تخوض حكومة الإنقاذ برئاسة د.كمال الجنزورى، امتحاناً صعباً عسيراً، لتخطى عقبات وتراكمات اقتصادية هائلة، تجمعت عبر سنوات طويلة ومريرة من السياسات الفاسدة، والتجارب الفاشلة، تحت غطاء من التقارير والبيانات الزائفة التى روجت لاقتصادة واعد يخرج بالبلاد من عنق الزجاجة، ويحقق طفرات تنموية كبيرة لم يشهد لها الناس أثراً على أرض الواقع؛ حتى فوجئ الشعب المغيب بكارثة حاقت بالجميع حتى كادت تأتى على الأخضر واليابس، خاصة مع أندلاع الأحتجاجات والمظاهرات الفئوية المطالبة بتحسين الاجور والوراتب فى مواجهة شبح الغلاء الذى بات يتهدد الغالبية العظمى من البيوت المصرية. لتكشف الأيام أننا كنا نعيش وهماً كبيراً اسمه النمو غير المسبوق، وأن الاحتياطى النقدى بلغ مرحلة الخطر، بل إن البلاد تكاد تغرق فى مستنقع من الديون الهائلة.. فهل تملك حكومة الإنقاذ طوقًا للنجاة ينتشل الاقتصاد من الغرق ويعيده إلى الحياة مرة أخرى؟ هذا ما تحاول السطور التالية البحث عنه. فيرى د. إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، أن قرار د.كمال الجنزوري بفصل هيئة التأمينات عن وزارة المالية خطوة سليمة، لكنه أوضح أنه كان من الأفضل أن يتولى هذه الحقيبة اقتصادي وليس متخصصا في علم الاجتماع، حتى يكون قادرا على الإدارة الملائمة لتنمية أموال التأمينات والمحافظة عليها. ويتوقع الدسوقي أن ينجح الجنزوري في مواجهة ملفات اقتصادية مهمة كخفض احتياطي النقد، وإعادة هيكلة الموازنة العامة، ووضع حد أدنى وأقصى للأجور في الحكومة والقطاع العام، كما توقع نجاحه في إعادة تدوير عجلة الإنتاج. تحديات المرحلة ,من جانبه، يقول وزير الاقتصاد المصري الأسبق د.مصطفى السعيد إن المصلحة تقتضي وجود وزراء كفاءات تناسب طبيعة تحديات المرحلة الحالية، مشيرا إلى ضم وزارة التجارة الخارجية إلى الصناعة في وزارة واحدة ليديرها أحد المتخصصين في المجال الهندسي، وكان المتوقع أن يدير ملف التجارة الخارجية من لديه خبرات في العلاقات الإقليمية والدولية لتنشيط التجارة الخارجية لمصر. وينتقد السعيد عدم وجود وزارة للاستثمار وقطاع الأعمال العام في التشكيل الوزاري لحكومة الانقاذ، غير أنه يتوقع أن يدير الجنزوري بنفسه هذا الملف، مبررا قرار فصل التأمينات عن وزارة المالية بأنه رد بشأن ما تردد عن استيلاء وزارة المالية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك على أموال التأمينات. ويرفض السعيد ما أولاه الجنزوري من أهمية بأن أول ملفات وزارته هو تحويل 500 ألف من العمالة المؤقتة إلى العمالة الدائمة بالحكومة.. معتبراً ان ذلك يأتي في إطار الترضية الشعبية، "ويضيف إن ذلك غير مقبول في ظل الأوضاع الحالية بعجز الموازنة وانخفاض السيولة، فحينما يعود الاقتصاد المصري إلى طبيعته والخروج من الحالة الاستثنائية يصبح الوقت مناسبا لاتخاذ مثل هذه القرارات". ويتوقع الوزير الأسبق أن يكون تركيز حكومة الجنزوري على ملف إعادة الأمن إلى الشارع المصري، مؤكدا أنه ليس مطلوبا من الحكومة المؤقتة، التي أطلق عليها حكومة إنقاذ، أن تنجز معجزة اقتصادية خلال هذه الفترة القصيرة، "لأنه بعودة الأمن ستختاج إلى وقت مناسب حتي تدور عجلة الإنتاج للدوران، ويتم تعويض خسائر الاقتصاد المصري عن مرحلة ما بعد الثورة". عجز الموازنة ويعترض د. حسن أبو سعدة رئيس الحكومة الموازية بحزب الوفد، على عدد الوزارات الكبير التي تشملها الحكومة الجديدة والذي يصل إلي 34؛ منها 5 وزارات قديمة لا يتماشي مع الأوضاع المالية الحالية للبلاد؛ مما يزيد من مشكلة عجز الموازنة المالية والتدفقات النقدية للدولة. ويضيف د. أبو سعدة: تحتاج المرحلة الحالية إلي حكومة ثورية لا تزيد علي 25 وزارة فقط، وأهم هذه الوزارات هي الداخلية والدفاع والمالية والعدل والصحة، أما باقي ال 25 وزارة التي تقدم خدمات البنية التحتية كالكهرباء والمواصلات والاتصالات؛ فينبغي ان تضم اختصاصاتها إلى بعض الوزارات المتشاب عملها لصالح التغلب علي المشاكل التي تواجهها الدولة مع العمل علي تحقيق الأمن في البلاد كأول المطالب العاجلة؛ وسرعة إصدار قانوني الحد الادني والأقصي للأجور؛ ومحاولة القضاء علي العشوائيات للحد من معدلات الفوضي والجريمة، فالزمن تغير ويجب ان يتعامل رئيس الحكومة الجديدة بمفهوم الشباب والثورة. وينتقد د. أحمد صقر عاشور أستاذ الادارة والتنمية المؤسسية بجامعة الاسكندرية، اتجاه سياسة د. كمال الجنزوري، مشيراً إلي أن إلغاء مناصب نواب رئيس الوزراء سيؤدي الي مركزية شديدة تقع جميعها في يد رئيس الوزراء وهذا ما عانت منه مصر سنوات طويلاً، متوقعاً أن يلجأ الجنزورى إلي تشكيل العديد من اللجان الوزارية لتقوم بدور تنفيذ القرارات إلا أن هذه اللجان ليست بالفكرة الجديدة والتى لا تلاقي اي ترحيب عندما حاول تطبيقها في التسعينات من القرن الماضي. ويؤكد د.عاشور ان حكومة الجنزوري هي حكومة انقاذ ليس إلا؛ لذا فلا يعنينا علي من أبقي من الوزراء أو ما هي الوزارات التي استحدثها وإنما هذه الاجراءات سيحاسب عليها بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة الحكومة.. مضيفاً ان حكومة الجنزوري من الأفضل لها ان تركز علي المطالب الشعبية الحقيقية التي تحتاج إليها البلاد في هذه الفترة الحرجة. ولخص عاشور مطالب هذه الفترة من حكومة الإنقاذ الجديدة في عدة نقاط علي رأسها ضمان الأمن لتوفير وتهيئة بيئة جيدة مواتية للاستثمار وعمل القطاع الخاص الذي سيساعد علي تشغيل الطاقات البشرية المعطلة في البلاد. توفير الدعم ويرى المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، أن د. الجنزوري مسئول عن تحقيق الاغراض المعلنة من تشكيل حكومته وذلك من واقع الوضع الاقتصادي للبلد ولن يستطيع تحقيق ذلك إلا من خلال توفير الدعم اللازم لتحقيقه. ويضيف: لا يجوز لرئيس الحكومة القادمة ان يزيد إفقار البلد او تحميلها ديوناً يدفعها الاجيال القادمة لانه مسئول امام الشعب كله بالوفاء بالمتطلبات الأساسية للمواطنين بما ينهض بالدولة والاقتصاد القومي وعلي الحكومة الجديدة اياً كان تشكيلها ان تعمل علي زيادة الانتاج وفتح اسواق جديدة وتشغيل المصانع المعطلة وتحقيق وفر في المصروفات العامة التي تمس المشروعات العامة اللازمة للنهوض بالبلاد. ومن جانب اخر، يقول المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق: سياسة الجنزورى فى زيادة عدد الوزارات التى تضيف أعباء جديدة على الاقتصاد، وإن كان يحمد لحكومة الجنزوري إعادة وزارة التموين لأن من أهم مسئوليات الحكومة السيطرة علي الأسعار وهذا توجه يراه مهماً وضرورياً ويتفق مع توجهات ثورة 25 يناير خاصة فيما يخص العدالة الاجتماعية. ويري أن استحداث وزارات والغاء اخري محاولة للبعد عن تحقيق المطالب الاساسية للشعب، مطالباً بإثبات حسن النية من جانب د. الجنزوري بوضع حل لمشكلة الحد الاقصي للاجور وإلغاء القوانين الخاصة وضم أموالها لخزانة الدولة للخروج من أزمة السيولة الخانقة. فيما يعتبر البدري فرغلي رئيس اتحاد أصحاب المعاشات، أن استحداث وزارة للتأمينات هو بمثابة اعادة الحق لأصحابه لأن أموال المعاشات التي تخص أكثر من 30 مليون مواطن مصري سرقت بأيدي بطرس غالي تحت مظلة نظام مبارك الفاسد، وجاء اليوم الذى ترد فيه لأصحابها، وأصحاب الحق في الانتفاع بها. ورغم ان وزارة التأمينات الجديدة التي استحدثها الجنزوري ستكون وزارة لإدارة الاوراق بعد أن تحولت الأموال الي أوراق لدي الخزانة العامة للدولة فإنها ستكون المسئولة أمامنا لاسترجاع هذه الأموال. ومن جهة اخرى، كانت د. فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، قد أكدت أن مقترحات اللجنة الوزارية المعنية ببحث الإجراءات العاجلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية قد راعت عدة مبادئ أساسية؛ أهمها: ألا يمس ترشيد الإنفاق الحياة اليومية للمواطن، وألا يلقي بأعباء إضافية على كاهله، إلى جانب زيادة كفاءة أجهزة تحصيل موارد الدولة والعمل على تعظيمها. وأضافت الوزيرة بأن اللجنة عرضت مجموعة من المقترحات التى تهدف إلى ترشيد الإنفاق فى الموازنة العامة للدولة وتحقيق إيرادات جديدة لعلاج الفجوة فى الموازنة وميزان المدفوعات، موضحة أن تنفيذ هذه الإجراءات العاجلة يتطلب إصدار تعديلات تشريعية. وأشارت إلى أن كل دول العالم بما فيها الدول ذات الاقتصادات الكبرى تتخذ حاليا عدة إجراءات تقشفية لتحسين أوضاعها الإقتصادية، منوهة بأن د. الجنزورى استمع خلال الأيام القليلة الماضية إلى مجموعة متنوعة من الخبراء والفئات المهتمة بالاقتصاد المصرى للتعرف على سبل تحفيز الإنتاج وإعادة تشغيل المصانع المغلقة والشركات المتعثرة وجذب المستثمرين وتسوية المنازعات بين أجهزة الدولة والمستثمرين الأجانب. كما أوضحت د. أبو النجا أن الحكومة قطعت شوطا كبيرا فى هذا الصدد الأمر الذى يرسل إشارة إيجابية للمستثمرين ويشجعهم على الاستمرار فى العمل فى السوق المصرية وضخ استثمارات جديدة فيها كما يشجع على جذب استثمارات جديدة فى الفترة المقبلة، مؤكدة أنه سيتم تمويل العجز فى الموازنة بصفة عامة عن طريق ترشيد الإنفاق الحكومى، حيث ستبدأ الحكومة بنفسها. وعن الموازنة المصرية ونسب العجز بها، قالت أبو النجا: إن نسبة العجز بالموازنة زادت عما كان فى إبريل حيث كان يبلغ 134 مليار جنيه ومن المتوقع أن يرتفع العجز بسبب التطورات الاقتصادية ليصل إلى 160 مليارا، وسيتم معالجة هذا العجز عن طريق ترشيد الإنفاق دون أن يمس ذلك الأجور أو الدعم باستثناء الإهدار الحادث فى دعم الطاقة، مؤكدة أنه سيتم توصيل الدعم لمستحقيه خاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية. وأشارت إلى أنه من الممكن أن يكون هناك تمويل خارجى مثل الحزم التمويلية التي أعلنتها دول الخليج مثل السعودية والإمارات قطر وكذلك القروض الخارجية وفقا للمعايير والضوابط التى تحكم سياسة الإقتراض الخارجى، منوهة بوجود مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في إبريل للحصول على قرض يبلغ 3 مليارات ومائتى مليون دولار ثم قرر المسئولون وقتذاك أن مصر لا تحتاج إلى هذا القرض.