محيي الدين اللباد "25 مارس 1940 - 4 سبتمبر 2010"، رسام وفنان تشكيلي مصري متخصص بالجرافيك، درس التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1957- 1962، وعمل بالعديد من المؤسسات الصحافية حيث عمل رسامًا للكاريكاتير أثناء دراسته الثانوية، ثم التحق كرسام بمجلة روز اليوسف و"صباح الخير" قبل أن ينهي دراسته الجامعية. عقب تخرجه عمل رسامًا ومؤلفًا لكتب الأطفال في "دار المعارف"، وفي مجلة سندباد التي أصدرتها الدار، وشارك في تأسيس عدد من المجلات المتخصصة ودور النشر. صدر له عدد من الكتب في مصر وبلاد عربية أخرى، نالت عددًا من الجوائز المحلية والعربية والدولية، ونشر بعضها مترجمًا بعدة لغات أجنبية، كما قدم سلسلة من الكتب التي قام بتأليفها وتصميمها لفئة الفتيات والفتيان "المراهقون فوق سن الحادية عشر". عمل مديرًا فنيًّا ومصممًا جرافيكيًا للعديد من دور النشر؛ وصمم العديد من الصحف والمجلات العربية، والملصقات الثقافية، كما شارك كعضو لجنة تحكيم في عدد من المسابقات المحلية والدولية. من كتبه: "الرسم والتلوين الزيتي"، و"كشكول الرسام" والذي حاز جائزة الأكتوجون الفرنسية، وصدرت منه طبعات باللغات الفرنسية والألمانية والهولندية، وهو عبارة عن بعض ذكريات بصرية من طفولة الرسام بوجهها إلى الكبار، وبعض اكتشافاته عندما كبر وصار رسامًا محترفًا وصانعًا للكتب، يعود فيوجهها للصغار. ندوة الكتاب حول مسيرة الفنان التشكيلي الراحل محيي الدين اللباد، وكتابه "نظر"، نظمت ندوة شارك فيها الكاتب الصحفي محمد البغدادي، وأحمد اللباد، نجل الفنان الراحل محيي الدين اللباد، في إلقاء الضوء على فن الكاريكاتير من خلال و"نظر" عنوان مقالات اللباد التي جمع فيها أعمالًا نقدية مصورة ومرسومة نشرت من قبل في مجلات وصحف ثم جمعها بعد ذلك في أربعة ألبومات ثم تم تجميعها في هذا الكتاب.أدار الندوة الشاعر فتحي عبد الله، وقدم ضيوفه قائلًا: "الكتاب الذي نناقشه له طبيعة خاصة ويعتمد على طريقتين في الأداء.. الأولى: فن الكاريكاتير وهو فن يقوم على الرسم، والثاني: فن الكتابة المصاحبة للكاريكاتير أكثر". وأضاف: "فن الكاريكاتير نشأ على يد مجموعة من الأجانب المقيمين في مصر، وظهر بالمجلات الأجنبية، ثم تطور عبر الرموز المصرية وكان له دوره واضح منذ بدايته، حيث انحاز للحالة الشعبية ولعب خلال فتراته المتعاقبة دورًا سياسيًّا مهمًا وهو يتجاور مع عمل المفكرين وكل أعمال المقاومة أو وسائل التوعية أو مواجهة السلطة، ولهذا تعرض كثير منهم إلى المضايقات، منها الطرد من العمل أو تضيق العمل على فنانيه. وأشار إلى أن أشهر مدرسة لفن الكاريكاتير ظهرت في "روز اليوسف"، حيث خرج منها الكثير من فناني الكاريكاتير الذين ذهبوا إلى أماكن عربية كثيرة، نشروا فيها هذا الفن، ومن أشهرهم محيي اللباد. وأكد أن عمل اللباد لم يقتصر على الكاريكاتير ولكن ساهم في صناعة الكتاب وتطويره ليس في مصر فحسب وإنما في المنطقة العربية كلها، وساهم مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في خلق نوع ومعرفة وجماليات جديدة في هذا الفن ولعب دورًا أسياسيًّا فيما هو سياسي عن طريق فنه. يذكر أن هذا الكتاب قد صدر في أكثر من نسخة ولقي صدى كبيرًا وهو الآن يلقي إقبالًا من القراء والناشطين السياسيين والمثقفين. إبداع فنان ومن جانبه، قال الفنان التشكيلي أحمد محيي الدين اللباد: "الكتاب يجمع الأربعة ألبومات التي أصدرها اللباد منذ منتصف الثمانينات، وحتى التسعينيات، ويعتمد على مقالات نقدية بصرية متنوعة الموضوعات". واللباد بدأ العمل منذ عام 1956 وهو في الثانوية العامة، حيث كان يراسل مجلة "السندباد للأطفال"، ثم فيها عمل باحتراف برعاية حسين بيكار، الذي تبناه وطلبه للعمل بشكل احترافي وأعطاه فرصة عام 1958، وجعله يعيد إخراج المجلة. وأضاف: "اللباد بحكم تكوينه كان باحثًا عن هذا النوع من العمل، فعمل في مجلة "صباح الخير" على عدة روافد كلها مربوطة بالإبداع البصري، وكما كان يقال وقتها: "مشي صلاح جاهين من صباح الخير ففكوه بثلاثة رسامين كان اللباد واحدًا منهم". وفي عام 1985 بدأ كتابة سلسلة مقالاته بعنوان "نظر" وهو عنوان الكتاب نفسه، وتكلم فيها عن أوضاع وأفكار كثيرة بالإضافة إلى كل القضايا، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. وكان عدوه الأول طوال حياته إهدار الوقت على جميع المستويات، وكذلك العمل في جزر منعزلة؛ لأنها لا تعطي مساحة للإنتاج الذي تستحقه المهنة، بالإضافة إلى المعوقات التقنية التي تسبب عدم وجودها في إهدار الوقت من الآخرين، وكان يتغلب عليها بأن يعمل أكثر، فكان ينشر في أماكن متعددة، حيث لم يكن له مكان مخصص للنشر بشكل دائم؛ بسبب طبيعة القضايا التي كان يتناولها، كما تعرض في بعض السنوات للمنع لم يكن مسموحًا له فيها أن ينشر عمله في الكاريكاتير. فنان الحياة وأشار اللباد الابن إلى أن المقالات مرائي تعبر عن شخصية والده الواسعة، وفي 2004 كان عنده تجربة خاصة سماها " المجاورة" وأكد أن والده حتى توفي ورغم عدم تكريمه من الدولة لم يكن لديه إحساس بالمرارة من عدم التقدير الرسمي لفنه، قائلًا: "والدي كان يسألني دائمًا هل قدمت للحياة ما يستحق؟ كما أنه لم يتقدم لنيل جوائز، حتى الجوائز التي حصل عليها عالميًا"، مشيرًا إلى أن والده عرض عليه في إحدى المرات جائزة كبيرة للأطفال في مصر ورفضها دون أي صخب إعلامي؛ خوفًا من أن يساهم في إرساء الوضع وقتها". من جانبه قال الكاتب الصحفي محمد البغدادي، المهتم بشئون الكاريكاتير المصري: "عندما نتحدث عن محيي الدين اللباد فنحن نتحدث عن فنان استثنائي في زمن سادت فيه "اللهوجة" والفساد على كل المستويات، ففي هذا الزمن القبيح كان كالقابض على الجمر لمواجهة كل هذا القبح الذي يحيط بنا". تعرفت عليه منذ صغري عبر صفحات مجلة "السندباد"، ثم التقيت به عندما التحقت للعمل بمجلة "صباح الخير"، وأصبحت زميلًا له، وفي أغسطس 1985، توليت الإشراف الفني للمجلة، وفوجئت به يحمل صفحتين من الماكيت وبهما موضوع معنون بكلمة "نظر"، وسألني عن رأيي، وأنا كنت من المنبهرين به ومن الإخراج الفني الرائع الذي يتميز بالدقة الشديدة التي أزعجت الكثير من رؤساء التحرير باستثناء حسن فؤاد. وأضاف: قديمًا كان كل شيء يمارس باليد وكانت درجات الدقة تختلف من مخرج فني إلى آخر، ولكن اللباد كانت كل الأمور معه تتميز بأنها في غاية الدقة، ثم بدأ يتابع إحضار الصفحات جاهزة، ومن شدة انبهاري به كنت أحتفظ بكل الماكيتات الخاصة به، وبعد أن أتم تجربة كتابه "نظر 1" ، فاجأت اللباد بأني أحتفظ بكل الماكيتات التي كان يحضرها، وقلت له كل هذه الماكيتات يمكن أن تخرج بها كتابًا، فرد قائلًا: "هل تهم أحدًا، فقلت له "أنت توجه من خلالها هجومًا حادًا إلى كل القبح الذي يحيط بنا". فنان أصيل وأشار البغدادي إلى أن اللباد انتقد المقاولات التي تقوم بها المحليات لتضيع أسماكًا وضفادع لتزيين الميادين، فهو كان جرافيتي وصانع كتب ورسام كاريكاتير متميز، كما كان مصممًا لكتب الأطفال ورسامًا ومثقفًا مصريًا شديد الحساسية والحرص على التراث المصري. وأوضح البغدادي أن مشكلة اللباد أنه كان شديد التواضع وكان لا يثق فيما يقدمه، وهذا هو الفنان الأصيل، المتواضع، ومع ذلك فهو لم ينل التقدير الكافي في مصر، في المقابل حصل على جوائز عالمية عديدة مرموقة وذات سمعة عالمية، وقد طلبت في مقال بصحيفة "المصري اليوم" بجائزة تقديرية له ولعدد من رسامي الكاريكاتير، ولكن لم يستمع أحد. وقال البغدادي: "انزعجت عندما حصل الفنان مصطفى حسين على الجائزة الدولة التقديرية وبعدها جائزة مبارك التي تسمى الآن بجائزة النيل، فيما لم يحصل اللباد الذي أنشأ وأسس لفن صناعة الكتاب برؤية جديدة على هذه الجوائز، وكذلك الفنان حجازي، فهما الاثنان رحلا عن عالمنا دون الحصول على تقدير كافٍ من الدولة المصرية". وأضاف: "ما يحدث مع فناني مصر العظام يعد عبثًا؛ لأن هؤلاء الفنانين العظام يستحقون أكثر من ذلك بكثير، ضاربًا مثالًا بأحد الفنانين الذي ورطه البعض وقالوا له: لماذا لم تأخذ جائزة حتى اليوم، فقدم أعماله فحصل على جائزة التفوق وهي أعلى من الجائزة التي تمنح للشباب المبتدئين". وتابع: "اللباد لم يكن له ظهور إعلامي في التليفزيون المصري رغم احتفال الإعلام العربي به، ذاكرًا أنه سبق وطلب عندما تولى الإشراف على الإخراج الفني بمجلة "روزاليوسف" عام 1986، من اللباد أن يستضيف ريشته كل أسبوع، وقتها قال له اللباد: إن هذه أول مرة يطلب منه أحد أن يعمل معه" ، مشيرًا إلى أنه كان دائمًا يبادر هو بالعمل، وقال: " يظهر أني تقيل على قلبهم لأني بعمل حاجات مستقبلية". ولفت البغدادي إلى أن اللباد أعاد إحياء الاحتفال بالتراث الشعبي، فهو أول من فكر في عمل التجليد الداخلي للكتاب، وهذا كان موجودًا في التراث القديم للكتب التي تصنع في بغداد أو دمشق، كما اقترح أشكالًَا لأبطالنا من التراث الشعبي مثل أبو زيد الهلالي، وعنترة بن شداد بدلًا من "باتمان". وأعرب عن تعجبه من أن تكون منظمة "اليونسكو" تعلم من هو اللباد، وتعرف قيمته، ومصر لا تقدره؛ لأن الموجودين كمسئولين وقتها لم يكونوا على وعي أو ثقافة ليدركوا قيمته. كاريكاتير الثورة وأكد البغدادي أن مستوى الكاريكاتير بعد الثورة أصبح أفضل، مشيرًا إلى أنه قبل الثورة انتابه اليأس من أن تظهر ريشة جديدة تحدث الدهشة وتغير من المجتمع، باستثناء عمرو سليم الذي تطور وأصبح كلنا فخورون به، وبعد الثورة استرد الكاريكاتير وضعه وعافيته مرة ثانية، فأعجبتني دعاء العدل بجريدة "المصري اليوم" ، وكم أسعدني أن الكاريكاتير أصبح به رسامات؛ لأنه كان يزعجه عدم وجود رسامات للكاريكاتير. وفي نهاية الندوة، أشاد البغدادي بالدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، لاهتمامه بإصدار الأعمال الكاملة لعدد من المؤلفات القيمة لكبار الكتاب، لافتًا إلى أنه عمل وطني وليس ثقافيًّا فقط؛ لأن مصر هويتها الثقافية تتآكل وتسرق منها، فنحن في زمن علينا المقاومة في مواجهة رده نعاني منها الأنات فالهوية الإسلامية والعربية مكون رئيس في الهوية الثقافية. كتاب "نظر" في منتصف ثمانينات القرن الماضي "عام 1985"، وفي مجلة "صباح الخير" القاهرية بدأ اللباد بوتيرة أسبوعية نشر موضعات في باب أسماه "نظر" "بفتح النون والظاء"، وكانت تلك الموضوعات فريدة المحتوى والشكل، قام بكتابتها وإخراجها وتصميمها وتنفيذها بنفسه، معتبرًا أن قالبها الشكلي هو جزء أصيل من جسم الرسالة التي أراد مشاركة القراء فيها. في تلك المقالات بدت بوضوح رؤية نقدية وتعريفية حديثة عكست شخصيته الشجاعة الذكية المعلمة، وعكست كذلك خفة ظله وعمق آبار خبراته ومتانة تكوينه، وأظهرت ميوله السياسية الإنسانية، وكذا في الحياة والفن عبر الملاحظات البصرية والتشكيلية والجرافيكية.وقد شجعه إعجاب المتلقين ليجمع بعد حوالي العامين تلك المقالات وينشرها "كما ظهرت على صفحات المجلة فيما أسماه ألبومًا، وبنفس عنوان الباب "نظر" ". وبعد نشره لمقالات جديدة متفرقة في عدة سنوات أصدر الألبوم الثاني "نظر2" عام 1991. وانتظر لاثنتي عشرة سنة بعدها لينشر الألبوم الثالث "نظر3" بعد أن تنوع خلالها نشر الموضوعات على عدة مطبوعات ثقافية مصرية. وفي العام 2004 كانت له تجربة مهنية وروحية خاصة جدًا، فضل تسجيل وقائعها مباشرة في ألبوم جديد فكان "نظر4"، دون نشر صحفي مسبق لمحتواها كالألبومات الثلاثة السابقة، وكان هو الألبوم الأخير. والألبومات وعلى ما بها من واسع المعرفة والمتعة لهي وثيقة مهمة تتعلق بزمنها وتعرف بالكثير عن فنان فريد، كان بصر العين وبصيرتها مشروعة الكبير.. تلك العين التي طالما عني بسلامتها والتأكد من ذكائها ولياقتها لتصل عبرها رسائل الوجود وتساؤلاته ومعانية لصميم النفس.