ازدادت أزمة القضاة اشتعالًا عقب دعوة "تطهير القضاء" وإحالة رئيس مجلس الشورى مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى لمناقشته.. وإجراء التعديلات اللازمة عليه وتخفيض سن تقاعد القضاة دون العودة إليهم لأخذ رأيهم، حيث اعتبره القضاة قانون السلطة القضائية من القوانين المكملة للدستور والتي لا يمكن مناقشتها سوى باجتماع مجلسي الشعب والشورى لمناقشته، وبالتالي يصبح إصداره عن الشورى وحده باطلًا وغير دستوري؛ وذلك لعدم أحقيته في اقتراح القوانين أو إنشائها طبقًا للمادة 101 من الدستور الجديد، مؤكدين أن ما يتعرض له القضاء من هجمة منظمة ومحاولات المساس بالسلطة القضائية، بمثابة مذبحة قضائية جديدة على غرار مذابح عامي 1954 و1969. النائب محمد يوسف، عضو مجلس الشورى عن حزب الوسط، أوضح بأن اللجنة التشريعية سبق وخاطبت الحكومة من أجل حضورها لمناقشة مقترح مشروع قانون تعديل قانون السلطة القضائية، خاصة وأن القانون الحالي للسلطة القضائية يصطدم في أمور كثيرة مع مواد الدستور الحالي، فأصبح من الضروري إحداث هذه التعديلات الجوهرية؛ من أجل أن يتسق القانون مع مواد الدستور خاصة المواد التي تتعارض معه سواء في طريقة اختيار وكلاء النيابة، والتي لا زال يتم اختيارهم وفق الأهواء وليس وفق المعيار الذي حدده الدستور بأن يكون بالصدارة والكفاءة، إضافة للأمور التي تتعلق بالنزول بسن المعاش إلى 60 سنة والتي تحظى بتأييد القضاة أنفسهم، وليس من أجل الأغراض التي يتم الترويج لها الآن عبر وسائل الإعلام المختلفة من خلال تصريحات بعض القضاة المتسببين في الأزمة الراهنة بين السلطة التشريعية والقضائية دون مبرر، في حين أن هذا القانون عام ومبدأ مجرد بعيدًا تمامًا عن أي شخصية كما يروج. وقال عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة: إن هناك اتهامات معلقة على رءوس بعض القضاة ولم نرَ أحدًا يتصدى لمواجهتها ولا يوضحون موقفهم منها، أن هناك بعض القضاة يتحدون الدستور والقانون ويربكون الأوضاع السياسية عن عمد، وهذا يتضح جليًا لجموع الشعب دون تحريف، إلا أن رغبة الشورى في استقلال القضاء وحريته أمر واجب على مجلس الشورى دون تردد في تنفيذ ذلك، وبالتالي ليس الهدف من تعديل قانون السلطة القضائية إقصاء لأحد أو انتقامًا من القضاة وانتهاكًا للقانون والقضاء. ومن جانبه أكد المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، أن القضاء ليس له قدسية وما يسري عليه يسري على جميع البشر، خاصة وأن الهدف من الخلاف الحالي مع القضاة هو مواجهة رجال مبارك المزروعين بداخله، لذا القضاء الآن يجب مواجهته على أخطاء ارتكبها أو ممارسات غير واضحة تصدر عن بعض القضاة وهذا حق يكفله الدستور الذي وافق الشعب المصري على وضعه بهذا الشكل، لذا أصبح تنفيذه على القضاة أنفسهم؛ لأنهم ليس على رأسهم ريشة على حد تعبيره. قانون إلزامي في حين اعتبر د. عز الدين الكومي، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى عن الحرية والعدالة، مشروع القانون جاء تلبية لما تحتاجه السلطة القضائية من إصلاح مثلها مثل باقي مؤسسات الدولة، موضحًا أن اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة تدرس مشروع القانون لمعرفة نقاط القوة به، منتقدًا الاتهامات التي توجه للحزب لمحاولته أخونة القضاء قائلًا: "أتحدى أن نجد سفيرًا أو قاضيًا أو ضابط شرطة من الإخوان، فجميعنا يعرف كيف كان يستبعد الإخوان من تلك المناصب"، إلا أننا اعتدنا قبل صدور أي قانون أن يلقوا بالاتهامات علينا حتى أصبحنا في قفص الاتهام بشكل دائم. وأضاف الكومي، إن الدستور أعطى مجلس الشورى السلطة التشريعية الكاملة؛ حتى يتم وضع مجلس النواب، ولا يستطيع رئيس الجمهورية أن يقلص دور المجلس التشريعي؛ لأن هذا الأمر سيكون تجاوزًا من السلطة التنفيذية على مهام واختصاص السلطة التشريعية المرفوض. قانون المعارضة في حين نفى د. إيهاب الخراط، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، وجود صلة بين مشروع القانون الذي تقدم به حزب الوسط وما تحتاجه السلطة القضائية من تطوير، خاصة وأن الاقتراح بخفض سن تقاعد القضاة إلى 60 عامًا غير مبرر، متسائلًا: "أساتذة الجامعات المتفرغون والمستشارون في كل المجالات ليس لهم سن للتقاعد، وبالتالي فمن الأولى أن يكون القضاة كذلك.. فالقضاة ليسوا موظفي دولة ولا سائقي أتوبيس"، وبالتالي فإن هذا القانون لا يهدف لتطوير القضاء وإنما التخلص من شيوخ القضاة؛ ظنًا منهم أن شباب القضاة سيتعاطفون مع السلطة الحاكمة. وأضاف الخراط، إن مشروع السلطة القضائية الذي ستتقدم به المعارضة يتضمن تثبيت سن تقاعد القضاة عند سن ال70 عامًا، إضافة إلى نقل تبعية التفتيش القضائي من وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى، وتمكين مجلس القضاء الأعلى من محاسبة المخطئين من القضاة بآليات جديدة، مؤكدًا على ضرورة تطوير آليات محاسبة القضاة الذين تورطوا في أشياء مثل تزوير الانتخابات، وذلك على غرار الآليات المعروفة في العالم والتي تحقق هذا الغرض دون الانتقاص من استقلال القضاء. انتهاك القانون ورفض محمد الحنفي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشورى، مناقشة مشروع السلطة القضائية بصفة عامة؛ وذلك من باب المسئولية وحرصًا على مصر، خاصة وأن التعديل المقدم من حزب الوسط بشأن قانون السلطة القضائية جاء مشوبًا ومشبوهًا بالصبغة السياسية التي تهدف للاعتداء على القضاء، برغم أنه من القوانين المكملة للدستور والتي يتعين على قانون بهذه الأهمية أن يكون محل عناية المجلس التشريعي بغرفتيه وهو ما لم يتم حدوثه. وأضاف : إن الدعوة لنزول سن القضاء تعد انتهاكًا لمبدأ المساواة بين المواطنين، إضافة لإلغاء المساواة النسبية بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، والتي تعكس في الوقت ذاته عدم دستورية قوانين تنظيم الجامعات وهيئة الشرطة والقوات المسلحة، والتي يقضي مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث أن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها، بحيث نظام الحكم قائم على أساس السلطة تحدي السلطة فتعمل كل سلطة في نطاق وظيفتها على وقف السلطة والأخرى عن تجاوز حدود سلطتها القانونية، لضمان تحقيق حريات الأفراد وضمانات حقوقهم واحترام القوانين وحسن تطبيقها تطبيقًا عادلًا وسليمًا. القضاة يهددون وعلى صعيد القضاة، طالب المستشار عبد العظيم العشري، وكيل نادي القضاة، مجلس الشورى بصرف النظر عن مناقشة وعرض مشروع قانون السلطة القضائية واعتباره اقتراحًا لم يكن من البداية وعدم عرضه على المجلس واللجنة التشريعية، خاصة وأن النادي ومجلس القضاء الأعلى لا يعلم بنود تلك القانون ولم يبدوا رأيهم فيه؛ لأنه قانون من القوانين المكبلة للدستور، وإن كان يتعين أن يتولى تعديل هذا القانون مجلس النواب صاحب الاختصاص وليس مجلس الشورى المطعون في شرعيته والذي يحاول المساس كثيرًا بهيبة القضاة ويسمح بالتطاول على القضاة. وأضاف المستشار محمود رسلان، نائب رئيس محكمة النقض، أنه لا يحق لمجلس الشورى اقتراح القوانين أو إنشاؤها إلا تلك التي تحال إليه من رئيس الدولة أو الحكومة وذلك طبقًا للدستور الجديد الذي يبرر من خلاله تدخله في مهام السلطة القضائية بالاعتداء والمساس بمهام القضاء والقضاة، وذلك طبقًا لنص المادة 101 من الدستور والتي تنص على أنه لرئيس الجمهورية وللحكومة ولكل عضو في مجلس النواب الحق في اقتراح القوانين، وبالتالي يصبح قانون السلطة القضائية الذي يناقشه مجلس الشورى الحالي والمقدم من قبل حزب الوسط مهددًا بعدم الدستورية. وأوضح أن المادة 101 المختصة باقتراح القوانين لا تتعارض مع المادة 230 التي تتعلق بسلطة التشريع التي منحت لمجلس الشورى بصورة استثنائية؛ نظرًا لغياب مجلس النواب حتى الآن، إلا أن القاعدة القانونية تنص على أنه لا يجوز التوسع في المهام الاستثنائية وهذا ارتكبه الشورى من تجاوزات يحاسب عليها قانونيًا. تصفية حسابات وأرجع المستشار محمد أحمد الجندي، رئيس محكمة الاستئناف بالمحلة، أن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها القضاء الفترة الماضية، ومحاولة إصدار قانون السلطة القضائية لخفض سن القضاة ب«تصفية الحسابات» والتي بدأ بها الرئيس محمد مرسي عندما هاجم القضاء بوصفه لأحكام البراءة ب"موسم البراءات التي كاد القضاة على وشك أن يمنحوا المتهمين هدايا"، قائلًا: "إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص"، متسائلًا عما كان المطلوب من القضاة هو إقامة دولة القانون، أم إصدار أحكام تتفق مع الهوى والتي لا مجال لها بالقضاء. واستطرد قائلًا: إن الشورى ليس من حقه مناقشة القوانين المرتبطة بالدستور؛ نظرًا لوضعه الاستثنائي، إضافة لضعف شرعيته والتي لا تتعدى 7% من الناخبين، لحين إجراء انتخابات جديدة لانتخاب مجلس شعب جديد.