يعيش العالم العربي حاليًا الذكرى الثانية للثورات العربية، والتي وصفها البعض بأنها حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في أوخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق "محمد البو عزيزي" نفسه، ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق "زين العابدين بن علي" ويعتبر انتشار الفساد، والركود الاقتصادي، وسوء الأحوال المعيشية، والتضييق السياسي والأمني، وتزوير الانتخابات في معظم البلاد العربية من أهم عوامل قيام الثورات العربية والإطاحة بأنظمتها المستبدة. وحتى الآن نجحت الثورات في الإطاحة بأربعة أنظمة نجحت ثورة 18 ديسمبر في الإطاحة بالرئيس التونسي "بن على"، وبعدها بأيام قليلة اندلعت ثورة 25 يناير المصرية وسقط الرئيس المصري "حسني مبارك"، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل الزعيم الليبي "معمر القذافي" وإسقاط نظامه، وبعدها الثورة اليمنية التي أجبرت "علي عبد الله صالح" على التنحي مقابل الحصانة، وتميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربي موحد أصبح شهيرًا في كل الدول العربية، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام". هروب "بن على" اندلعت بداية شرارة الثورات العربية صباح يوم الجمعة 18 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في 17 ديسمبر 2010؛ تعبيرًا عن غضبه على بطالته، واحتجاجًا على ما قيل أن شرطية صفعته وأرغمته على إزالة العربة التي كان يبيع عليها الخضار من على الرصيف، توفي يوم الثلاثاء الموافق 4 يناير 2011 نتيجة الحروق، أدى ذلك إلى اندلاع المظاهرات، وخرج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه أوضاع البطالة، وعدم وجود العدالة الاجتماعية، وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، وسقط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، كما أجبرت المظاهرات الرئيس "بن علي" على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية، وأعلن عدم نيته الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014. وبعد أن ازدادت شراسة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن التونسية حتى وصلت إلى اقتحام المباني الحكومية أجبر الرئيس على التنحي عن السلطة، ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ يوم الجمعة 14 يناير 2011، وأعلن الوزير محمد الغنوشي في نفس اليوم توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة حسب نص المادة 56 من الدستور، لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك اللجوء إلى المادة 57 من الدستور، وإعلان خلو منصب الرئيس، وبناء على ذلك تولى رئيس مجلس النواب "فؤاد المبزع" منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. تنحي "مبارك" ومحاكمته كان لسقوط نظام "بن على" أثر هائل على دول عربية مجاورة امتد إليها الربيع العربي، وشهدت تغيرات درامية، فمثلًا نجد الحكم على الرئيس المصري السابق "حسني مبارك" بالسجن المؤبد كان ضربًا من الخيال، وذلك لدوره في عدم إعطاء أوامر لقوات الأمن بوقف قتل المتظاهرين خلال أيام الانتفاضة الشعبية التي اندلعت شرارتها الأولى صباح 25 يناير 2011 وانتهت بالإطاحة به في 11 فبراير من العام نفسه بعد 30 عامًا من الاستبداد والديكتاتورية والسلطة المطلقة، وأعلن نائب الرئيس وقتها الراحل "عمر سليمان" في بيان تليفزيوني قصير عن تخلي الرئيس عن منصبه، وأنه كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد. ويعتبر "مبارك" أول رئيس من رؤساء دول الربيع العربي يحاكم حضوريًا داخل بلاده بإرادة شعبية، ويبقى الحدث الأبرز أثناء دخوله لأول مرة القفص الحديدي على سرير طبي في حدث أبهر العالم، كما اعتاد المصريون على رؤية الرئيس السابق في قفص الاتهام، والذي يظل يجيب على رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت، مرات ومرات بقوله "أفندم" عندما ينادي عليه لإثبات حضوره، ويقول: المتهم محمد حسني السيد مبارك، بل إن "المتهم" سيظل يسمع، وهو في قفصه الكثير من الجمل القاسية، والعبارات الساخنة، والاتهامات العديدة من المحامين المدعين بالحق المدني. إنها المرة الأولى في تاريخ مبارك الرئاسي وعلى مدى ثلاثين عامًا قضاها كرئيس للجمهورية الذي يتحدث عندما يطلب منه الكلام، ويأخذ إذنًا مسبقًا لذلك، ويختبئ بمساعدة نجليه "جمال وعلاء" عن كاميرات التصوير، بعد أن كانت الفلاشات تتسابق عليه، بل إن من كان يلتقط له صورة ويظهر فيها مع "الرئيس" يدخل التاريخ، كما أن المكان الذي كان يزوره مبارك في السابق بصفته رئيس الجمهورية كانت تجرى فيه استعدادات خرافية لاستقباله؛ لأنه كان يظن نفسه آخر أحفاد فراعنة مصر. مقتل القذافي لم يستطع الشعب الليبي أن يبقى صامتًا ويرى شعوب البلاد المجاورة كيف استطاعت إقصاء أنظمتها المستبدة من الساحة الإقليمية والدولية، حتى انطلقت ثورة 17 فبراير ثورة شعبية ليبية، اندلعت شرارتها يوم الخميس 17 فبراير2011 على شكل انتفاضة شعبية شملت معظم المدن الليبية، لكن مع تطور الأحداث قامت الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة، والقصف الجوي لقمع المتظاهرين، وتحولت إلى "ثورة مسلحة" تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة. أحدثت الثورة المسلحة انقسامًا وانشقاقًا بين عناصر الجيش الليبي، حتى صارت أغلبيته في صفوف الثوار الذين زحفوا قرية بعد قرية ومدينة بعد مدينة حتى وصلوا إلى "طرابلس وبنغازي"، ورد عليهم "القذافي" بمذبحة تلو المذبحة كما اعتاد على التعامل مع "الجرذان" - كما وصفهم - واستمرت المعارك المسلحة بين الطرفين، ولأول مرة في شهر مارس تصدر الجامعة العربية قرارًا تطلب التدخل الأجنبي من أجل حماية المدنيين، واستجاب مجلس الأمن بإصدار القرار 1973، وتولت الطائرات "الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية" تدمير معسكرات القذافي ولم يكن الأمر إنقاذًا للدولة والثوار فقط بل للثورة أيضًا. وفي يوم الخميس الموافق 20 أكتوبر 2011 قتل "معمر القذافي" في مدينة سرت آخر معقل له، ودفنت جثته بعدها في مكان سري، وتضاربت الأنباء حينها عن وفاته، حيث أكد المجلس الوطني الانتقالي الليبي مقتل العقيد إثر غارات شنتها طائرات "الناتو" تلاها هجوم لقوات المجلس على مدينة سرت مسقط رأسه، وظهرت أيضًا بعض الفيديوهات والتقارير تتحدث عن مقتل القذافي بعد اعتقاله، حيث ظهر القذافي في أحد لقطات الفيديو وهو حي ومعتقل بأيدي الثوار، وظهر في مقطع آخر مقتولًا مما أثار استنكار منظمات حقوق الإنسان حول طريقة قتله الوحشية، وبمقتل القذافي وبعض أبنائه وهروب آخرين إلى خارج ليبيا ينتهي بذلك حكم دام أكثر من 40 عامًا. حصانة عبد الله صالح بدأت شرارة الاحتجاجات من "جامعة صنعاء" باليمن يوم السبت 15 يناير 2011 بمظاهرات طلابية، وأخرى لنشطاء طالبوا برحيل صالح، رافقها اعتقال عدد من الناشطين والمتظاهرين في 23 يناير، وازدادت التظاهرات في البلاد، وأعلن صالح أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن يورث الحكم لابنه أحمد، ورغم أن اليمن من أكثر بلدان العالم تسلحًا بين المواطنين والقبائل حاول الثوار المحافظة على سلمية ثورتهم قدر المستطاع، ولم يشكل الطلبة والشباب أي ميليشيات مسلحة للتصدي لقوات الأمن المركزي. كما استطاع الثوار الوصول إلى القصر الجمهوري، ومحاولة اغتيال الرئيس، وذلك عندما ألقيت قنبلة على مسجد القصر الجمهوري أثناء أدائه الصلاة مع مسئولين حكوميين آخرين، وإصابته بحروق بليغة في أنحاء مختلفة من جسده في الحادث. في يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2011 تم التوقيع على اتفاق نقل السلطة في اليمن في ضوء المبادرة الخليجية التي حظيت بدعم أمريكي، ولقيت ترحيبًا من غالبية من ثاروا ضد نظام صالح من اليمنيين، والتي ألزمت الأطراف المتنازعة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية، وفي 25 فبراير 2012 تم تفعيل المبادرة وانتهى حكم عبد الله صالح رسميًا بعد 33 عامًا من وجوده في سدة الرئاسة، حيث سلم السلطة إلى نائبه "عبد ربه منصور هادي" الذي انتخب في 21 فبراير 2012 رئيسًا للبلاد.