ينبغي أن تتحرك الولاياتالمتحدة بحذر في اليمن اذا كانت تريد تجنب توسيع نطاق جاذبية تنظيم القاعدة دون قصد في بلد يعاني من الفقر والفساد والصراع. لقد دفعت محاولة تفجير فاشلة لطائرة أميركية في 25 ديسمبر/كانون الاول وأعلن جناح تنظيم القاعدة الذي يتخذ من اليمن مقرا له مسؤوليته عنها واشنطن الى زيادة المساعدات لحكومة الرئيس علي عبد الله صالح على الرغم من أن دبلوماسيين يقولون انها ينتشر فيها الكسب غير المشروع كما أن شرعيتها غير مكتملة الأركان. وربما يساعد هذا الدعم على استمرار الحكم الاستبدادي مؤقتا في اليمن حيث التشدد واحد من المشاكل الكثيرة التي يواجهها. ومن المنتظر أن يتضاعف السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة خلال 20 عاما على الرغم من اخفاق صادرات الغاز في تعويض انخفاض عائدات النفط ومع اتجاه الموارد المائية نحو الجفاف. وقال المحلل اليمني عبد الغني الارياني "انخراط الولاياتالمتحدة الامني بعمق اكبر سيؤدي الى زيادة في التجنيد (لصفوف) القاعدة... يمكن أن تحدث الكثير من المشاكل" مشيرا الى المشاعر المناهضة للولايات المتحدة التي ولدتها الصور التي وردت من حرب العراق لجندي أميركي يضع حذاءه على رقبة مدني عراقي. ويعترف مسؤولون يمنيون بالحاجة الى مساعدة الولاياتالمتحدة في مكافحة الارهاب لكنهم يقولون ايضا ان الحكومة تفتقر الى الموارد اللازمة لمعالجة الفقر الذي يوسع دائرة التجنيد للقاعدة. وكانت الولاياتالمتحدة تمد القوات اليمنية بالمعدات العسكرية ومعلومات المخابرات والتدريب بهدوء لاجتثاث متشددي القاعدة وبينهم العديد من معتقلي غوانتانامو الذين أفرج عنهم وانضموا الى الدفاع عن قضيتهم مجددا. وقال الارياني "دعم حكومة صالح نتيجة ثانوية لا مفر منها لهذه الحملة (الاميركية)." وأضاف "هذا سيؤدي الى استمرار نفس العادات السيئة التي أوقعتنا في هذه الفوضى في المقام الاول." وكانت الولاياتالمتحدة قد واجهت معضلات مماثلة في أفغانستان وباكستان وأماكن أخرى وكثيرا ما اختارت التعاون مع زعماء معيبين لتحقيق أهداف أمنية مهمة بدلا من الضغط من أجل تطبيق اصلاحات. وينظر مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه نظرة براجماتية لصالح (67 عاما) الذي احتفظ بالحكم لثلاثة عقود مضطربة من خلال تحقيق التوازن بين الفصائل القبلية والعسكرية بشبكة للمحسوبية يعوقها الان انخفاض عائدات النفط. وقال المسؤول "يجب أن نبذل أقصى ما في وسعنا ونلزمه بتعهداته ونضمن أن يكون لنا اشراف ونضمن سير كل شيء في الاتجاه الصحيح. هذه ليست مشكلة صغيرة." وألمحت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ايضا الى أوجه القصور في الحكم باليمن حين قالت انه يجب أن يربط الغرب المساعدات لصنعاء بشروط. ويكافح اليمن المتمردين الحوثيين الشيعة في الشمال واضطرابا انفصاليا في الجنوب. وقالت كلينتون الاثنين "حان الوقت ليوضح المجتمع الدولي لليمن أن هناك توقعات وشروطا لدعمنا المستمر للحكومة حتى تستطيع اتخاذ اجراءات تكون لديها فرصة أفضل لتحقيق ذلك السلام والاستقرار." وقالت جيني هيل من مؤسسة تشاتام هاوس البحثية بلندن ان الولاياتالمتحدة ليس لديها استعداد يذكر لخوض حرب جديدة في اليمن وهو محيط اكثر حساسية بكثير من العراق أو أفغانستان بسبب قربه من السعودية ومدينة مكةالمكرمة. وأضافت "الحكومة اليمنية ستوضع في موقف صعب جدا اذا ضغط الغرب (لنشر) قوات على الارض بأي أعداد ظاهرة." وقد تكون البدائل مثل الغارات بطائرات أميركية بدون طيار واستخدام وحدات من القوات الخاصة خاصة حساسة سياسيا أيضا اذا تبعتها خسائر بشرية بين المدنيين. وكان مسؤولون أميركيون قد قالوا ان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاجون) اقترحت في الوقت الحالي زيادة المساعدات المعلنة التي خصصتها لمكافحة الارهاب العام الماضي وبلغت قيمتها 67 مليون دولار وهو رقم لا يشمل البرامج السرية التي تديرها القوات الخاصة الاميركية ووكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي.اي.ايه). وأسفرت الغارات الجوية اليمنية المدعومة من الولاياتالمتحدة ضد أهداف يشتبه أنها لتنظيم القاعدة في الشهر الماضي عن مقتل اكثر من 60 شخصا. وقال روبرت باروز الباحث الاميركي ومؤلف كتاب (القاموس التاريخي لليمن) "الخطر يتمثل في زيادة العداء باليمن تجاه الولاياتالمتحدة ونظام صالح." وأضاف "من الافكار الرئيسية بالنسبة للحوثيين والقاعدة وربما الحركة الجنوبية ايضا العلاقة المميتة بين نظام صالح والولاياتالمتحدة." وربما ينظر صالح الى التمرد في الشمال والحركة الانفصالية في الجنوب على أنهما تهديدان أشد فتكا لحكمه من القاعدة على الرغم من أن سلالة جديدة من المتشددين أثبتت أنها اكثر تشددا واستيعابها اكثر صعوبة من العناصر المخضرمة التي خاضت "الجهاد" الذي دعمته الولاياتالمتحدة في أفغانستان في الثمانينات. غير أنه ربما يبحث عن فرصة لاستغلال القتال ضد القاعدة للحصول على مزيد من المساعدات المالية من الغرب لتعويض الموارد المتناقصة المتاحة لشبكة المحسوبية. وقالت هيل المحللة في تشاتام هاوس "يمكن أن تستفيد الشبكات الارهابية اذا ازدادت الدولة ضعفا لكن ليس الارهاب هو الذي سيقوض الحكومة انها الازمة الاقتصادية التي سببها تراجع عائدات النفط." وتركز مخاوف الولاياتالمتحدة المتزايدة بشأن قابلية اليمن للاستمرار كدولة على الى اي مدى يمكن أن يؤثر الاضطراب هناك على السعودية القوة العظمى في انتاج النفط أو الممرات الملاحية الدولية القريبة. اما بالنسبة لليمنيين فالمخاطر اكبر ويرى البعض أن تعهدات الولاياتالمتحدة وقتية ولا يمكن الاعتماد عليها. وقال الارياني "نافذة الفرصة تغلق بسرعة." ومضى يقول "حين ينتهي كل شيء وحين تكون الولاياتالمتحدة قد انسحبت سيكون اليمن قد تجاوز نقطة اللاعودة على صعيد الموارد غير المتجددة مثل المياه والنفط وسيترك بجيل لم يتدرب على شيء سوى القتال."