وتستعمل المؤلفة كلمة "قصة" في هذا الكتاب بمعناها الواسع للإشارة إلى كل تجليات الخبرة التي تحمل العنصر السردي، بما في ذلك الخيال والشعر والأغنية والسير الذاتية وسير الآخرين والأحاديث بين الأصدقاء. في الفصل الأول من هذا الكتاب، "قصص النساء، السعي الروحي للنساء"، ترى المؤلفة أن النساء يعشن خارج نطاق قصص غير أصيلة خلقتها ثقافة لم يبدعنها. ومن هنا يتكشف المأزق الذي تقع فيه النساء؛ فهن يعشن في عالم نادرا ما تحكى القصص فيه من منظورهن. وحيث إن النساء لم يحكين القصص الخاصة بهن؛ فهن لم يصغن بشكل جاد خبراتهن عن النفس والعالم؛ كما لم يحددن القوى العظمى من خلال منظورهن الخاص. فالمرأة تظهر في قصص الرجال في أدوار حددها الرجال أم أو زوجة أو أخت أو عشيقة أو ممرضة أو مساعدة أو مومس. أما القصص عن الأمهات مع البنات، عن صداقات النساء، النساء اللواتي يعملن مع النساء، النساء اللواتي يحببن النساء، الخبرات الروحية للنساء، فنادرا ما تحكى. إن النساء لم يخبرن الخبرات الخاصة بهن، لم يعطين التسمية لمشاعرهن، لم يحتفلن بعد بإدراكهن للعالم. ومن هنا تأتي الأهمية القصوى للأدب النسائي الجديد أو الشعر النسوي الذي كتبته نساء مدركات لفداحة الفجوة بين خبرة النساء وقصص الرجال. ويعكس هذا الأدب النسائي الجديد كلا البعدين: الروحي والاجتماعي، ويعكس كفاح المرأة من أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم. إن السعي الروحي للنساء يستكشف أيضا البعد المقدس في طبيعة "القوى العظمى". ومن الممكن أن يأتي وقت يسفر فيه الأدب والشعر اللذين كتبتهما المرأة على أنهما "نصوص مقدسة" عن إدراك روحي جديد للعالم. وفي الفصل الثاني، "العدم، التيقظ، التبصر، تسمية جديدة"، تتحدث المؤلفة عن خبرة العدم عند النساء اللواتي يعشن خبرة الفراغ في حياتهن الخاصة في كراهية الذات، وفي إنكار النفس وفي كونهن ضحية؛ في علاقاتهن مع الرجال؛ وفي القيم التي تشكل حيواتهن. كما تناقش المؤلفة أيضا عملية التيقظ أو التبصر الصوفي أو الصحوة التي تشبه خبرة التحول، حيث تتكشف قوى الوجود وتنفتح المرأة على القوى العظمى مما يجعلها ترتكز على إحساس جديد بنفسها وتوجه جديد نحو العالم. فتغالب النساء إنكار النفس وكراهية الذات ويرفضن أن يصرن الضحية. وتحدث الصحوة غالبا من خلال التماثل الغامض أو التطابق الصوفي الذي تتهيأ النساء له في عمليات التناغم والاتساق مع الجسد والأمومة، حيث تتحقق خبرات النساء الصوفية في الطبيعة أو في مجتمع من النساء الأخريات. ويعقب التيقظ تسمية جديدة للنفس والواقع يوضحان التوجه الجديد نحو تحقق الذات والعالم من خلال اكتساب الخبرة الخاصة بقوى الوجود. فتعكس النساء الكلية، ويتحركن تجاه قهر ثنائيات النفس وثنائيات العالم، الجسد والنفس، والطبيعة والروح، العقلي والعاطفي، تلك الثنائيات التي اجتاحت الوعي الغربي وغمرته كليا. وترى المؤلفة أنه ربما يكون أسهل على النساء أن يحققن التبصر الصوفي عن الرجال. فقط يتعين على المرأة أن تنسحب بعيدا عن الأيديولوجية الذكورية التي تقول لها إنها متوافقة كزوجة وأم من أجل أن تصبح وجهاً لوجه أمام خبرة العدم التي تعرفها مثل افتقاد الذات والافتقار إلى القوة والقيمة عند النساء في عالم مركزي ذكوري. وفي الفصل الثالث، "التحرر الروحي، الهزيمة الاجتماعية"، تتناول الكاتبة بالعرض والتحليل لقصة (التيقظ) ل"كاتي شوبين"، الصادرة في سنة 1899، عن تيقظ امرأة متزوجة تسببت في فضيحة مدوية بسبب معالجتها الصادقة للمشاعر الجنسية والانتحار. وهي من الكلاسيكيات النسوية التي أربكت النقاد ووضعتهم في موقف لا يحسدون عليه نظرا لنهايتها المثيرة للجدل. فهل انتحار البطلة هو انتصار لامرأة قوية اختارت أن تموت عن أن تستسلم للقيود الاجتماعية المتزايدة التي كانت تعتصرها في هذا الوقت؟ أم إنه هزيمة امرأة غير واعية بنفسها، أضعف من أن تواجه الإحباط الذي أودى بخيالاتها الرومانسية، وأضعف من أن تقدر على أن تخلق بمفردها حياة لنفسها؟ إن التفرقة بين السعي الروحي والسعي الاجتماعي هو المفتاح لحل هذه القضية. إن انتحار البطلة هو انتصار روحي لكنه هزيمة اجتماعية. وفي الفصل الرابع، "أرفض أن أكون ضحية: مارجريت أتوود"، تعرض المؤلفة لرواية "الصعود إلى السطح"، حيث تتوازى القصة الكشفية الخارجية لبحث البطلة عن والدها مع قصتها في البحث داخل نفسها. إن بطلة "الصعود إلى السطح" تتخلى عن وجهة نظرها القديمة عن جسدها كشيء سلبي وضحية مذبوحة، حينما تتعلم أن تنظر إلى جسدها كتجسيد لقوى الحياة والموت. وترفض ما كان يعني بالنسبة لها حرية زائفة مرتبطة بإجهاضها، وتقرر أن يكون لها طفلا، في محاولة لكي توحد بين اتصالها بالطبيعة وحريتها في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها وحياتها. وفي الفصل الخامس بعنوان "من الأمومة إلى النبوءة: دوريس ليسينج"، ترسم المؤلفة الرحلة الروحية من منظور المرأة في الروايات الخمس: "أطفال العنف"، وتجعل من خبرة النساء محورا لها. وفي الفصل السادس بعنوان "الحنين إلى امرأة، الحنين إلى أنفسنا: أدريان ريتش"، تعرض المؤلفة لرؤية الشاعرة أدريان ريتش للمرأة على أنها امرأة في البطريركية: هويتها الخاصة، هوية امرأة بالشروط التي أسسها الرجل؛ ثم شيئا فشيئا وبصورة متسارعة أكثر فأكثر إلى إمكانية هوية خاصة بها، بالشروط الخاصة بالمرأة، من خلال قصائد "الغوص إلى قلب الحطام". وترى أنه من أجل مواجهة العدم في قلب علاقة الزواج والسياسة البطريركية، يتعين على المرأة أن تتخلى عن الكثير من الخرافات التي شكلت حيوات النساء من بنات جيلها. وفي الفصل السابع، بعنوان "وجدت الله في نفسي.. وأحببتها حبا ضاريا: نتوزاك شانج"، تعرض المؤلفة للدلالات المستخلصة من القصيدة المسرحية: "من أجل البنات الملونات اللواتي قررن الانتحار/ حينما يكتمل قوس قزح" للشاعرة "نتوزاك شانج" التي تصفها بأنها شاعرة كالعاصفة تنقض زوابعها على الأرض، حينما تجسد الخبرات العادية للنساء السود بلغة صادقة بسيطة حية. وفي الفصل الثامن، بعنوان "نظرة تجاه الكلية: رؤية لثقافة النساء"، تكشف المؤلفة عن أوجه التشابه في أعمال "كاتي شوبين" و"مارجريت أتوود" و"دوريس ليسينج" و"أدريان ريتش" و"نتوزاك شانج"، التي تناولتها بالتحليل من خلال خبرة العدم واليقظات الغامضة. وترى كارول بي كريست أن الموضوعية والأكاديمية هي خرافة. فهي لغة ذكورية، إنها تستبعد وجهات نظر النساء باعتبارها غير موضوعية ولا أكاديمية؛ إذ إن الموضوعية تعكس مصلحة ذكورية أو اهتماماً أبوياً، وتتجاهل خصوصيات المرأة. البداية مع المرأة هي كيفية تحويل خبرة العدم إلى بصيرة نافذة . إن خبرة العدم عند بيرسفون إلهة العالم السفلي حادس وأمها جايا هي امتلاك للعالم السفلي. وتبدأ اليقظة عند كاتي شوبين من العلاقة مع البحر، فاليقظة ترتبط بالبحر والجنس، كما أن أفروديت هي إلهة البحر. تحتاج المرأة إلى لاهوت أنثوي، إلى لغة أنثوية، إلى امرأة تعبر عن الخبرة الدينية النسائية، حينما تنطق النساء بلغتهن الخاصة بهن بعيداً عن اللغة الذكورية، حينما يعثرن على التسميات الجديدة الخاصة بهن. فقصص النساء لم تحكى بعد حتى تستمد المرأة منها خبرتها الخاصة، فلا يوجد صوت للنساء في قصص الرجال. إن السعي الاجتماعي للنساء يركز على نضال المرأة من أجل اكتساب الاحترام والمساواة والحرية في العمل والسياسة وفي العلاقات الجنسية غير الجائرة، وفي رؤية جديدة للأمومة والإبداع وللسياسة. ف"الشخصي هو السياسي"، تعبير يعكس وعياً جديداً للنساء. أما السعي الروحي للنساء فيركز على يقظة المرأة وانتباهها إلى أعماقها وإلى تأمل وضعها في الكون لماذا لم تكن هناك بطلات في التاريخ. لأنه إذا كان في الأسطورة بطل، فلابد وأن له بطلة، أسطورة موازية. فينبغي على المرأة أن تستكشف القوى العظمى في اتصالها بالكون؛ إذ إن معظم التاريخ رويّ من منظور ذكوري. فالثقافة الذكورية تحصر إبداع المرأة في إذكاء إبداع الرجل. إن السعي الروحي يحمي ويؤمن السعي الاجتماعي. ويحدث السعي الروحي بداية بخبرة العدم، في شعور المرأة بكونها ضحية وفي كراهية الذات وإنكارها، ومن ثم يحدث التيقظ أو الصحوة والتحول. لكن المرأة تكون معرضة لأن يفضي التحرر الروحي إلى هزيمتها اجتماعياً. وفي أعمال "مارجريت أتوود" تأتي اليقظة من التبصر الذي يتأتي بالغوص عميقاً إلى النفس والصعود. ويتعين بعد ذلك التحديد أو تسمية جديدة، تراها الشاعرة "إدريان ريتش" من خلال تعلم حب النساء، فحب أنفسنا يمنحنا القدرة على التحول. ففي الصوفية يكون الحنين إلى العودة إلى الأصول. إن الرجل يتوق إلى العودة إلى رحم الأم ومن ثَمَّ يشتاق إلى المرأة كنوع من الحنين للعودة، كذلك هي المرأة تحتاج إلى الرجوع إلى الرحم، إلى امرأة تستكين إليها. وتعني الصوفية بمعناها التقليدي التخلي عن أسباب القوى الدنيوية، وهو الأمر الذي يصعب على الرجال ويسهل على النساء لأن ليس لديهن ما يخسرنه. كذلك، نجد أن علاقة البنت مع أمها علاقة معقدة، لأن البنت ليس لديها بديل عن الأم أو مثال آخر، أما الابن فهناك كثير من الرجال في التاريخ يمكن أن يتخذهم مثالاً بديلاً عن الأب. وينبغي على المرأة التخلي عن الاعتماد الجنسي والمالي على الرجل، أي أن تتخلى عن أن تصبح المخلوق العاجز الذي يلتصق ويحتاج. وأن تتخلص من الشعور الذي عبرت عنه "نتوزاك شانج" بقولها: "ولأن لي شق بين الفخذين فقد كنت أشعر بأنني محتقرة من الجميع". وتعتقد الصوفيات أنه ينبغي تجاوز الطرق التقليدية أو المنطقية في التفكير لاكتساب البصيرة، وأن استمرار الجنس البشري وبقائه يمكن تحقيقه بالتغيير التطوري، حيث تتطور فيه أعضاء جديدة للإنسان تمكنه من تجاوز الزمن والفضاء من خلال التخاطر والنبوءة والاستبصار. لكن البعض يعزو هذه الفكرة إلى تغلغل العقيدة المسيحية التقليدية التي تسعى إلى الخلاص بعيداً عن الوضع الإنساني. إن علاقات النساء مع بعضهن البعض يمكنها أن تحول ثقافة القوة والموت إلى ثقافة الحياة والميلاد الجديد. وينبغي استغلال خبرة العدم عند النساء، الليلة المظلمة للنفس، في تحقيق شجاعة الرؤية والبصيرة الأنطولوجية، في الغوص إلى قلب الحطام؛ حطام العالم البطريركي. فتحتاج النساء إلى استشعار الواقع بعيداً عما يقوله الرجال. إن الميلاد قد انتزعنا من امرأة، من أنفسنا في وقت مبكر. فاشتهاء الأم رغبة يشبعها الرجال بالاتصال الجنسي بالمرأة، وتظل رغبة دون إشباع عند المرأة. ومع التقدم في العمر تزداد قيمة الرجال وتقل قيمة المرأة. إن حب النساء للنساء يحمل دلالة كونية؛ لأنه يقلب رأساً على عقب النماذج البطريركية التي تقوم فيها النساء بالتغذية لكنها لا تتغذى. إن خبرة العدم أساسية عند كاتي شوبين ومارجريت أتوود ودوريس ليسينج وإدريان ريتش ونتوزاك شانج ثم تأتي اليقظات الغامضة لكل امرأة بطريقتها (اتحاد بقوى عظمى مثل البحر أو الغمر في قوى الطبيعة التحولية للحياة والموت أو التواجد بين المروج والسير على النهر وضبط ترددات تيارات الطاقة والقوى وضوء القمر والنهر يتدفق تحت الأرض والنبتة المائية تزهر من قلب القطران وعناق شجرة ثم تحديد اسم جديد للنفس والعالم. قالت "ماري دالي"، إذا كانوا يصورون الله على أنه رجل، إذن الرجل إله. إن امرأة أوروبا القديمة وكريت هي التي اكتشفت الزراعة واخترعت فنون النسج والخزف. وتتسائل الشاعرة "موريل روكسير"، ما الذي سيحدث إذا ما قالت امرأة واحدة الحقيقة عن حياتها؟ سيتشعب العالم ويتفتح. وفي مواجهة المعايير الثقافية المزدوجة التي تعتبر خصوصيات الرجال خبرة عالمية وخصوصيات النساء خبرة تافهة، تقول الشاعرة "نتوزاك شانج": "قررت أن أرتدي مبيضي على كمي ذراعي/ استحلب قصائدي من لبني/ أحصي أيامي من انسياب حيضي/ الرجال الذين كانوا شعراء كانوا مذعورين/ هربوا من المشهد خوفاً من أن يتلوثوا". ------- [email protected]