عاد الرئيس باراك أوباما إلي البيت الأبيض واعدا شعبه بأن الأفضل قادم ومؤكد أن السنوات الأربع لولايته الجديدة ستشهد تصميما أكبر علي التصدي للتحديات التي تواجه أمريكا ومطالبا الحزب الجمهوري بالتعاون معه لمواجهة شبح كارثة اقتصادية قادمة لا محالة إذا لم يتم التوافق بين الحزبين لإيجاد مخرج من المأزق الذي يطلق عليه الخبراء "المنحدر المالي". ملفات ساخنة وتحديات كبيرة علي مكتب الرئيس أوباما بعد الفوز التاريخي ولكي يبقى الملف الاقتصادي الأكثر خطورة وإلحاحا لذا كان تحرك أوباما سريعا، فبعد ساعات من إعلان النتيجة بدأ أوباما مهمة صعبة لإنهاء الانقصام الحزبي داخل مجلسي الشيوخ والنواب وأجرى اتصالات مع القادة الجمهوريين في الكونجرس لإيجاد مخرج والعبور بالولاياتالمتحدة من مأزق المنحدر المالي الذي قد يغرق الاقتصاد الأمريكي الهش مجددا في دائرة الانكماش، ووفقا لما أعلن فإن الولاياتالمتحدة تواجه خطر المنحدر المالي إذا لم يتوصل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونجرس إلى اتفاق بحلول 31 ديسمبر القادم وهو الموعد الذي سينتهي فيه العمل بقانون خفض الضرائب الذي يعود لعهد الرئيس السابق جورج بوش، وفي هذا التاريخ سيؤدي عدم الاتفاق علي خطة جديدة إلي البدء بتطبيق خطة تلقائية تقضي بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب علي الشعب الأمريكي وهذا سيؤدي بالتالي إلي خفض الناتج القومي بنسبة لن تقل عن 5 % وهي كارثة اقتصادية في دولة ينمو فيها الاقتصاد بالكاد بنسبة 2%. ويأمل أوباما أن يتم الخروج من هذه الأزمة عن طريق زيادة الضرائب علي الأغنياء الذين يزيد دخلهم السنوي علي 250 ألف دولار وهو ما يرفضه الجمهوريون الذين يطالبون بالبديل وهو تخفيض الإنفاق الحكومي، ويشير الخبراءإلي أن أوباما في حال عدم الاتفاق سيكون مطالبا بإجراء خفض سنوي في الموازنة قدره تريليون دولار وكبح جماح الدين العام الذي بلغ 16 تريليون دولار. وبعيدا عن الاقتصاد سيكون مطلوبا من الرئيس أوباما وبعد تنصيبه رسميا في 20 يناير القادم مهمة صعبة أخري وهي إعادة تشكيل فريقه الإداري، فقد أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية عن رغبتها في الخروج من منصبها، ومن المنتظر أيضا خروج وزير الدفاع ليون بانيتا ووزير الخزانة تيموثي جيثنر وإن كان من المتوقع ألا يخرجا في بداية الولاية الثانية للدور الذي سيلعبان في تنفيذ خطة أوباما للخروج من المنحدر المالي وبخلاف هؤلاء فمن المنتظر خروج وزير العدل وعدد كبير من شاغلي الوظائف الثانوية في البيت الأبيض. وقد يرى البعض أن من الطبيعي أن يغير الرئيس الأمريكي فريقه في فترة رئاسته الثانية، ولكن بالنسبة لأوباما فإن هذا التحرك قد يكون حساسا ومؤثرا علي أدائه بعد فترة طويلة من الاستقرار والتناغم بين فريقه الرئاسي خلال فترة ولايته الأولى، فثلاثة عشر من بين خمسة عشر ويرا قضوا السنوات الأربع كاملة في العمل مع أوباما، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة برؤساء سابقين، ويخشي الخبراء دخول وجوه جديدة، فقد يؤدي إلى فترة من الاضطراب وعدم الانسجام في الإدارة الأمريكية. وبالنسبة لهيلاري كلينتون فقد أعلنت أنها ستنسحب من الحياة السياسية العامة وهذا النوع من التصريحات معتاد من الساسة الذين يظهرون عكس ما ينوون في أغلب الأحيان، حيث لا يعتقد أحد أنها وزوجها بيل كلينتون سيغيبان عن الساحة، فهي لا تزال واحدة من أبرز الشخصيات التي تلقى قبولا من الإدارة الأمريكية وهي "الدبلوماسية النجمة" على حد وصف صحيفة ا لنيويورك تايمز، ولهذا فالتكهنات القوية تشير إلي أن خطوة الاستقالة من وزارة الخارجية هي خطوة تكتيكية للإعداد لترشيح نفصها في انتخابات الرئاسة عام 2016 وتؤكد هذه التكهنات تحركات زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون لدعم أوباما خلال حملته الانتخابية حتي يظل دوما تحت الأضواء، في حين غابت هيلاري نفسها عن الأضواء في الأيام الأخيرة لحملة أوباما، وفسر ذلك بأنها تنأي بنفسها عنه في حال خسارته وفي حال ترشح هيلاري فإنها ستكون الفرس الرابح للحزب الوطني الديمقراطي رغم أنها ستصبح في التاسعة والستين حينذاك. أما المرشحون لخلافة هيلاري في الخارجية فزبرزهم سوزان رايس سفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة وهي الشخصية المقربة من أوباما منذ سنوات وتشاركه الكثير من آرائه في السياسة الخارجية، وفي حال اختيارها لهذا المنصب ستكون ثاني امرأة من أصل أفريقي تتولى المنصب بعد كونداليزا رايس التي لا تمت لها بأي صلة قرابة، وتتميز سوزان رايس بنبراتها الحادة وبعدم تردده من الإصرار علي الموقف الأمريكي وهي من أشد المدافعين عن سياسة أوباما الخارجية في مجلس الأمن ويعتقد المحللون أن رايس قد تكون الخيار المفضل لدى أوباما بالمقارنة بمرشحين آخرين طرحت أسماؤهما وهما جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومستشار الأمن القومي توم دنيلون. وعلى صعيد السياسة الخارجية بأن الملف النووي الإيراني سيكون الملف الأكثر سخونة المطروح علي أوباما ولا ينسي الرئيس الأمريكي بأنه قطع وعدا صريحا باسم الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إيران لن تحصل علي قنبلة نووية ويشير مارتن إنريك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل إلي أن إيران ستكون تحدي عام 2013 وأن العام القادم سيكون عام الشأن الإيراني، والتوقعات تشير إلى أن أوباما سيمارس المزيد من الضغوط على إيران حتي تتخلي عن برنامجها النووي وسيترك باب الحوار مفتوحا مع طهران وسيقي الحل العسكري هو أبعد وآخر الخيارات أمام إدارة أوباما. وبالنسبة لسوريا يتوقع أن تجبر الأحداث المتصاعدة هناك الرئيس الأمريكي على التدخل بشكل ما في سوريا، وربما تقديم السلاح للمعارضة السورية، ولكن التدخل العسكري المباشر قد يكون مستبعدا خشية تورط الجيش الأمريكي في مستنقع جديد في الشرق الأوسط بعد العراق وأفغانستان. تبقى القضية الفلسطينية الإسرائيلية هي الأبرز في ملفات السياسة الخارجية بإسرائيل، رغم العلاقات المتوترة بين أوباما ونتنياهو الذي ساند صراحة خصمه الجمهوري ميت رومني، لكن قد تشهد ولاية أوباما الثانية المزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين وتنشيط عملية السلام ووقف عمليات التوسع الاستيطاني اليهودي في الأراضي العربية. وإن كان المحللون يحذرون العالم العربي من توقع الكثير من أوباما لأنه سيظل مكبلا بقيود اللوبي اليهود في الداخل وأصوات الجمهوريين في الكونجرس والذين يمتلكون الأغلبية في مجلس النواب. على صعيد آخر بدأ الحزب الجمهوري إعادة ترتيب أوراقه بعد الهزيمة والتي كشفت الكثير من عورات الحزب ومشكلاته في السنوات الأخيرة، فالأرقام التي ظهرت مع نتائج الانتخابات تؤكد تآكل شعبية الحزب الجمهوري بين الكثير من طوائف الشعب الأمريكي واقتصار شعبيته علي فئة الرجال من البيض والأثرياء وكبار السن. فقد صوتت الأقليات كلها لأوباما، العرب واليهود وذوي الأصول الأفريقية واللاتينية، وبأغلبية كبيرة كذلك صوتت النساء والشباب لأوباما، لقدأصبح الحزب الجمهوري في السنوات الأخيرة أكثر ميلا لليمين وجسد ميت رومني هذا الفكر، فهو يعارض تخفيف قوانين الهجرة وحق المرأة في الإجهاض والحصول على أجر متساو وزواج مثلي الجنس وهي كلها قضايا ملحة تأتي علي رأس أولوية الناخب الأمريكي بعد أن تغيرت اخريطة الديمغرافي للولايات المتحدة، وأصبحت الأقليات والنساء يمثلن النسبة الأكبر من الناخبين الأمريكيين علي الحزب الجمهوري إذن مراجعة سياساته وإلا فرصه ستتضاءل في عام 2016 خصوصا إذا كانت هيلاري كلينتون هي مرشح الحزب الديمقراطي.