موافقة الأممالمتحدة على منح أبو طالبي تأشيرة دخول الولاياتالمتحدة. ويؤكد د. طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن البيت الأبيض لن يصدر تأشيرة دخول لسفير إيران الجديد إلى الأممالمتحدة، بسبب مزاعم حول تورطه في خطف رهائن داخل السفارة الأمريكية عام 1979 في طهران، ويوضح بأن الكونغرس أصدر مشروع قانون ضد أبو طالبي من شأنه أن يمنع حميد من دخول الأراضي الأمريكية، وبالتالي أبلغت واشنطنالأممالمتحدةوإيران بالقرار، ويرى أنه من النادر أن ترفض أمريكا منح تأشيرات دخول المرشحين الدبلوماسيين أو سفراء الأممالمتحدة أو رؤساء الدول الأجنبية الذين يرغبون في حضور فعاليات داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن هذا القرار يأتي على خلفية احتجاز أبو طالبي 52 موطناً أمريكياً لمدة 444 يوماً، وبالتالي تعتبر أمريكا أن رفض دخول سفير إيران بمثابة انتصار سياسي جديد للدبلوماسية الأمريكية على إيران، ويصف فهمي ترشيح إيران لأبو طالبي يعد بمثابة إهانة متعمدة للولايات المتحدة، نظراً لأن الجمهورية الإسلامية تحاول التلكؤ في المفاوضات النووية مع القوى الدولية التي باتت على وشك الانتهاء والتوصل لاتفاق نهائي، وتريد إحداث صدع سياسي لحين إنتاج السلاح النووي، ويشير إلى أن واشنطن تعلم جيداً مساعي إيران نحو ذلك، وتعاملت مع الأزمة من خلال إصدار مشروع قانون يمنع دخول الرجل، حتى لا تقابل باعتراضات حقوقية أو دولية على أثر منع شخصية دبلوماسية من دخول الأممالمتحدة. وفي ذات السياق يصف د. أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، اعتراض أمريكا على منح تأشيرة دخول البعثة الإيرانية لدى الأممالمتحدة، بالقرار المؤسف من قبل الإدارة الأمريكية، لأنها بذلك خالفت القانون الدولي، الذي ينص على ضرورة التزام البلد المضيف وعدم منع دخول ممثلي الدول الأخرى إلى مقر الأممالمتحدة، ويشير إلى أن طهران فضّلت عدم تصعيد الأزمة الدبلوماسية، ووافقت على ترأس حسين دهقاني البعثة الإيرانية لدى الأممالمتحدة لحين تسوية النزاع الدبلوماسي مع أمريكا، وتابع: الأزمة الدبلوماسية تأتي وسط المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية، وتوقع أن تقوم طهران برد مماثل لدى الإدارة الأمريكية، خاصةً وأن البيت الأبيض لم يحدد سبباً واضحاً لمنع أبو طالبي من دخول الأممالمتحدة، باعتباره يمثل تهديداً للأمن القومي أو السياسة الأمريكية، ومن المفترض أن يكون هناك دليل مادي يعزز حجة واشنطن في منع السفير الإيراني من الدخول لمقر الأممالمتحدة، وألا يكون الحديث عاماً عن تورط الرجل في أزمة خطف الرهائن، ويرى سلامة أن أمريكا تحاول صرف إيران وإشغالها بمعارك جانبية مثل رفضها مشاركة طهران في جنيف الثانية، والضغط عليها بالعقوبات الاقتصادية لتفكيك برنامجها النووي، وأخيراً منع دخول أحد سفرائها إلى الأممالمتحدة، وكل ذلك حتى ترضخ طهران إلى مطالب واشنطن، وتبتعد عن مساندة الرئيس السوري بشار الأسد في القتال الدائر ضد المعارضة المسلحة التي تدعمها أمريكا وبعض القوى الدولية. ومن وجهة نظر مغايرة يقول د.عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق للعلاقات الدولية: أن قانون الولاياتالمتحدةالأمريكية يحظر دخول أي شخص شارك في أي أنشطة إرهابية حول العالم، ويحدد القانون بعض العناصر مثل احتجاز رهائن، أو من قام بهجمات عنيفة على الأشخاص المحميين دولياً مثل الدبلوماسيين، وهذه المادة تمسكت بها أمريكا في قرارها بمنع دخول أبي طالبي إلى الولاياتالمتحدة للمشاركة في أعمال دبلوماسية تخص الأممالمتحدة، ويشدد على أن موقف واشنطن ينبغي أن يكون مثالاً لدول أخرى، بعدم السماح للإرهابيين المتنكرين في زي دبلوماسي من دخول أراضي البلد المضيف، غير أنه يرى أن حصانة أبي طالبي الدبلوماسية منعت أمريكا من القبض على الرجل بتهمة التورط في احتجاز رهائن أمريكية في طهران، ومع ذلك يلوح في الأفق مخاطر تعميق الصدع بين الولاياتالمتحدةوإيران، خاصةً في المحادثات النووية الدولية في فيينا، التي كان من المتوقع أن تبدأ صياغة اتفاق نهائي الشهر المقبل، وتابع: الأزمة الدبلوماسية ستجعل القوى الدولية تبدأ من الصفر مع طهران مجدداً، لكن يظل تخوّف الجمهورية الإسلامية من استعداد الكونغرس نحو فرض عقوبات اقتصادية إضافية، في حال جمدت تعاونها مع القوى الدولية بشأن برنامجها النووي. في حين توقع د. مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بالقاهرة، أن الأزمة الدبلوماسية بين واشنطنوطهران، رغم أنها تأتي وسط مفاوضات حساسة حول برنامج التطوير النووي للجمهورية الإسلامية، إلا أن القرار الأمريكي يرفض دخول أبي طالبي، لن يؤثر على المحادثات النووية مع إيران، نظراً لوجود قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، سيعملون على استكمال المباحثات، ويشير إلى أن منع دخول السفير الأيراني، يأتي بموجب قانون الأممالمتحدة الذي وافق عليها الكونغرس عام 1947، الذي يعطي للرئيس الأمريكي الحق في منع تأشيرات للأفراد الذين يشكل دخولهم تهديداً أمنياً للولايات المتحدة، ويقول اللباد: أن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد تعرض لموقف مماثل عام 2005، عندما رفضت أمريكا حصوله على تأشيرة دخول لحضور اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة، بسبب شكوك بأنه شارك أيضاً في الاستيلاء على السفارة الأمريكية واحتجاز الرهائن، لكن قامت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت لاحق بعد إجراء مقابلات مع الرهائن بمنح تأشيرة الدخول للرجل، ولفت إلى أن واشنطنوطهران يحاولان ببطء إصلاح العلاقات السياسية والدبلوماسية المتوترة منذ حادث الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، وأعتقد أن الرئيس الأمريكي أوباما حاول فعل المضي في ذات الاتجاه عندما أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني حسن روحاني، وقت أن كان الأخير في نيويورك العام الماضي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان هذا أول اتصال مباشر بين قادة الولاياتالمتحدةوإيران منذ عقود، ولذلك من المتوقع أن تحدث انفراجة دبلوماسية بين البلدين، وما حدث لا يعدو كونه رسالة أمريكية لإيران، مفادها أنها مازالت تحت مقصلة أمريكا. ويتفق معه في الرأي د.عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بأن أحد الأهداف الرئيسية لسياسة أوباما الخارجية، هي الحصول على اتفاق من شأنه كبح البرنامج النووي الإيراني، خاصةً وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها الدوليين يؤكدون أن إيران تتجه نحو القدرة على صنع سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران دائماً، ولذلك فإن الأزمة الدبلوماسية حول منع أبي طالبي كمايضيف مجرد ورقة ضغط من واشنطن على طهران، حتى تسرع في المفاوضات الجارية حول برنامجها النووي، ولفت إلى أن إيران قد تصعّد من العداء الدولي نحو أمريكا، في حال رفضت استبدال أبي طالبي المرشح كمبعوث إيران داخل الأممالمتحدة في نيويورك، خاصةً وأن الجمهورية الإسلامية تؤكد أن الرجل كان دوره مفاوضاً أثناء احتجاز الرهائن، وليس أحد المتهمين كما تزعم أمريكا، ويشير الشوبكي إلى أنه حصل سابقاً على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وأنه قد خدم في البعثات الإيرانية في أستراليا وبلجيكا وإيطاليا، وأوضح أنه كان من المتوقع تحقيق انفراجة دبلوماسية بين أمريكاوإيران بعد عقود من عدم الثقة بين البلدين، ويستبعد أن يؤثر القرار الأمريكي سلباً على استكمال إجراء محادثات دولية تهدف إلى كبح أنشطة إيران النووية، بعد أن أحرز المجتمع الدولي تقدماً كبيراً منذ أن بدأت في أواخر العام الماضي، ومن المتوقع أن يحدث اتفاق بين إيران والقوى الدولية قريباً.