علي عكس إسرائيل تماما، فلقد تعلمت إسرائيل من ردود أفعالنا أن انفعالنا بالقضية، انفعال وقتي يمثل الغضب العربي الطارئ مع كل هجمة حربية عنيفة علي الأرض الفلسطينية، التي لم نزل نتمسك بتسميتها (الأرض المحتلة) رغم اعتراف معظم دولنا العربية - إلا قليلاً - بالكيان الصهيوني بوصفه (دولة إسرائيل).. وإسرائيل (الدولة) تعرف جيدا كيفية تمهيد الطريق لأهدافها، بينما تعاني معظم سياساتنا العربية من عدم وضوح الرؤية بهذا الشأن.. شأن الهدف من التفاوض والهدف من الرد علي الحرب الإسرائيلية المحمومة ضد (غزة)! إذا كانت العمليات التي تشنها الحرب الشرسة علي قطاع غزة الهدف منها تصفية قادة حماس فلماذا كل هذا العنف الموجه ضد المدنيين والأبرياء؟! وكيف يكون رد الفعل العربي الغاضب ردة فعل موسمية ضد إسرائيل.. ولماذا تهاجم الأنظمة العربية بعضها بعضا باتهامات تواطؤ وعمالة؟!.. وكيف يصدق الشارع العربي مزاعم إسرائيل بخصوص الاستئذان من مصر لضرب غزة - فقط - إذ يتم تكذيب إسرائيل دائما في مزاعم أكثر حدة، وتعديا علي الأنظمة العربية؟!.. وهل لم يزل الأخوة في العروبة عاجزين عن تحديد مرمي أهدافهم؟! التعامل الإعلامي مع القضية الفلسطينية كشف العديد من التناقضات علي المستوي العربي، أولا: إن إسرائيل استطاعت خوض اللعبة من منظور التفكك العربي الواضح جدا في إحباط قمة الدوحة، ثانيا : استغلت إسرائيل التوقيت الحرج لوضع العرب جميعا في اختبار ثقة، فشل فيه الجميع، لأن أصوات خلافتنا أعلي من أصوات القنابل الإسرائيلية الذكية المستخدمة لتدمير الأنفاق بين مصر وغزة. ثالثا- وبشكل أكثر تعصبا :حاولت إيران - وهو دأبها - والتيارات السياسية ذات الغطاء الإسلامي استغلال هذه الهجمة من أجل إعلان الغضب ضد الحكام العرب بالانفلات الواضح بين رد الفعل الرسمي للأنظمة العربية ورد الفعل الشعبي. الملامح التي تشكلها الآن خلفية الصراع الإسرائلي العربي تنذر بخطر مفزع.. فمن ناحية أضحت إسرائيل ذات مصداقية في الشارع العربي، هذه المصداقية مدعومة بثغرات تعارض المصالح العربية التي بدت جلية في الخلافات حول توزيع المساعدات علي ضحايا غزة!! بينما الجانب الإسرائيلي يستغل هذه الأهداف لتحويل الصراع في الوطن العربي إلي صراع بين معتدلين.. أنظمة عربية تري أن إسرائيل قد تخدم مصالحها .. ومتطرفين علي رأسهم إيران وحزب الله وحماس.. نقع نحن في فخ الفرقة بدلا من الوحدة، وتظاهرات الغضب بدلا من البحث عن حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، التي هي بالفعل قضية يجب أن يكون حضورها أقوي تأثيرا في الشارع العربي من مواسم الغضب المرتبطة بتهورات صقور إسرائيل المحاربين أو حمائمهم الدبلوماسيين!! الوقت الحرج مرة أخري.. إذ نهاجم إيران وحماس وحزب الله.. ولا نقدم بديلا عن المقاومة، ولا نجلس علي طاولة المفاوضات لوضع نقاط الاتفاق علي حروف الاختلاف العربي. إن معرفتنا بإسرائيل لم تزل شائهة، مشوهة، يحكمها الإرث العدائي التاريخي إلا أنها لم تنتج بعد وعيا عربيا بحتمية المقاومة أو فريضة التفاوض!! نعم الهدف هو السلام، لكن السلام لا يتحقق بالأمنيات، والحقائق الواقعية لا تأتي وحدها، لابد من تحديد الموقف والهدف. وتأتي المبادرة المصرية، لوقف إطلاق النار، وقرار مجلس الأمن، وغيرها من الإلزامات الدولية لإسرائيل - التي لا تقر تل أبيب بها - لترد علي مصداقية الادعاءات الإسرائيلية لإيقاع الأنظمة العربية في فخ العمالة والتواطؤ أمام شعوبها نذيراً بلا مصداقيتها، وكشفا للغطاء الإعلامي المدروس جيدا من قبل إسرائيل، والمردود عليه بعشوائية عربية، تحتاج إلي التوحد الآن بين قرارين لا ثالث لهما.. إما دعم المقاومة بأشكالها المختلفة، حتي وإن اختلفنا معها، أو دعم السلام بما يضمن للشعب الفلسطيني حلاً دائماً وعادلاً لا تزلزله صواريخ حماس، ولا قنابل إسرائيل. .. إذا فهمنا القضية الفلسطينية بوصفها دولتين متجاورتين علي أرض واحدة.. فعلينا السعي الآن وفورا لوضع هذا الفهم محل التطبيق الواقعي لإقامة دولة فلسطينية تأوي شعبها وتجاور دولة إسرائيل.. ويرتكز هذا التطبيق علي (4) بنود هي (الأرض- الأمن - القدس تحت مظلة دولية - اللاجئين) وعلينا جميعا توحيد كلمتنا، وأجندة عملنا العربية في مواجهة التعنت الإسرائيلي حيث لا سلام يفرض بقوة السلاح.. ولا سلاح يمكن أن يفرض سلاما علي الأرض.. وتبقي مواسم القضية محل اختلال في التوازن بين معرفة إسرائيل لما تريده جيدا.. وسقوط الوعي العربي في دوامة الخلاف حول تحديد الأهداف.. القضية الفلسطينية .. يلزمها حل نهائي لا يشكل خطرا علي الأمة العربية ولا علي الشعب الفلسطيني الذي يسقط قتلاه كل صباح.. ضحايا مزاعم إسرائيل.. والغضب العربي غير محدد الهدف هل هو ضد إسرائيل فعلا.. أم ضد الأنظمة العربية المتهمة - زوراً - بالتواطؤ مع إسرائيل؟!.. وإذا كان الإعلام يلعب دوراً كبيراً في توصيف هذه المواسم فلابد من تغيير سياساتنا الإعلامية علي أساس إدراكنا الواعي لأهداف ومصالح إسرائيل في المنطقة العربية.. ولا نتذكر مواسم القضية الفلسطينية بوصفها أزمات حرب عابرة علي طريقة الشهيد.. محمد الدرة.. فهل تذكرونه؟!