منذ تحرير الكويت عام 1991، ظهر تنظيم القاعدة لأول مرة على ساحة الشرق الأوسط، حيث خلف وجوده حرباً جديدة بمسمى مطاطي تسمى الحرب على الإرهاب، كان على إثرها هجمات 11 سبتمبر، وتلاها مباشرة الحرب الأفغانية، ثم الحرب على العراق، كذلك الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وغيرها من سلسلة الحروب التي افتعلتها الولاياتالمتحدة الامريكية خصيصاً من أجل النفط. بحلول عام 2020 أو بعد فترة وجيزة سيكون من المنطقي والمجدي التنبؤ بأن الولاياتالمتحدة ستصبح مكتفية ذاتياً من النفط، ومصدراً كبيراً للغاز الطبيعي، وقبل 5 سنوات وتحديداً في عام 2008، كان من المثير للجدل على نحو مفرط أن يقال مثل هذا الكلام، كون أمريكا دولة مستوردة للنفط، لكن هناك مؤشرات تؤكد أنها ستكون دولة مكتفية ذاتياً، وفي هذا العام أكد قسم الطاقة في الولاياتالمتحدة والمتنبئون بصناعة النفط، أن واشنطن سوف تشرع في تزايد من إنتاجها النفطي الوطني بمعدل 7%، ليبلغ الإجمالي نحو 11.4 مليون برميل يومياً في نهاية عام 2013، بما يمكنها من منافسة إنتاج النفط السعودي والروسي، أو حتى تتجاوز إنتاج البلدين. لماذا تريد الولاياتالمتحدة حروب النفط في الشرق الأوسط؟ بعض الخبراء أكدوا أن الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج أو الدول الإسلامية يعد بمثابة خدمة لحماية تشغيله بالنسبة للأوروبيين، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، والهند، وأي مستورد رئيسي للنفط حول العالم، حيث تعد فكرة وجود خدمة حماية أمن النفط العالمي مصممة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتطبيقها من قبل واشنطن بالطبع لن يكون مجاناً، فهي تريد إحداث نوع من الإرباك السياسي في المنطقة ومحاولة صعود أنظمة وجماعات الإسلام السياسي في العالم العربي، لتكون أكثر موالاة للأمريكان، بما يشكل تحالفاً جديداً في الشرق الأوسط مع أهم دول النفط حول العالم ضد مصالح روسيا والصين. د. عيسى الأيوبي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس قال: إن مصر شهدت مؤخراً انخفاضاً حاداً في النفط، الأمر الذي أحدث أزمة خانقة داخل البلاد كان على أثرها تأفف المصريين من هذه الظاهرة التي لم يجد لها الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة أية حلول ولو مؤقتة، رغبةً منهم في إمداد قطاع غزة بالنفط المصري لسد العجز هناك، لوجود ارتباط وعلاقة تاريخية بين الإخوان وحركة حماس المسيطرة على القطاع، وهناك أيضاً في ظل الحرب الأهلية السورية التي راح ضحيتها أكثر من مائتي ألف شخص، كانت المعارضة المسلحة والجيش النظامي يستهدفان مرافق النفط والغاز والبنى التحتية في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف لإيقاف المورد الرئيسي للمركبات العسكرية، ومع ذلك، ظلت قطر الغنية بالنفط عاملاً رئيسياً مع الطرفين لدعم إخوان مصر والمعارضة السورية، وتابع، ليس هذا فحسب بل يتم التحضير حالياً لحرب النفط الأنجلو أمريكية في الصومال، والبعض يراها الهدف القادم، بعد ليبيا حيث تعتبر بريطانيا أن النظام في ليبيا بمثابة انتصار نفطي وليس سياسي بإسقاط معمر القذافي وصعود تيار الإسلام السياسي الموالي لقوات حلف شمال الأطلسي، نظراً لأن هذه الدول لا تبحث عن تدخلها الإنساني لحماية الشعوب، ولكنها تصر على التدخل في شؤون الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وأفريقيا.. وعلى ما يبدو ظاهرياً أن الصومال بلد فقير وتأتي على رأس (الدول الفاشلة) كونها تعاني دوماً من الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والمجاعة، إلا أن الصومال لديها احتياطي نفط هائل، وأيضاً احتياطيات الغاز وبعض الموارد الطبيعية الأخرى مثل اليورانيوم، الحديد والزنك، ووفقاً لتقارير البنك الدولي فإنها الدولة الثانية الأفريقية التي يوجد بها احتياطيات نفطية غير مستغلة، ووحدها قادرة على إنتاج ما بين 5 و 10 مليارات برميل من النفط، ولذلك من المتوقع ألا تترك أمريكا هذه الحرب قبل وضع أيديها على الحقول النفطية الصومالية. ومن جانبه أوضح د. عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن شركات النفط الغربية تخطط لبدء التنقيب في بعض مناطق إفريقيا والشرق الأوسط عن النفط، والنظام العالمي الجديد يستخدم ذريعة محاربة الإرهاب لفرض الحرب لتأمين المزيد من عمليات الحفر في جميع أنحاء البلاد وتأمين مصالح القوى العظمى، بعيداً عن تحكمات دول الخليج أو قادة الإسلام السياسي الذين صعدوا مؤخراً للحكم، وبعض شيوخ هذه الدول يرون أن إمداد هذه الأنظمة الغربية بالمواد النفطية غير جائز شرعا؛ً لأنها تستخدمها فيما بعد ضد الشعوب العربية، موضحاً أن دول الربيع العربي كان تحريرها من أنظمتها الديكتاتورية ليس بدافع إنساني غربي ولكن من أجل النفط، فمثلاً: حلف شمال الأطلسي يريد التوغل في اليمن لأنها تنتج يومياً أكثر من 300 ألف برميل نفط يومياً، ويعتمد اليمن على صادرات النفط في أكثر من نصف الإنفاق الحكومي، وفي حال تفجير هذه المناطق ستفلس البلاد نهائياً وستتوقف عن العمل، لذلك توجد مخاوف دائمة حول إمكانية وجود مؤامرات من قبل تنظيم القاعدة في اليمن و أماكن أخرى في المنطقة، يترتب عليها دخول القوات الغربية بدعوى محاربة الإرهاب وتأمين احتياجات العالم في قطاع الطاقة، وهو ما جعل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ينقل تخوفه للرئيس الأمريكي باراك أوباما والشعور بالقلق من الوضع الاقتصادي في بلاده، بسبب الحالة الأمنية المضطربة، وطالب بمساعدة بلاده في اتخاذ تدابير أمنية مشددة بالقرب من شبكات الكهرباء والسفارات الغربية وأنابيب النفط، مقابل دعم واشنطن بما تحتاجه من المواد البترولية، وهو ما يؤكد أن تنظيم القاعدة يعمل مع الولاياتالمتحدة لتفعيل هذا المبدأ داخل دول المنطقة. تعد هجمات 11 سبتمبر على الولاياتالمتحدةالأمريكية وضرب برجي مركز التجارة العالمي رمز القوة الاقتصادية الأمريكية، من أهم الأحداث خلال بدايات القرن الحالي، ووقتها خرج أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في فيديو قصير يبرر فعلته قائلاً" ماحدث رسالة إلى أمريكا بعد أن سرقت ثرواتنا والنفط"، وبعد أكثر من 10 سنوات على أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية، حدث ركود اقتصادي عالمي في وقت لاحق، ولذلك يبدو أن واشنطن تركز حربها الآن على النفط وتضع الدول النفطية على رأس قائمة المستهدفين. وفي رأي د.عمرو الشلقاني أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الأنظمة الأقلية السُنية المسيطرة على البترول (دول الخليج) لا يمكن أن توافق على تقليل إنتاجها من احتياجات السوق العالمي خوفاً من تكالب النظام الدولي عليها لعدم حدوث اضطراب أو توتر في الأسعار، باستثناء أوقات الحروب التي تنفجر فيها أسعار البرميل لوجود طلب متزايد على النفط لتأمين الطائرات والمركبات العسكرية، لافتاً إلى أن قادة دول الخليج وخاصةً (السعودية والإمارات) يخشون من استيلاء جماعات الأنظمة الإسلامية على الحكم في دول الربيع العربي، وهو ما اتّضح جلياً عندما صعدت جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر، ووقتها حدث نوع من الفتور في العلاقة بين الحكم الإخواني وهذه الدول، الأمر الذي أحدث خللاً في إمدادات الوقود داخل البلاد، لكن الإخوان قاموا بتوجيه بوصلتهم إلى قطر لتعويض النقص البترولي، ومع ذلك كان النظام الحاكم في مصر يقوم بإمداد قطاع غزة بكل ما يحتاجه من موارد على حساب الشعب المصري، ولذلك تفاقمت أزمة الوقود ولم يستطيعوا إيجاد حلول دائمة أو حتى مؤقتة، مؤكداً أن الغرب ليس لديه القوة المتبقية لمحاربة الدول الغنية بالنفط، وعليها أن تقبل بالأضرار الجانبية لإنتاج النفط والغاز والقدرات التصديرية، نظراً لأن الغرب في الأساس هو من يفتعل الأزمات الدولية. بينما يرى د. طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن العراق رغم أنها واحدة من أهم الدول النفطية في العالم، إلا أنها تواجه خلافاً شديداً حول خطوط البنزين وحقول النفط، مع إقليم كردستان، ورغم مرور عشر سنوات منذ الغزو الأمريكي على أيدي الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، إلا أن حرب العراق لم تنتهِ واقعياً، بعد أن ولي الجنود الأمريكيون، لكن هناك معركة جديدة تتكشّف على أرض الواقع، وتكافح الدولة من أجل السيطرة على موارد النفط المحلية، بعد أن هيمنت عليها قوة أمريكية أيضاً وهذه المرة ليس عسكرياً ولكنها أكثر من500 شركة تعمل في مجال البترول، موضحاً أن جماعات الضغط والناشطين وغيرهم في إسرائيل والولاياتالمتحدة وأوروبا و أماكن أخرى، يرغبون في قرع طبول الحرب على إيران لإعاقة تقدمها النووي، ولأنها تمتلك الكثير من احتياطيات النفط وهذا هو الأساس، نظراً لأن الحرب على طهران ستكون مكلفة جداً للعالم؛ لأن البلد كبيرة وذات كثافة سكانية عالية وتحتاج حرباً طويلة الأمد، وبالتالي فإن رغبة الغرب في الحصول على النفط الإيراني لم يعد أمراً حيوياً للبشرية، خاصةً وأنه لم يعد هناك أي مساحة أو وقت للحديث حول ما إذا كان أو لم يكن الأمر سيؤدي إلى استقلال الطاقة في الولاياتالمتحدة، بعد أن تفوقت واشنطن على موسكو لتصبح أكبر دولة منتجة للغاز في العالم عام 2012، وفي عضون عامين يمكن أن تكون أكبر منتج للنفط في العالم. ومن وجهة نظر د. حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن هناك آثاراً غربية وتداعيات خلفتها ثورات الربيع العربي غير متوقعة، ولا يزال من الصعب اقتفاء أثر ونتائج صعود الأنظمة الإسلامية، فمثلاً: تظل الحرب الأهلية في سوريا ونتائجها أبعد ما تكون عن اهتمام الولاياتالمتحدة، لكن تظل امتداداً للحرب المحتملة على الخليج الدول البترولية مع مزيج من الجماعات الأصولية الإسلامية، لكن على أي حال فإن واشنطن على مدى السنوات القادمة لن تكون بحاجة إلى نفطهم بدرجة أقل، لافتاً إلى أن آخر أثر يمكن التنبؤ هو تزايد التمرد الإسلامي الأفريقي، ومواجهة أمريكا في أي رد عسكري على القادة الإسلاميين في هذه الدول، وبطريقة أو بأخرى فإنه من المتوقع أن يدفع البيت الأبيض الثمن على جميع التوقعات القاتمة من وراء حروبها على النفط الإفريقي، وبالتالي فإن المغامرات العسكرية في صحراء أفريقيا ستكون من أموال دافعي الضرائب للإنفاق على عشرات الآلاف من القوات البرية المتمركزة بشكل دائم، ولذلك فإن اللعبة النفطية لا تستحق كل هذا العناء بعد أن أصبحت أمريكا قوى عظمى في المجال النفطي، مع إمكانية استقلالها عن نفط منطقة الخليج، بما يؤثر في الغالب على توازن القوى بين الولاياتالمتحدة والصين، التي مازالت تحتاج إلى حوالي 50٪ من كل النفط المنتج في شبه الجزيرة العربية، وبالتالي سيكون الخاسر الأول والأكبر في التدافع الجيوسياسي في جميع أنحاء العالم بسبب الطفرة النفطية عند الولاياتالمتحدة ستكون الصين.