تصاعدت حدة السب والقذف على الفضائيات التي تحولت إلى منابر للإسفاف بل وهتك العرض دون محاسبة، وزادت حدة المنافسة بين البرامج الحوارية التي يبحث القائمون عليها عن الشهرة والربح على حساب الأخلاقيات.. بل الكارثة الكبرى أن القنوات الدينية دخلت المنافسة بقوة، وأصبح المتشددون من مشايخ السلفيين نجوم الشباك في توجيه الاتهامات للآخرين لحد اتهام بالزنا. خبراء الإعلام طالبوا بحل عاجل وسريع لهذه الظاهرة، لمنع المفسدين لنشر أفكار هدامة والإساءة لمصر وشعبها أمام العالم كله، وذلك بتغليظ العقوبات وعمل ميثاق إعلامي بعد أن تحولت الحرية عقب ثورة 25 يناير إلى فوضى وانفلات مدفوع الأجر. وآخر الموضوعات الخاصة بالشتائم والسب على الهواء فكانت بين الشيوخ والفنانين، بعد أن بدأت تلك الحرب مع الشيخ "يوسف البدري" عندما اتهم الفنانين بالكفر، وانتهت باتهام الفنانة "إلهام شاهين" بالزنا على لسان الشيخ "عبد الله بدر"، أيضا اتهام الفنانة يسرا بالزنا. وكذلك الشيخ الإعلامي "خالد عبد الله" على قناة "الحافظ"، والذي سب الفنانة "هالة فاخر"، وقال إنها فنانة درجة ثالثة. ولم يتوقف الأمر عند حدود الشتائم بل تعدى لاستفزازات أخرى من جانب بعض الضيوف كما حدث مع المذيعة "إيمان الأشراف" التي أجبرها السلفي "عبد المنعم الشحات" على ارتداء الحجاب أثناء محاورته قائلًا لها: "إلبسي دلوقتي بمزاجك أحسن ما تلبسيه بالعافية بعد كده"، وكذلك ما فعله المتحدث باسم حملة الشيخ "حازم صلاح أبو إسماعيل" وهو الشيخ "جمال صابر" الذي اتهم المذيعة "عزة مصطفى" بأنها يهودية، وأن لديه أوراقًا تثبت ذلك، وكان رد "عزة" أن قامت بطرده، وقد ظهرت القوائم السوداء للفنانين والإعلاميين؛ بسبب تلك الشتائم التي تحولت لمادة لجذب الإعلانات والمشاهدين، وتبارى الجميع في تخصيص قنوات خاصة لسب أعدائهم، حيث اتخذ الإعلامي "توفيق عكاشة" من قناته "الفراعين" منبرًا لسب الجميع، ومنهم "محمود سعد"، و"لميس الحديدي"، كما سخر من أميرة قطر "الشيخة موزة" قائلًا: "الشيخة جميزة". الإعلامية "سلمى الشماع" تعلق على الظاهرة قائلة: "السب والقذف على الهواء زاد في الفترة الأخيرة؛ بسبب تدني المستوى الثقافي العام، بداية من القائمين على الإعلام سواء المخرج أو المعد أو مقدم البرنامج، وحتى الضيف الذي لا يتم اختياره بدقة.. والكارثة الأخرى تتمثل في المشاركة الجماهيرية التي لا تعني لبعض المواطنين سوى الظهور على الشاشة أو التحدث من خلالها بالمداخلات التليفونية، الأمر الذي يجعل من السيطرة على البرنامج أمرًا شبه مستحيل، خاصة إذا علمنا أن الجميع بعد الثورة بدأ في تبني مفاهيم جديدة وأفكار خاطئة عن الحرية. وتتفق معها الإعلامية "سناء منصور" وتقول : الظاهرة اشتعلت لأسباب كثيرة، أولها انتشار الفضائيات بشكل كبير دون وضع معايير أخلاقية تلزم الإعلاميين بعدم الخروج عن النص، وثانيها أن هناك الكثيرين من أصحاب تلك القنوات والعاملين بها لا يعرفون شيئًا عن الإعلام سواء بالدراسة أو الخبرة، والموضوع كله لا يتعدى الإعلام الموجه والسبوبة التي قد تجلب دخلًا اقتصاديًا من خلال الإعلانات، مما جعل اسم بعض القنوات ترتفع نتيجة البرامج الحوارية الحافلة بالإسفاف. أما الإعلامية "درية شرف الدين" فترى أن الشتائم على الهواء نوع من الانفلات السلوكي، فلا يجوز أن يتطاول أيٌّ من أطراف الحوار على الآخر سواء وجهًا لوجه أو من خلال المداخلات. "شرف الدين" طالبت، أن يكون اختيار المذيع بعناية، ويشترط أن يكون دارسًا للإعلام، وتجاوز العديد من الاختبارات التي تتيح له العمل الإعلامي، ولا يكون الاعتماد فقط على الكاريزما أو الواسطة، مثلما تفعل العديد من القنوات الفضائية أما بخصوص اختيار الضيوف فهذه مسئولية المعد الذي يجب عليه اختيار الضيوف بما يناسب موضوع الحوار. الإعلامية "نادية حليم" قالت: "وضع معايير مهنية محددة تكون سارية على الجميع، وملزمة لكل الأطراف هو المخرج الوحيد من تلك المهزلة، بحيث لا يكون هناك تجاوز سواء من الضيف أو المذيع، وأن يكون هناك ميثاق شرف حتى لا يتعدى أيُّ شخص حدوده في الحوار، كما يجب إجراء تحقيق فوري عند حدوث مخالفة، وتتم محاسبة المخطئ، ولست أقصد الإعلاميين فقط بل الضيع الذي يتجاوز حدوده، فيجب أن يعاقب أيضًا بقوانين السب والقذف". وتقترح حليم، أن تكون "كل البرامج الحوارية مراقبة من قبل هيئة أو مؤسسة حرة لا تخضع لأيِّ جهة سوى جهة الضمير الإعلامي حتى تستطيع الحكم على ما يدخل بيوت المصريين، ورغم أن المستحيل ذاته هو السيطرة على برامج الهواء فإن مسألة المراقبة والعقاب ستقلل من نسبة التجاوزات". الإعلامية "سهير شلبي" اتهمت وزارة الاستثمار بفتح الباب على مصرعيه للقنوات الجديدة عقب الثورة، والتي فتحت الباب أيضًا لكل من هب ودب ليفعل ما يحلو له، وأصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له لدرجة أننا أصبحنا نمتلك حوالي 85 مليون مذيع إذا قمنا باستثناء الأطفال الرضع، وظهرت لدينا مشكلة وهي عدم وجود قيادات تحكم الإعلام، ولا أقصد قيادات حكومية بل أقصد تيارات مجتمع مدني، ومنظمات حقوقية تهتم بالشأن الإعلامي سواء حقوق الإعلاميين المهدرة، أو تصعيد قضاياهم للمنظمات السياسية والحكومية، وكذلك مواجهتهم بما يحدث من تجاوزات. وتطرح " شلبي " مبادرة تقوم على منح الجيل الجديد من الإعلاميين المتخصصين الفرصة لتقديم فكر ثقافي جديد، وأيضًا تعديل مواد تعليمية، وإضافة أخرى تقدم مفاهيم جديدة عن الإعلام وحرية التعبير المسئولة. ويقول الإعلامي والإذاعي "حمدي الكنيسي" في أن الظاهرة تعتبر تجسيدًا لحالة الانفلات الإعلامي التي بدأت قبل الثورة من خلال الإعلام الرياضي عندما تراشق الرياضيون وتبادلوا الشتائم على الهواء عقب مباراة "مصر والجزائر" في تصفيات كأس العالم، ثم تصاعدت الأزمة بعد الثورة لدرجة أن الكثيرين أصبحوا يعتقدون أن ما يحدث هو الإعلام الصحيح، ولكن للأسف فإن المسئولين عن تلك القنوات لا يهمهم سوى الجانب الاقتصادي الذي يتمثل في جلب الإعلان، والدليل أن تلك القنوات تحاول إثارة الفتنة باستضافتها لشخصيات معروف عنها التطاول الذي يصل إلى حد السباب، ووصل الأمر للاتهامات. ويقترح "الكنيسي" عدة حلول أهمها الإسراع بتشكيل المجلس الوطني للإعلام، كما يجب الإسراع بإنشاء نقابة للإعلاميين في الإذاعة والتليفزيون، والتي بدورها تستطيع إصدار ميثاق الشرف، ومن خلاله يمكن محاسبة من يخرج عن النص. ويتفق معه الإعلامي "علاء بسيوني"، ويقول: "ليس من حق المذيع إهانة ضيفه أو توجيه التهم لأيِّ شخص كما يحدث في البرامج التي يقدمها أحد المذيعين دون وجود ضيف، وتستغل فكرة أن القناة معروفة ومرضيٌّ عنها، وأقصد بكلمة الرضا أنها مدعومة من أشخاص لهم ثقل، ثم تبدأ تلك القنوات بتوجيه التهم بل وقطع الطريق عن من هم ضدهم". الإعلامية "سوزان حسن" ألقت باللوم على الإعلاميين أنفسهم، مشيرةً إلى أن "المذيع يستطيع أن يتحكم في ميعاد البرنامج وردود أفعال ضيفه بل وقطع الطريق عليه بالفاصل، كما أنه يستطيع منع أيِّ مداخلة يحدث فيها تطاول إما بتحذير المشاهد أو حتى إغلاق الخط، وأعتقد أن كل القنوات لديها جهاز تأخير الصوت الذي يحدد هوية المتصل". وترفض سوزان حسن أن يكون الإعلامي مجرد فنان شهير أو لاعب كرة قدم، بل أكدت أنه لا بد أن يكون دارسًا للإعلام واجتاز اختبارات عديدة مع وجود هيئة لمراقبة الأداء الإعلامي. جدير بالذكر أن القذائف على الهواء مباشرة قد بدأت مع الإعلامي عمرو أديب الذي أهان الثوار مع اندلاع أحداث ثورة يناير ثم عاد ليسب النظام السابق، وأثناء الأولى للثورة تبادل محمود سعد ووزير إعلام النظام السابق " أنس الفقي" الاتهامات على الهواء مباشرة، وزادت هوجة الشتائم في تلك الفترة بين الفنانين والإعلاميين والرياضيين والثوار، وتبادل الجميع العديد من الألفاظ الخارجه التي يعاقب عليها القانون، حتى إن هناك من اتهم الثوار على الهواء بالزنا والدعارة، ولم يتوقف الأمر بعد الثورة عند حدود تبادل الشتائم بين المشاهير، بل ظهر بين الجمهور من يبادر بسب مقدم البرنامج أو الضيف كما حدث مع الإعلامي "مدحت شلبي" عندما باغته أحد المشاهدين وقام بسبه.