يسيطر على الكثير من القوى السياسية والكثير من طوائف المجتمع القلق من حصول تيارات فكرية ودينية معينة على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية القادمة وهو ما يفسر ظاهرة التحالفات السياسية، خاصة أن هذه الانتخابات لها أهمية خاصة؛ لأن حزب الأغلبية هو الذي سيشكل الحكومة ويضع الدستور الجديد للبلاد وهذا القلق لعدم وجود ضمانات حقيقية لتحسين الحياة السياسية والاجتماعية. فكل تيار يخاف من الإقصاء من الساحة السياسية كما حدث أيام الحزب الوطني المنحل؛ فالجميع يتنافس على إظهار قوته ومؤيديه بالتصريحات أو بحشد الجمهور في الندوات أو في المظاهرات المليونية. وفي البداية علينا أن نتفق على مفاهيم أساسية وهي أن كلاً يأخذ من قوله ويرد وأن هناك فرقاً بين التيار الفكري وبين سلوكيات المنتسبين إليه فهناك فارق بين سلوك بعض الليبراليين المرفوض من الليبراليين أنفسهم وكذلك أسلوب بعض السلفيين المرفوض في المنهج السلفي والسلفيين أنفسهم؟ وأنه إذا تم رفض سلوك لا يعني رفض منهج الحزب، بل يعني رفض اجتهاد أو رأي أو موقف معين أو شخصية معينة داخل الحزب وأن الاختلاف في الرأي أمر حتمي فقد كان هناك اختلاف فقهي بين الصحابة وبين المذاهب الفقهية الأربعة فليست المشكلة في الاختلاف ولكن المشكلة كيف ندير الخلاف؟ وكيف نصل به لما يخدم الصالح العام؟ وأعتقد أنه لن يكون هناك مشكلة في هوية حزب الأغلبية إذا اختار الشعب هذا الحزب، وأيضاً لأن هناك أشياء ومعايير أخرى تحكم هذه الأغلبية من الانحراف بعيداً عن الصالح العام ستكون هذه الأشياء ضمانات وميثاق الشرف ومقياس الأداء والقواعد المشتركة بين الثلاثة أطراف الشعب وحزب الأغلبية وبقية الأحزاب الأخرى وهي دعوة لجميع القوى الشعبية والسياسية لعمل ميثاق شرف متفق عليه فيما بينهم. أولاً: دستور متفق عليه من جميع التيارات باستفتاء شعبي يتفق الجميع علي احترام قوانينه، إضافة لحماية حقوق الأقليات المسيحية تحقيقاً لمبدأ المواطنة. ثانياً: الهيكل العام للدولة وهو أن تكون مصر دولة مؤسسات وتخصصات حتى تتوزع المهام على المتخصصين وأصحاب الكفاءات ونمنع السلطات المطلقة. ثالثاً: احترام الإرادة الشعبية وهي تحكم أي أغلبية ومقياس لمدي تأثير القوانين على المواطنين، فإذا وافق الشعب على رأي تيار يدخل هذا الرأي محل التنفيذ ليس لأنه رأي هذا التيار ولكن لأنه أصبح رأي الشعب أيضاً وهذا يكون بالاستفتاء الشعبي وموافقة أعضاء مجلس الشعب. رابعاً: مراعاة الشرع والعرف فأي تيار يخالف تعاليم الدين الإسلامي والمرجعية الإسلامية لمصر طبقاً للدستور أو يخالف التقاليد والأعراف المصرية والعربية سيواجه بالرفض والنقد. خامساً: محاولة إنجاز المهام في فترة زمنية محددة على المدى القريب فعضوية مجلس الشعب محددة بخمس سنوات فقط وبعدها ممكن أن يحصل تيار آخر على الأغلبية وبقاء التيار الفكري المنتمي له الرئيس القادم محدد بمدة بقاء الرئيس وهي ثماني سنوات مقسمة على مدتين فقط كل منها أربع سنوات وهذا يحقق الديمقراطية والتنوع وأيضاً يحث على العمل بشكل سريع وبوقت محدد. سادساً: الالتزام بالقيم العامة الذي تتفق عليها جميع التيارات الدينية والليبرالية كتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية وحل مشاكل المواطن البسيط ومعالجة الفساد والغش في جميع القطاعات. سابعاً: العقاب والمساءلة القانونية؛ فليس هناك أحد فوق القانون إذا باع أصحاب المناصب ضمائرهم وعقدت الصفقات الشخصية وأغرقت البلاد في الفساد سيكون للقانون والقضاء الكلمة الأولى والأخيرة. ثامناً: تطبيق مبدأ التعددية والسماح لجميع التيارات بالمشاركة المجتمعية والسياسية وشغل المناصب في الدولة وعدم اقتصار المناصب على حزب الأغلبية فقط حتى لا يتكرر ما فعله حزب مبارك الوطني وأن يأخذ حزب الأغلبية برأي أي حزب آخر ويضعه محل نقاش وتنفيذ مادام هذا الرأي يحقق الصالح العام. تاسعاً: تفعيل دور النقابات وحل مشاكلها لتكون النواة الأولى لحل مشكلة المطالب الفئوية لكل مهنة. عاشراً: أن يكون مقياس الحكم على نجاح أسلوب هذا التيار الفكري هو النجاح في حل مشاكل حقيقية للمواطن البسيط، خاصة مشاكل البطالة والفقر والعشوائيات دون التعرض للمسائل الشخصية. فأيا كانت نتيجة الانتخابات، وأياً كان الحزب الفائز بالأغلبية؛ فهذا لا يعني فشل الأحزاب الأخرى ولا يعني خروجها من المشهد السياسي وخدمة المجتمع فربما يحصل حزب على عدد محدود من المقاعد ولكنه مؤثر في الحياة السياسية والمجتمعية أكثر من حزب الأغلبية؛ فمصر هي الفائز في جميع الحالات، إضافة لذلك فإن أمام الجميع فرصة في الدورة البرلمانية بعد خمس سنوات وسنرى جميعاً ما الذي ستفعله هذه التيارات إذا وصلت للحكم ونحن أول من يصفق لأي تيار عندما يصنع شيئاً مفيداً للوطن؟ فلماذا الخوف من التيارات الإسلامية المعتدلة؟ ولماذا الخوف من الإخوان المسلمين؟ ولماذا الخوف من الليبراليين المعتدلين؟ مادام الجميع سيتفق على منهج مشترك ومصلحة عامة ولديه القدرة والكفاءة والفيصل ألا يتم مخالفة الشرع والعرف وإرادة جموع الشعب. فإذا تم الالتزام بهذه البنود وبغيرها مما يقترحه أهل الاختصاص ستقل دائرة الخلاف بين هذه التيارات وستكون تطبيقاً لمبدأ الشورى والديمقراطية وأيضاً تمنع الإقصاء والتهميش السياسي للتيارات الأخرى وتضع قواعد الدولة المدنية بمرجعية دينية قائمة على المؤسسات وروح المواطنة والمشاركة المجتمعية.